رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 18 أغسطس، 2022 0 تعليق

محاضرات المخيم الربيعي – بشارات الثابتين (1)

الشيخ: د. عبدالله بداح العجمي

 

سنتحدث عن بشارات الثابتين، لكن قبل أن نبيّن هذه البشارات، ينبغي أن نعلم من الثابتون؟ وعلام ثبتوا؟ حتى نبيّن بعد ذلك البشارات التي سوف يحصلون عليها بسبب ثباتهم ومواقفهم العظيمة، ولا شك كذلك نحتاج أن نذكر العناصر المثبتة على هذا الأمر، التي نحن في أمَسِّ الحاجة إليه في زمن الغربة والشبهات.

- أولا: الثابتونن وعلام ثبتوا؟ هذا يذكرنا بحديث سفيان بن عبدالله الثقفي - رضي الله عنه - لما جاء إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقال له: «قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدا بعدك أبدا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: قل آمنت بالله ثم استقم» رواه مسلم.

      لما أراد سفيان - رضي الله عنه - أن يعرف أقرب طريق موصل إلى رضا الله وإلى رحمته، قال له: «قل آمنت بالله ثم استقم»، فما الخطوة الأولى التي يبتدئ بها كل مسلم إذا أعلن إسلامه ودخل في إسلامه؟ وما الطريق الذي يسير عليه، حتى يعيش سعيد الدارين الدنيا والآخرة.

الخطوة الأولى: قل آمنت بالله

     بإيجاز، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - أوتي جوامع الكلم قال: «قل آمنت بالله»، هذه الخطوة الأولى في السير إلى الله -سبحانه-، وهي نطق الشهادتين وكلمة التوحيد لا إله إلا الله. أي آمنت بوجوده -سبحانه-، وآمنت به إلها -سبحانه-، وأوَحِّدَه -جل شأنه- في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. آمنت بالله بمعنى أن تنطق بأشهد أن لا إله إلا الله. هذه الكلمة لا تنفع العبد مجرد أن ينطق بها، فهؤلاء المنافقون كانوا يكررونها مرارًا وتكرارًا في اليوم وما نفعتهم. قال الله -عز وجل- عنهم {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}. إذًا لابد حتى تنفعك هذه الكلمة عند الله، وتُقبل منك، لابد أن تعلم معناها.

معنى لا إله إلا الله

      ما معنى لا إله إلا الله؟ أي: لا معبود بحق إلا الله، ولابد كذلك أن تعمل بمقتضاها، بما أمرك الله في شرعه ودينه، ولابد أن تقولها خالصًا من قلبك، فإن قلتها عالمًا بمعناها خالفت طريقة النصارى الذين يعملون ولا يعلمون، عبدوا الله على ضلال وعلى خطأ، وإن عملت بمقتضاها خالفت طريق اليهود الذين يعلمون ولا يعملون، وإن قلتها خالصًا من قلبك خالفت طريق المنافقين الذين قالوا هذه الكلمة، نطقوا بها ظاهرًا ولم يؤمنوا بها باطنًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول لكل من يرغب الدخول في الإسلام أن ينطق بالشهادتين؛ لأن هذه هي أول خطوة في سَيْرِك إلى الله.

الخطوة الثانية: (ثم استقم)

     حتى تسير تحتاج إلى خطوة ثانية وثالثة ورابعة، تسير على هذا الطريق إلى الله؛ فالخطوة الثانية (ثم استقم) وهي المُكملة للشهادتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومن ثم لابد حينما تنطق أشهد أن محمدا رسولٌ من عند الله، فتحبه وتصدقه وتتبعه وتنصر سنته - صلى الله عليه وسلم .

     ثم استقم، أي تسير على الصراط المستقيم، الصراط هو الطريق الواضح، والمستقيم أي أيسر طريق، وأقرب طريق، وأوضح طريق يوصلك إلى الجنة.

الصراط قسمان

     والصراط قسمان أو نوعان: صراط حسي أخروي، وصراط معنوي دنيوي، وكلاهما متلازمان لا ينفكان، الصراط المعنوي الدنيوي وهو دين الله -عز وجل-، والثاني الصراط الحسي الأخروي، تراه بعينك جسر ممدود على نار جهنم والعياذ بالله. إذا ثبت على الصراط الدنيوي المعنوي وهو الإسلام، نجا في الصراط الأخروي.

النطق بكلمة التوحيد

     قل آمنت بالله، النطق بكلمة التوحيد هي أول خطوة، وتسير عليها طوال حياتك إلى آخر عمرك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»، ولذلك مطلوب منا أن نسير على خطى نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وطريقه واحد - صلى الله عليه وسلم - الصراط المستقيم، كما قال الله -عز وجل-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.

 هل طريقه - صلى الله عليه وسلم - جديد؟

     ليس بجديد، بل هو طريق إخوانه من الأنبياء والرسل الذين كانوا قبله، طريق الله -سبحانه وتعالى-، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}. إذًا أنت لست وحدك، أنت تسير وراء النبي، والنبي يسير وراء إخوانه الأنبياء. ولذلك حذرنا -سبحانه وتعالى- من مخالفة هذا الطريق، طريقه - صلى الله عليه وسلم -. فكل من يبتعد عن هذا الصراط ينال العقاب والخسارة يوم القيامة. {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.

