رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 5 أكتوبر، 2015 0 تعليق

قد أفلح من عُصِم من الهوى

من أعظم أسباب انحراف البشرية التي حددها القرآن الكريم هو اتباع الهوى.

واتباع الهوى هو السير وراء ما تهوى النفس وتشتهي من غير تحكيم العقل، أو رجوع إلى شرع، أو تقدير عاقبة.

والمتأمل في كتاب الله -تعالى-، يجد أن كل موضع ذكر الله -تعالى- فيه الهوى; فإنه يأتي به في معرض الذم له ولمتبعيه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه»، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل اتباع الهوى من المهلكات في قوله: «وأما المهلكات؛ فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»أخرجه الطبراني وحسنه الألباني

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله -تعالى- من الهوى فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء» أخرجه الترمذي.

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «قد أفلح من عصم من الهوى والطمع والغضب، وليس فيما دون الصدق من الحديث خير».

وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسى الآخرة».

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: «الهوى شر داء خالط قلبا».

وما ذاك إلا لأن اتباع الهوى أصل الضلال، وباب المعصية، وسبب الهلاك قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: «فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوي النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه.

وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوي على الشرع؛ لهذا يسمي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوي على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه».

وقال شيخ الإسلام: «أضلّ الضّلّال: هم أتباع الظّنّ والهوى، كما قال اللّه -تعالى- في حقّ من ذمّهم:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى}.

وتحذير القرآن الكريم من اتباع الهوى جاء في صور عديدة، وأساليب مختلفة، منها:

 أولاً: بيّن الله سبحانه أن الهدى من عنده، والهوى بخلاف ذلك:

     فقال تعالى: {قل إن هدى الله هو الهدى}، وقال سبحانه: {قل إن الهدى هدى الله}، فالله سبحانه وتعالى جعل الهوى مضادا لما أنزله على رسوله، وجعل اتباعه مقابلا لمتابعة رسله، وقسم الناس إلى قسمين: أتباع الوحي، وأتباع الهوى، وهذا كثير في القرآن كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.

 ثانياً: نزه الله -تعالى- كلامه الكريم ورسوله الأمين عن الهوى:

فقال عزوجل:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.

قال الشاطبي: «فقد حصر الأمر في شيئين: الوحي وهو الشريعة، والهوى، فلا ثالث لهما، وإذا كان كذلك; فهما متضادان، وحين تعين الحق في الوحي، توجه للهوى ضده، فاتباع الهوى مضاد للحق».

 ثالثاً: الهوى سبب الكفر والشرك:

إن من أعظم أسباب إعراض الكافرين، وضلال المشركين هو اتباع أهوائهم، فقال تعالى:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِين}.

وقال سبحانه: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}.

قال الطاهر: «والباء في {بأهوائهم} للسببية أي: يضلون منقادين للهوى، ملابسين لعدم العلم».

 رابعاً: تشبيه أهل الهوى بالحيوانات:

     صور القرآن الكريم اتباع الهوى بأقبح صورة، فشبه أتباع الهوى بأخس الحيوانات صورة ومعنى، فشبههم بالكلب، فقال عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

 خامساً: نهى الله -تعالى- أنبياءه عليهم السلام من اتباع الهوى:

فقد قال سبحانه لداود -عليه السلام-: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}.

قال ابن عاشور: «والنهي عن اتباع الهوى تحذير له وإيقاظ ليحذر من جراء الهوى، ويتهم هوى نفسه ويتعقبه فلا ينقاد إليه إلا بعد التأمل والتثبت».

وقال -تعالى- لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ}.

وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ}.

 سادساً: الأمر بالعدل واجتناب الهوى في الحكم؛ لأن الهوى يناقض العدل:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.

قال ابن كثير: «أي: فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغْضَة الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان».

وقال الشعبي: «أخذ الله -عز وجل- على الحكام ثلاثة أشياء: ألا يتبعوا الهوى، وألا يخشوا الناس ويخشوه، وألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا».

سابعاً: جعل الله -تعالى- متبع الهوى كعابد الوثن:

     قال تعالى:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}، قال ابن كثير: «أي: مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه، كان دينه ومذهبه، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان». وقال قتادة: «لا يهوى شيئا إلا ركبه، لا يخاف الله».

 ثامناً: اتباع الهوى من موانع الهداية:

قال الله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}.

     قال الطبري: «سوى - جل ثناؤه - بين صفة هؤلاء المنافقين وبين المشركين، في أن جميعهم إنما يتبعون فيما هم عليه من فراقهم دين الله، الذي ابتعث به محمدا صلى الله عليه وسلم أهواءهم، فقال في هؤلاء المنافقين: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم}، وقال في أهل الكفر به من أهل الشرك: {كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم}».

تاسعاً: اتباع الهوى سبب الردى، ومخالفة الهوى طريق الجنة:

قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى. وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.

     قال القرطبي: «أي: زجرها عن المعاصي والمحارم. وقال سهل: ترك الهوى مفتاح الجنة; لقوله عز وجل: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى}، قال عبد الله بن مسعود: أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق فنعوذ بالله من ذلك الزمان».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك