
في ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان- العالم يشهد أكبر انتهاكات في قضايا الحروب والاعتقالات والتعذيب واللجوء والحريات
احتفالية هذا العام تتزامن مع انتهاكات صارخة لحقوق المسلمين؛ حيث أشارت مصادر أممية أن العالم يشهد أكبر نسبة مهجرين ومشردين من بلادهم، منذ الحرب العالمية الثانية
الأزمة السورية تعد أسوأ أزمة إنسانية على مر التاريخ وشاهدة على انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بكافة أنواعه
تصادف هذه المناسبة ذكرى مرور 20 عامًا على اتفاقيات أوسلو، التي جرى خلالها التضحية بحقوق الإنسان الفلسطيني بذريعة تحقيق السلام والأمن الذي لم يتحقق إلى الآن
لم تجد صرخات المضطهدين المسلمين في نيجيريا أي استجابة، ولم تتحرك مشاعر المنظمات الأممية أو الدولية؛ حيث يذوق المسلمون هناك طعم الموت أحياء وأمواتاً
المليشيات الإرهابية في إفريقيا الوسطى ترتكب أبشع أنواع التمييز الطائفي ضد المسلمين
تشير التقارير إلى أن قوات أمنيةمسؤولة عن نهب ممتلكات المجتمعات السنية وتدميرها، والإخلاء القسري والاختطاف والاحتجاز غير القانوني والقتل خارج نطاق القضاء
احتفل العالم الأسبوع الماضي باليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يصادف العاشر من شهر ديسمبر من كل عام، وأعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1950، يوماً لاستعراض الجهود الدولية المحققة على صعيد احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتعزيزها وحمايتها على المستوى العالمي، لكونها جوهر مبادئ الشرعية الدولية لحقوق الإنسان التي أكدت الدول مرارًا التزامها القانوني والأخلاقي، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، على توطيدها واحترامها لبني البشر.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
«يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق» تلك الصيحة التي انطلقت في 10 ديسمبر عام 1948 في قصر (شايو) في باريس معلنة تتويج مسيرة المدافعين عن قيم الحرية والكرامة والمساواة في كل بقاع الأرض على مر العصور، بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أول لبنة في بناء منظومة حقوق الإنسان العالمية التي من المفترض أن تسعي لضمان حد أدنى من الحقوق للبشر جميعهم، ذلك اليوم الذي عدته الأمم المتحدة يومًا عالميًا، يحتفل فيه العالم بحقوق الإنسان، بهدف إحياء ذكري صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتذكير بأهمية تلك الحقوق وأولويتها؛ حيث تختار الأمم المتحدة لاحتفالها كل عام عنوانا محددًا قد يخص قضية أو حقاً ما من حقوق الإنسان، ذلك التقليد الذي بدأ عام 1950م بموجب قرار الجمعية العامة رقم 423 (د-5)، الذي دعت فيه جميع الدول والمنظمات الدولية إلى اعتماد 10 ديسمبر من كل عام بكونه اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
احتفاء أم تعزية
وتأتي احتفالية هذا العام متزامنة مع انتهاكات صارخة لحقوق المسلمين على مستوى العالم، ولاسيما ضحايا الحروب والصراعات الطائفية والسياسية؛ حيث أشارت مصادر أممية أن العالم يشهد أكبر نسبة مهجرين ومشردين من بلادهم، منذ الحرب العالمية الثانية، جاء ذلك على لسان مدير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) (وليام لاسي سوينغ)؛ حيث قال: «إن العالم يشهد أكبر حركة لجوء في التاريخ».
حراك غير مسبوق
ونقلت وكالة الأناضول عن (سوينغ) قوله: إن العالم يشهد حراكًا غير مسبوق يقدر بقرابة (250) مليون لاجئ دولياً و(750) مليون لاجئ داخلياً، معتبرًا أن أغلب هؤلاء المشردين واللاجئين من إفريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط، وأشار قائلاً: إننا نشهد أكبر عدد من المهجرين قسرًا منذ الحرب العالمية الثانية.
مأساة القرن
حينما نتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان بأنواعه في القرن الحادي والعشرين فسنجد الأزمة السورية تطل برأسها، تلك الأزمة التي وصفها أمين عام منظمة الأمم المتحدة (بان كي مون) قائلاً: إنها أسوأ أزمة إنسانية في الوقت الراهن، تلك الأزمة التي خلفت حتى الآن أكثر من 250 ألف قتيل، وأكثر من مليون مصاب و13 مليون شخص ما بين نازح ولاجئ؛ حيث كونت مآسيهم أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها التاريخ الحديث.
يذكر أن قرابة (4) ملايين شخص، هربوا من سوريا وحدها عقب أكثر من أربع سنوات من الحرب الأهلية، و(2.1) مليون منهم مسجلون الآن في تركيا، بحسب تقرير نوفمبر الماضي، الصادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
اتفاقية أوسلو
كما تصادف هذه المناسبة ذكرى مرور 20 عامًا على توقيع اتفاقيات أوسلو، التي جرى خلالها التضحية بحقوق الإنسان بذريعة تحقيق السلام والأمن، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى اليوم، وقد دفع الشعب الفلسطيني -وما يزال- ثمن تلك السياسات بمزيد من مصادرة الحقوق والحريات الأساسية للفلسطينيين، وفي مقدمتها استمرار التنكر لحقهم في تقرير المصير وكافة حقوقهم المدنية والسياسية، فضلاً عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تدهور الوضع الإنساني في تعز
وفي اليمن أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن القلق إزاء التدهور السريع للوضع الإنساني في تعز باليمن، واستمرار وقوع قتلى ومصابين في أعمال العنف هناك، وأشار (روبرت كولفيل) -المتحدث باسم المكتب في مؤتمر صحفي في جنيف-: أن سكان تعز يرزحون تحت وطأة الحصار، فيما يكافحون لتوفير احتياجاتهم الأساسية بما في ذلك المياه التي زاد سعرها بنسبة 300% ، ووفقا لتقارير تلقاها مكتب حقوق الإنسان، فقد منع أعضاء اللجان الشعبية التابعة للحوثيين والقوات المسلحة الموالية للرئيس السابق صالح، التجار المحليين والسكان من عبور نقاط التفتيش بالمياه والفاكهة والخضراوات وغير ذلك من البضائع الأساسية، وأعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن القلق إزاء تدهور الوضع الصحي في تعز، والانهيار الوشيك للنظام الصحي فيها، وقد أدى الصراع المسلح في اليمن إلى مقتل أكثر من ألفين وخمسمائة مدني وإصابة خمسة آلاف بجراح في الفترة بين السادس والعشرين من مارس وحتى السادس عشر من أكتوبر.
جنوب السودان
وفي جنوب السودان شرد القتال الدائر بين الجماعات المحلية المعروفة باسم (أرو بويز) والجيش السوداني الجنوبي في منطقة غرب الاستوائية جنوب السودان أكثر من أربعة آلاف شخص في منطقة نائية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حسبما أعلن المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (أدريان إدواردز) في جنيف اليوم.
وأضاف أن 90 في المائة من اللاجئين السودانيين الجنوبيين هم من النساء والأطفال، وسار بعضهم لمدة ثلاثة أيام، فيما بقي الرجال في جنوب السودان، وينام معظم اللاجئين في العراء أو في أكواخ مهجورة دون سقف.
الصراع الطائفي في العراق
وفي العراق أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان على لسان المتحدثة باسمها (سيسيل بويي) عن بالغ القلق إزاء تقارير حول ارتفاع معدل انتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الانتهاكات التي ترتكب ضد المجتمعات العربية السنية في العراق.
وتشير التقارير إلى أن قوات أمنية مسؤولة عن نهب ممتلكات المجتمعات السنية وتدميرها، وعمليات الإخلاء القسري والاختطاف والاحتجاز غير القانوني وفي بعض الحالات، القتل خارج نطاق القضاء.
وحثت المفوضية الحكومة العراقية على التحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك التي ارتكبت ضد المجتمعات العربية السنية، لتقديم الجناة إلى العدالة، كما دعت السلطات العراقية إلى ضمان أن تتم عودة النازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وفقا للمبادئ الإنسانية أي طوعا، وبكرامة وأمان دون إكراه أو مضايقة من أي نوع، وضمان وصولهم إلى الخدمات الأساسية مثل المأوى والمياه والغذاء والصرف الصحي، والخدمات الصحية.
الصراع الليبي ما زال مستمرًا
وعلى الصعيد الليبي لا تزال الصراعات السياسية وأعمال العنف المميتة تعصف بليبيا؛ حيث أثرت نزاعات عدة مسلحة على العديد من المناطق، وأسهمت في انهيار عام في القانون والنظام وذلك بحسب تقرير جديد حول حقوق الإنسان أصدرته الأمم المتحدة.
ويبدو أن جميع الأطراف في ليبيا ارتكبت انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي بما في ذلك تلك التي قد تشكل جرائم حرب، علاوة على انتهاكات أو مخالفات جسيمة ضد القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويكشف التقرير على وجه الخصوص الانتهاكات التي واجهها المدنيون المستضعفون مثل الأشخاص النازحين داخليًا والمدافعين عن حقوق الإنسان والمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين.
ويوثق التقرير، الذي نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالاشتراك مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان القصف العشوائي للمناطق المدنية واختطاف المدنيين والتعذيب والإعدامات علاوة على التدمير المتعمد للممتلكات وغيرها من انتهاكات وتجاوزات جسيمة ضد القانون الدولي تم ارتكابها في أجزاء متعددة من البلاد، ولقد أدى العنف إلى مئات الوفيات ونزوح جماعي وأزمات إنسانية في العديد من المناطق في ليبيا.
ويسلط التقرير الضوء على محنة اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، ولاسيما القادمين من بلدان أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، الذين أضحوا معرضين بطريقة متزايدة للقتل، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية، والتعذيب، والاختطاف، والاعتداء الجسدي، والسرقة المسلحة، والاستغلال؛ حيث تم اعتقال بعضهم على أيدي مجموعات مسلحة على ما يبدو للانتقام من تصرفات حكومات بلدانهم الأصلية.
مأساة ميانمار
أما مأساة ميانمار فحدث ولا حرج، فبين التهجير، والاضطهاد، والطمع بالثروات، تعددت فصول معاناة مسلمي (الروهينجا) في إقليم أراكان، غربي ميانمار (بورما سابقاً)، معاناةٌ أسبابها عرقية ودينية، وهو ما صرح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حين زار ميانمار مرتين، وتحدث عن القضية، وعن ضرورة إعادة المواطنة المسلوبة لشعب أراكان المسلم؛ حيث يصرح الرهبان البوذيون ولاسيما منظمة 696 التي أُنشئت بدعم من الحكومة لتطهير المسلمين، يصرحون بأنهم لا يريدون أي مسلم على أرض أراكان.
يشار إلى أن نحو مليون من مسلمي (الروهينغا) يعيشون في مخيمات (أراكان)، بعد أن حُرموا من حق المواطنة بموجب قانون أقرته ميانمار عام 1982؛ إذ تعدهم الحكومة مهاجرين (بنغال) غير شرعيين، بينما تصنفهم الأمم المتحدة بأنهم «أقلية دينية مضطهدة».
الصراع في نيجيريا
وفي نيجيريا، لم تجد صرخات المضطهدين المسلمين أي استجابة، ولم تتحرك مشاعر المنظمات الأممية أو الدولية، الجميع يسمع لكن ليس الجميع يشعر؛ حيث يذوق المسلمون هناك طعم الموت أحياء وأمواتا، وكم من إغاثة أطلقوها لمسلمي العالم انتهت بإدانات متأخرة أو بيانات صحفية مستنكرة «لا تسمن ولا تغني من جوع».
الأغلبية مسلمون ولكن؟
إن كانوا أقلية فكان الحل أن يهاجروا، ولكنهم أغلبية، فكيف يهاجر 85 مليون نسمة من المسلمين في نيجيريا، من إجمالي 154 مليون هم عدد السكان، للأسف هذه الأغلبية مستضعفة مضطهدة، وقد بدأت حملات الإبادة لهم من قبل النصارى، منذ عام 2003، نتج عنها تهجير أكثر من 17 ألف مسلم من منازلهم، وسط تراخٍ غير مسبوق من سلطات الأمن.
إدانات متأخرة من الأمم المتحدة
وعن بشاعة ما يتعرض له المسلمون في نيجيريا قالت المتحدثة باسم المفوضية (رافينا رافينا شامداساني): إننا نشعر بالفزع من العنف الشديد والعشوائي الذي تشهده نيجيريا، وحثت المفوضية الحكومة النيجيرية على بذل المزيد لتوفير الأمن والحماية للمدنيين، ولاسيما في المناطق المعرضة للهجمات؛ حيث تم إعلان حالة الطوارئ. وذكرت (شمداساني) كما ندعو السلطات إلى فتح تحقيق فوري وشامل، وضمان مقاضاة ومحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعمليات القتل.
وفي النهاية يبقى المسلمون بين رحايا الموت، والتنصير يباد الإسلام بالقتل والحرق والتعذيب، وسط زخم السياسة التي تشغل دول العالم متناسين دورهم في الدفاع عن المضطهدين في الأرض، ولكن هل من مجيب؟.
أفريقيا الوسطى وإعدام شعب
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، لقي ما يربو على 5,000 شخص مصرعهم في آتون العنف الطائفي رغم وجود القوات الدولية، وكانت أغلبية من فارقوا الحياة من المدنيين؛ حيث يعيش المسلمون هناك مأساة ومعاناة لم يشهد لها التاريخ مثيلا؛ حيث ما زال الصراع الدموي الطائفي الذي ترتكبه المليشيات الإرهابية المسيحية الملقبة بـ(أنتي بالاكا) ضد المسلمين قائما إلى وقتنا الحالي؛ حيث تبلغ نسبة المسلمون في أفريقيا الوسطى % 20، ونسبة المسيحيين % 75؛ وبسبب القمع المستمر والتفرقة العنصرية والتضييق المباشر بكل الوسائل الإرهابية ضد المسلمين بدأ المسلمون بالنزوح من مناطقهم إلى مناطق أخرى أكثر أمانا، إلا أنهم لا يزالون عاجزين عن التنقل خوفًا من القتل وتجدد العنف الطائفي ضدهم .
استهداف علني للمسلمين
وأكدت مستشارة منظمة العفو الدولية المختصة في التعامل مع الأزمات أن بعض المناطق في جنوب أفريقيا وغربها تسجل استهدافاً علنياً للمسلمين؛ حيث أجبروا على التحول إلى الديانة المسيحية فيما منع بعضهم عن الإفصاح عن هويته الإسلامية؛ حيث تم منع الصلوات وارتداء اللباس الإسلامي ومنع بناء المساجد التي تعرض 400 منها إلى الهدم والدمار في جميع مناطق البلاد، بل وتتوالى الهجمات الإرهابية على قوافل المساعدات الإنسانية التي تأتي لمساعدة المسلمين في أفريقيا .
أي إنسان يقصدون؟
أخيرًا: بعد ما سردناه من مآس يندى لها الجبين، لا ينكر منصف بشاعة ما يتعرض له المسلمون في شتى دول العالم- شرقًا وغربًا – من انتهاكات وحشية، وحرب إبادة في بعض الأحيان، في ظل صمت دولي مخيب للآمال -.
وبالرغم من انتفاضة العالم لمقتل بعض الأشخاص هنا أو هناك نتيجة بعض الأعمال الإرهابية التي لا يقرها الإسلام بأي حال من الأحوال، نجد هناك ازدواجية في التعامل مع تلك الأحداث، فما حصل في فرنسا وغيرها جزء بسيط جدًا مما يحصل يوميا وباستمرار في سورية واليمن والعراق وغيرها من الدول الإسلامية، ولا نرى ردود فعل كردة فعل الغرب والعرب، بل والعالم أجمع، تجاه تلك المجازر المنظمة والممنهجة تجاه المسلمين في كل مكان، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن المبادئ الإنسانية، والحقوق الأممية التي تبناها هذا العالم المتحضر، والذي يحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ فأي إنسان يقصدون؟! لا أظن أن المسلمين معنيون بهذه الاحتفالات، وغير مستحقين لتلك الحقوق..!!
لاتوجد تعليقات