أعدل طريق وأفضله

     هذا الصراط، صراط نبينا - صلى الله عليه وسلم - هو أعدل طريق وأفضله، لا إفراط فيه كالخوارج ومن معهم، ولا تفريط كالمرجئة وغيرهم. إنما الاعتدال والتوسط طريقه - صلى الله عليه وسلم - مبني على كتاب الله (القرآن الكريم)، وسنته - صلى الله عليه وسلم -. وينبغي أن نفهم كلام الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - على فهم سلفنا الصالح -الصحابة -رضي الله عنهم-، نسير على خطاهم في عقيدتهم وعبادتهم، وفي أخلاقهم ومنهجهم، في كل شيء، لا نحيد عنهم؛ لأنهم هم الفرقة الناجية كما ذكر - صلى الله عليه وسلم - : بأن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ما عليه أنا وأصحابي.

     ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي». ويقول ابن مسعود: خطّ لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - خطًا على الأرض ثم قال هذا سبيل الله، ثم خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله، ثم قال وهذه سبل ابتعدت عن الصراط المستقيم، على كل سبيل منها شيطان من الإنس وشيطان من الجن، الكل يدعوك إلى هذه الطرق المنحرفة عن صراط نبينا - صلى الله عليه وسلم -. منهم من يستعمل معك الشبهات، ومنهم من يستعمل معك الشهوات، ليبعدك عن هذا الصراط، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}.

أصل الاستقامة

     وأصل الاستقامة -كما يقول ابن رجب رحمه الله-: هي استقامة القلب أولًا على التوحيد في معرفة الله وخشيته وإجلاله ومهابته ودعائه والتوكل عليه؛ فالقلب هو ملك الجوارح «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلُح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، فلابد أن تُعرّف قلبك بالله ويؤمن بالله ويُجِلّه، حتى أنه بعد ذلك يأمر كل الجوارح بالاستقامة على طريق الله -عز وجل.

زمن غربة

     وأنت تسير في هذه الدنيا على الصراط المستقيم، تعيش الآن في زمن غربة، وزمن فتن كثُرت فيه الشبهات والشهوات. وأنت يا ابن آدم ضعيف، قد تزل قدمك، قد تتأثر بشبهة، قد تتأثر بشهوة، قد تقع بذنب، قد تُقَصِّر في واجب، قد تقع في محرم، فالمطلوب الرجوع بأسرع وقت إلى الصراط من جديد، أي التوبة؛ ولذلك قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما أراد السفر، قال لنبينا -صلى الله عليه وسلم -: أوصني يا رسول الله، قال: اعبد الله ولا تشرك به شيئا. قال معاذ: زدني يا رسول الله، قال: إذا أسأت فأحسن. قال: زدني يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: استقم ولتُحْسِن خُلُقَك. ويقول الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.

سعادة الدنيا والآخرة

     فإذا استقام العبد على هذا الصراط أصبح من أسعد الناس في الدارين (الدنيا والآخرة)، وحصلت له الطمأنينة، وحصلت له السعادة وانشراح الصدر والأمن في الدنيا قبل الآخرة، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}. واسمع ما قاله الله -عز وجل- عن الصحابة -رضي الله عنهم-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} وهو سائر إلى الله لم ينحرف يمينا ولا شمال. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} مازال في الطريق مستقيم، يلحق بأصحابه، ثابت على دين الله {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} أي ما انحرفوا ولا انصرفوا عن هذا الصراط المستقيم، ثابتون على دينهم. يقول المفسرون في هذه الآية: نزلت في أنس بن النضر - رضي الله عنه -، لما كان يوم أحد وانكشف الناس بعد هزيمتهم في هذه الغزوة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء -يعني المشركين- وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- لما انهزموا وفروا، ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال له: أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد. يقول سعد لنبينا - صلى الله عليه وسلم -: فما استطعت ما صنع، فوجدناه -يعني أنس بن النضر- به بضع وثمانين جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وقد مثّلوا به، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه -أي أصابعه- فنزلت هذه الآية فيه وفي الصحابة.

من سأل الله الشهادة بصدق

     لهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه»، ففي آخر حياة عمر - رضي الله عنه - وقف في مكة في حجه الأخير ورفع يديه يقول: اللهم انتشرت رعيتي ورَقَّ عظمي ودنا أجلي فاقبضني إليك غير مُفَرّط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلاد رسولك، فلما رجع من الحج ووصل إلى المدينة طعنه أبو لؤلؤة المجوسي، وطُعِنَ في أحسن وقت، صلاة الفجر وهو يصلي، وفي أفضل مكان في الحرم المدني، ونال الشهادة دون معركة، ووقع بعدما طُعِن وهو يقول: حسبي الله لا إله إلا الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. فيا لها من حُسن خاتمة!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك