رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي 22 أبريل، 2024 0 تعليق

قواعد نبوية (17) – سبَق المُفرِّدونَ

  • من أعظم أنواع ذكر الله الباقيات الصالحات التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أكْبَرُ لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ
  • الذِّكر من أفضل القربات وأسمى العبادات بل هو مصدر سكينة القلوب ولو علمنا فضل الذِّكر ما ملَّتْ ألسنتُنا ولا كلَّتْ عنه
 

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبَق المُفرِّدونَ» قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما المُفرِّدونَ؟ قال: «الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ»، سبق المفردون، قاعدة عظيمة، تعني أن أهل ذكر الله -تعالى- هم أهل المسابقة، هم أهل السبق والمسارعة، هم السابقون الفائزون يوم القيامة، ومن أهل الفردوس الأعلى.

       هذه الدنيا اليوم هي ميدان للمنافسة، كما قال عمر بن الخطاب: اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، ففي هذه الدنيا يستطيع الإنسان أن يجمع الحسنات، وأن يستكثر من الخير والطاعات وعبادة الله -تعالى-، وأعظم هذه العبادات، التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيّن أن من تمسك بها وأن أهلها هم السابقون الأولون، قوله - صلى الله عليه وسلم -: «سبَق المُفرِّدونَ».

خير الأعمال وأيسرها

       ذكر الله -تعالى- هو من خير الأعمال وأيسرها، أن يحرك الإنسان اللسان بسبحان الله، لا إله إلا الله، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، يقرأ القرآن، وهكذا..، عبادة سهلة يحرك الإنسان شفتيه ولسانه بذكر الله -تعالى-، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ -تبارَك وتعالى-: أنا مع عبدِي ما ذكَرني وتحرَّكَتْ بي شَفَتاهُ»، الله أكبر على هذا الفضل العظيم، الله العظيم الجليل الكبير المتعال يكون معك، وما معنى أن الله -تعالى- يكون معك؟ يوفقك ويهديك ويسددك ويصلحك ويكتب لك الخير، ويبارك فيما آتاك من مال أو خير أو ولد بشرط أن تذكر الله -تعالى- «أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه».

عظيم وكثير ومتعدد

        ذِكر الله -تعالى- عظيم وكثير ومتعدد، وهذا من رحمة الله -تعالى- أنه ما جعل لنا عبادة واحدة أو نوعا واحدا من الذكر قد يمل منه الإنسان لو أراد أن يغير أو يجدد، بل ذكر الله كثير: فالصلاة من ذكر الله، وقراءة القرآن من ذكر الله، والدعاء من ذكر الله، وحضور مجالس العلم والذكر وإن كنت ساكتا لا تتكلم من ذكر الله.

من أعظم أنواع الذكر

       ومن أعظم أنواع ذكر الله ما يسميه العلماء بل سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - «الباقيات الصالحات». فما الباقيات الصالحات؟ وما فضلها وأجرها وثوابها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ»، بل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ»، والشمس طلعت على الدنيا وما فيها، هذه الكلمات الأربع التي هي الباقيات الصالحات كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يحث أصحابه على أن يتمسكوا بها وأن يتشبثوا بها وأن يكثروا من ذكر الله -تعالى- بها، فهي راحة وطمأنينة ورفعة للعبد في الدنيا ودرجات في الآخرة عند الله -تعالى-. وفيها معان عظيمة في حق الله -جل وعلا-؛ لأنها تنزيه وتقديس وتعظيم وتبجيل لرب العزة والجلال. سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر.

خُذُوا جُنَّتَكُم

       كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا يوما مع أصحابه فقال لهم: «خُذُوا جُنَّتَكُم. قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قد حَضَرَ؟ قال: لا، جُنَّتُكُم مِنَ النَّارِ، قُولوا: سُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ»، ومعنى خذوا جُنتكم أي خذوا حمايتكم كقوله - صلى الله عليه وسلم - (الصيام جُنة) أي الصيام وقاية، وقاية للإنسان من الذنوب والمعاصي وما يغضب الله -تعالى.

الباقيات الصالحات

        إذًا ما الذي بيّن لنا أنها الباقيات الصالحات وأنها خير من كثير من الأعمال، عندما يقابل الإنسان ربه وخالقه ومولاه، قال الله -تعالى- في سورة الكهف: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا}، وفي سورة مريم قال: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا}، هذه الباقيات الصالحات هي تلك الكلمات الأربع، قال: فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات، تنجي العبد من عذاب الله -تعالى-. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئُكُم بخيرِ أعمالِكم وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذهبِ والورِقِ، وخيرٍ لكم من أنْ تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى قال: ذكرُ اللهِ قال معاذٌ: ما شيءٌ أنجى من عذابِ اللهِ من ذكرِ اللهِ».

ذِكر الله راحة وطمأنينة

       ذِكر الله راحة وطمأنينة، أن يخلو الإنسان مع نفسه في ظلمة الليل أو في وسط النهار أو في أي وقت من الأوقات يذكر الله -تعالى- بهذه الأنواع من ذكر الله، ترفع له الدرجات، وتكفّر عنه الذنوب والخطايا والسيئات، هذه الكلمات لها دور في تكفير الذنوب ومغفرة السيئات، عن أنس بن مالك -]- «أن النبيَّ -[- مَرَّ بشجرةٍ يابسةِ الوَرَقِ فضَرَبَها بعصاه فتناثر الوَرَقُ، فقال إن الحمدَ للهِ، وسبحانَ اللهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، لتُسَاقِطُ من ذنوبِ العبدِ كما تَسَاقَطَ وَرَقُ الشجرةِ هذه»، يا له من فضل عظيم عندما يقول الإنسان: سبحان الله تتساقط الذنوب والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

ثقيلة في الميزان

       بل بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ثقيلة جدا في الميزان، كل واحد منا سيكون له ميزان، وهذا الميزان ميزان حقيقي له كفتان، توضع الحسنات في كفة وتوضع السيئات في كفة أخرى، فمن ذكر الله -تعالى- وأكثر من هذه الكلمات فإنها تكون ثقيلة جدا في ميزان الحسنات، لدرجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استغرب منها، قال: «بخٍ بخٍ وأشار بيدِه لخمسٍ ما أثقلَهنَّ في الميزانِ! سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبرُ والولدُ الصَّالحُ يُتوَفَّى للمرءِ المسلمِ فيحتسِبُه «.  

الذكر جنة الدنيا

        قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، تطمئنُّ القلوب بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره، والأمن من عذابه، تطمئنُّ من قلق الوحدة وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئنُّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء، مع الرضا بالابتلاء، والصبر على البلاء، وتطمئنُّ برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة، ذلك الاطمئنان بذِكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشةُ الإيمان قلوبَهم فاتصلت بالله. فالذِّكر من أفضل القربات وأسمى العبادات، بل هو مصدر سكينة القلوب: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، والذكر لهج باللسان، وخشوع في القلب والجنان، ومناجاة للرحمن؛ ليبقى الإنسان في اتصال دائم بالملأ الأعلى، والقوى العظمى، التي تعينه على الصبر ومواصلة الطريق. ولو علمنا فضل الذِّكر ما ملَّتْ ولا كلَّتْ ألسنتُنا عن ذِكر الملِك، قال -تعالى-: { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } (النساء: 103)، فالصلاة ذكر، وبعد الانتهاء من الذكر يأمرك ربُّك بأن تبدأ في ذكر جديد لا يحتاج إلى هيئة معينة أو وضع معين، قال ابن عباس: «أي اذكر ربَّك بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى وفي الفقر، في الصحة والمرض، في السر والعلانية»، وذمَّ الله -تعالى- المنافقين الذين { لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } (النساء: 142).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك