رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فيصل العثمان 21 مارس، 2023 0 تعليق

شرح كتاب فضل الإسلام – للشيخ محمد بن عبدالوهاب (27) باب: غربة الإسلام وفضل الغرباء

ها نحن أولاء مع باب جديد من شرح كتاب (فضل الإسلام) للشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-، وهو باب: «ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء»، وقوله -تعالى- «فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض».

     بدأ الإسلام غريبًا، فأول ما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة لما بعثه الله -سبحانه وتعالى-: {قم فأنذر}، قام وحده ولم يكن معه أحد، ثم انضم إليه أبو بكر الصديق وبلال بن رباح -رضي الله عنهم-، ولما سُئِل - صلى الله عليه وسلم -: «من معك على هذا الأمر؟ قال: معي حُر وعبد»، وهناك من قال: إنَّ أول من آمن به - صلى الله عليه وسلم - خديجة -رضي الله عنها-، ومن قال علي - رضي الله عنه -، نقول: من الصبيان علي - رضي الله عنه -، ومن النساء خديجة -رضي الله عنها-، من داخل بيت النبي خديجة وعلي، ومن خارج البيت أبو بكر وبلال -رضي الله عنهما-، هكذا يجمع أهل العلم بين الأحاديث.

بدأ الإسلام غريبًا

      فالإسلام بدأ غريبا، قليل أفراده، مُستهجن، مُحارب، غير مقبول؛ لذلك يقول أهل العلم: الغريب هو النادر، أو يكون مع أناس ليسوا من جنسه أو ليسوا من بلده، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم ناصحًا ابن عمر رضي الله عنهما-: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، فهذه الدنيا ليست دار مُقامة، فمثلا إذا سكنت فندق فأنت لا تشعر أنه دار مقامة بل دار عبور تمكث أياما ثم تغادر، كذلك شعورك في الدنيا أنك غريب، فهذه الدنيا دار عبور وابتلاء وامتحان، كالطالب يجلس في فصله ساعة للامتحان ويخرج، وكذلك أنت، كن في الدنيا كأنك غريب فإذا كان هذا شعورك فإنك لن تكذب ولن تسرق؛ لأن هذه الدنيا لا قيمة لها.

دار المقامة في الآخرة

     أما دار المقامة هناك في الآخرة، خلود ولا موت، فلا تستوي الدنيا بالآخرة، هل رأيتم إنسانا يُزيّن مقامه في دار سيجلس فيها ساعة ويتركها؟! بل زيّنْ وعمّرْ الدار التي ستبقى فيها خلودا، كذلك الرجل إذا ناقشك في مسألة نقاش علمي وبَعُدَ عن المسألة يُقال عنه أغرب الرجل إغرابا، أي خرج عن الموضوع وأتى بكلام غريب، إذًا فالإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما سيأتي.

افتتاح الباب

     افتتح المؤلف هذا الباب بآية في سورة هود {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ}، وأولو بقية هنا بمعنى أولو عقل وفهم وبقية من التمسك بآثار الأنبياء، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

     أما إن كان صالحًا في نفسه ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، وفي وسط أناس على فساد، فإنه يهلك معهم. وهذا ثابت في الحديث الصحيح عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يغزو جيش البيت-أي مكة- حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خُسِفَ بهم، قالت، قلت: يا رسول الله، أرأيت المُكْره منهم؟ قال: يُبعث على نيته».

الصالح يُبعث على نيته

     فالصالح يُبعث على نيته، لكن يهلك معهم، وينجو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال الله -سبحانه وتعالى-: {إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ}، وهنا وجه الشاهد «إلا قليلا» لهذه الكلمة أتى الشيخ بهذه الآية، فهؤلاء القليل من هؤلاء القوم الكثير الذين هم على الباطل غرباء، هم الذين كانوا يأمرونهم بالمعروف وينهون عن المنكر، وهؤلاء الذين ينجون من الهلاك الدنيوي. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمره عظيم في الأمة وهو من أهم واجبات هذه الأمة، فلا يُهجر.

نصيحة لنفسي وإخواني

     وأنصح نفسي وإخواني من الدعاة ممن يحمل هذا المنهج للناس، ألا يَغُش الناس ويجاملهم بألا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وأنصح الآباء والأمهات، في بيوتهم الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وهذا لا يجوز، أنت في بيتك الذي استرعاك الله إياه ولك فيه الكلمة الأولى لابد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، يرى ابنته غير متحجبة أو ألقت الحجاب أو متنمصة ولا يتكلم مع ابنته بشيء، ولا يقول هذا لا يجوز، ومعنى أنها متحجبة أن أباها وأمها على خير، لكن ما وجدت منهما ناصحا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر؛ فسارت في هذا الطريق متنمصة أو ألقت الحجاب.

