قناديل على الدرب -رحيل الأحباب
للجار على الجار في القيم الإسلامية وفي الآداب الشرعية حقوق تشبه حقوق الأرحام، ومنها المواساة حين المصيبة، فقد توفى العم راشد مانع الشبيعان المطيري، والد أخينا الدكتور علي الوسمي – موجه عام وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف – وهما جيران لي عما يزيد عن عشرين عامًا، لم أر منهم إلا كل خير؛ فالمواصلة بالزيارة والتهادي والعيادة والمواساة والتهنئة والمشاركات في المسرات والأفراح بيني وبينهم لم تنقطع ولله الحمد والمنة، انطلاقًا من قوله تعالى: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} (النساء:36).
فلما وصلني خبر وفاته آلمني المصاب، وحزنت عليه، فطالما ألاقيه فجرًا متجهًا إلى المسجد، وإن رآني رحب بي أشد ترحيب ببشاشة وابتسامة عطرة من محياه – رحمه الله – وكان دائمًا يمازحني، وفي مزاحه لا يضايقك البتة، بل يجعلك تشعر أنك أحد أبنائه؛ فالعم أبو مانع أشهد له بالصلاح والاستقامة، فكان لا يفارق المسجد، فهو «حمامة المسجد» وجهه مضيء بنور الله عز وجل، فمنذ أن جاورته لم أره في الصف الثاني أبدًا، دائمًا سبّاق للصف الأول لا يفارقه، وكان كريمًا يوقر ضيفه، وتلك شيم الكرام، وشعرت بسعادة غامرة حين بشرني ابنه الدكتور علي بأن آخر كلام والده كان «أشهد أن لا إله إلا الله»، ولله الحمد والمنة، ولا أستغرب من شهادة باقي الجيران، ومن يعرفه بتعلقه الشديد بالمسجد –رحمه الله– فالكل يستبشر خيرًا به وبمآله عند الله سبحانه وتعالى.
فالعم أبو مانع نعم توفى، ولكنه ترك رجالاً يعقبونه، فكلهم على خلق ودين - ولا أزكيهم – وأسأل الله أن يكونوا من الصالحين، يدعون لوالدهم بالرحمة والمغفرة ما حيوا مصداقًا لقوله[: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». متفق عليه.
وأختم مذكرًا نفسي وإياكم بالموت، فالموت حق علينا جميعًا من إنسٍ وجنٍ وملائكة وسائر المخلوقات الأخرى؛ ومهما طال الزمن أو قصر فلابد لنا من ولوج بوابة الموت، والموت يا سادة يا كرام مصيبة وأي مصيبة،! سماه الله مصيبة قال تعالى: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} (المائدة: 106). الموت لا يعرفك ولا يجاملك، يأتيك دونما إنذارٍ في بعض الأوقات، حادث أو طعنة، طلقة أو نوبة قلبية، صعقة كهربائية أو انهيار في وظائف القلب فجأة، وفي بعض الأحيان قد ينذرك أو تنذرك علاماته (المرض، الشيب، الحرب) إلخ، وهذا هو حال الدنيا.
وختامًا أسأل الله العلي القدير أن يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار، وأن يحشره في زمرة النبيين والصديقين والشهداء.
لاتوجد تعليقات