     فهؤلاء الذين أشارت إليهم الآية من الأقوام، هؤلاء قليل في كثير فهم غرباء، لذلك الشيخ أتى بهذه الآية في بداية هذا الباب. يقول ابن القيم: فإن الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية.

كيف بدأ الإسلام غريبًا؟

     عن أبي هريرة مرفوعا قال: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء»، ذكرنا أنَّ الإسلام بدأ غريبًا، ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- عندما أمر نبيه بقوله: {قم فأنذر} كان النبي بمفرده، غريبا في قومه، غريبا فيما يحمل من منهج، لا يعرفه الناس ولا يتقبلونه منه، ثم بدأ الناس يدخلون معه، فكان أول الرجال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، كذلك بلال - رضي الله عنه - حتى أنه لما سئل من معك على هذا الأمر؟ قال: معي حر وعبد، بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، سيأتي أزمان وأحوال في الناس يكون أهل المنهج الحق وأهل الإسلام غرباء في أقوامهم، غرباء في بلادهم، وفي قبائلهم، وفي عوائلهم، غريب لقلة الناس حوله ممن يحملون ما يحمل من منهج حق.

     وهذه الرسالة التي نقرؤها «فضل الإسلام» جاءت في بيان فضل الإسلام على أهله الذين تمسكوا به وساروا على الصراط المستقيم، وطبقوه كما أمر الله -سبحانه وتعالى- ، وكما بيّن نبيه - صلى الله عليه وسلم - . من كان على هذا الموقف وهذا الأمر لا شك أنه غريب في أهله؛ لأن غالب الناس ليسوا على ذلك، ولا يقبلون ما يحمل من منهج.

أي إسلام مقصود في الحديث؟

     وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بدأ الإسلام غريبا» هنا يأتي سؤال، أي إسلام مقصود في الحديث؟ فالناس في فهم الإسلام أفهام وفِرَق ومناهج وأفكار، ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وستفترق هذه الملة على ثلاث وسبعين فرقة، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة» وهي الجماعة، إذًا المقصود بالإسلام في هذا الحديث الذي رواه مسلم «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» الإسلام الصحيح الحقيقي، الإسلام الذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس الإسلام الذي يبتدعه الناس.

طوبى للغرباء

     (فطوبى للغرباء) طوبى ترغيب للمسلم أن يكون مع الغرباء في ذاك الزمان بأن له طوبى، فما هي طوبى؟ قال أهل العلم: قد تكون شجرة في الجنة، وقيل: هي الجنة، وقيل: هي الكلمة الطيبة، أي لهم الفرح وقرة العين وحُسن المآب وحُسن المرجع كما قال الله -سبحانه وتعالى- {طوبى لهم وحسن مآب} وهذا فيه ترغيب أن المسلم يتمسك بما عليه من حق وإن شعر بالغربة، والغرباء هم أهل الصلاح وأهل الاستقامة وتنفيذ الأوامر والدعوة إلى الحق عند فساد الناس وتغيّر الأهل، وهم المتمسكون بالأصول الأولى الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، ولذلك هم غرباء.

مَن الغرباء؟

     ثم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: قيل: مَن الغرباء؟ قال: النُّزاع من القبائل، أي هناك صنف من الغرباء يخرجون من أقوامهم، هاجر بدينه في سبيل الدعوة إلى دينه، ترك الأوطان لإقامة سنن الدين، وهؤلاء قلة، انظر إلى من هاجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قلة من الناس، فالقليل من الناس يهجر قبيلته وماله ووطنه في سبيل دينه الحق، فهو غريب في أهله ويخرج إلى بلد آخر لنشر دينه الحق. وهذه الرواية -رواية أحمد- لا تصح؛ لأن فيها رجلا يُدعى بأبي اسحق السبيعي وهو مدلس قد عنعن هذه الرواية، وعند أهل المصطلح فهذه الرواية لا تصح، وإن كان بعض أهل العلم صححها؛ لذلك تجد الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- يقول: كنت مع من صحح، ولكني الآن متوقف في صحتها؛ فالرواية لا تصح، لكن معناها صحيح، أن المتمسك بالحق يترك مكانه ويهاجر.

     وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد، الذين يصلحون إذا فسد الناس. إذًا الوصف الأول: نُزّاع، يخرجون ويهاجرون، يترك وطنه في سبيل دينه، أما الوصف الثاني: الذين يصلحون إذا فسد الناس، ثابتون على منهجهم، لا ينحرفون كما انحرف الناس.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك