
شبهات وردود – الإسلام وطوفان الإلحاد
الإلحاد ورد في القرآن بمعنى الميل عن القصد والانحراف عن السواء ومن هنا جاءت تسمية الذين ينكرون الخالق
المتابع لحركة أعداء الإسلام في هذا الجانب يدرك أن الخطب جلل وأن المصاب إذا اتكل بعضنا على بعض سيكون فادحاً
إن وسائل المعرفة في عصرنا الحالي تعددت، وأصبحت تلك الوسائل وقنواتها المختلفة من الكثرة ما يصعب معه إحصاؤها، وبعض هذه الوسائل والقنوات ولاسيما الإنترنت والفضائيات اتخذت من الإساءة للدين الإسلامي والطعن على ثوابته، ومقدساته، هدفاً لها؛ مما جعل بعض الشباب تحت وطأة الهجوم الضاغط عرضة للشك، أو العجز عن الرد في أحسن الأحوال؛ فتزلزلت عقائد بعضهم التي هي من الأساس هشة، وهوى دينهم الذي لم يكن راسخاً ولا مبنياً على أسس ثابتة من صحيح الدين.
وفي لحظات غفلة وإهمال وتهوين وانشغال من العلماء والدعاة والأهل والمربين ومؤسسات الدين، هوى عديد من أبناء المسلمين من فلذات الأكباد، في مهاوي الإلحاد، حتى زعم بعض الزاعمين أن عدد الملحدين في مصر وحدها وصل إلى مليونين، والطامة الكبرى ذلك البحث الذي نشره معهد غالوب الدولي وصدر تحت عنوان: (مؤشر عام حول الدين والإلحاد)؛ حيث جاء فيه: تزايدت نسبة الإلحاد في معظم الدول العربية، بل جعلوا المملكة العربية السعودية الأولى في نسبة الإلحاد بين الدول الإسلامية!
وبصرف النظر عن المبالغة التي تنطوي عليها مثل هذه التقارير وغيرها، والأهداف الدفينة من نشرها وتضخيم شأن الإلحاد فيها، فإن المتابع لحركة أعداء الإسلام في هذا الجانب، يدرك أن الخطب جلل، وأن المصاب إذا اتكل بعضنا على بعض سيكون فادحاً؛ لذا جاءت هذه المقالات ليس فقط في سياق كبح جماح ذلك الشر وتحجيمه، ومن ثم القضاء عليه، ولكن الأهم تحصين أبنائنا وإخواننا وأحبتنا من الوقوع في تلك الهاوية التي هي فقد الإنسان لأعز ما يملك وهو الإيمان، التي هي فرع عند حصولها لفقد أعظم نعم الله على الإنسان بعد الإيمان، وهي نعمة العقل.
غلق لمنافذ الفهم وتسطيح للإدراك
يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم: {إنَّ في خَلْقِ السَّموَاتِ وَالأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولىِ الألْبَاب. الذيِنَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهمْ وَيَتفَكروُنَ فيِ خَلْقِ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ. رَبَّنا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}(آل عمران: 191:190).
بوقفة تأمل بسيطة من الإنسان في نفسه، أو في خلق الله من حوله، أو في الكون، أو في أقدار الله وتصريفه لشؤون عباده، يستطيع أن يدرك مع شيء بسيط من العقل، وقدر من الإنصاف والصدق، أن لهذا الكون خالقاً مدبراً، يقول أبو العتاهية:
فواعجباً كيف يُعصى الإله
أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحد
ولهذا سئل أعرابي: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟
مع هذا ومع أن كل شيء يدل على الله -تعالى- إلا أن هناك منذ القدم أناساً ضلوا عن سبيل الله؛ فمنهم من ضل بتقديسه لما هو دون الله من عظيم خلقه، ومنهم من ضل بإنكاره لوجود خالق لهذا الكون من الأساس؛ فالإلحاد موجود في البشرية منذ زمن بعيد.
معنى الإلحاد
إن كلمة الإلحاد حين وردت في القرآن الكريم، لم ترد لتدل على الإلحاد بمدلوله المتعارف عليه في العصور المتأخرة، فقد قال الله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(الأعراف:180)؛ فقوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} أي الذين يشتقون من أسمائه أسماء للأصنام، فيشتقون من لفظ الجلالة: (الله) اسم اللات، ويشتقون من اسمه: (العزيز)، اسم العزى، يقول ابن كثير: وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدل عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر، لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر، ومنه أيضاً قوله تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ}(النحل: 103)، أي يميلون إليه انحرافاً عن الحق وبعداً عن الصواب في نسبتهم القرآن إليه، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا}(فصلت:40)، أي الذين يميلون بكلام الله عن مدلوله إلى معاني بعيدة؛ فيضعون كلام الحق في غير موضعه، ويفسرونه على غير وجهه.
والمقصود أن الإلحاد حين ورد في القرآن جاء بمعنى الميل عن القصد، والانحراف عن السواء، ومن هنا جاءت تسمية الذين ينكرون الخالق بهذه التسمية؛ لأنهم أبعد الناس انحرافاً عن الحق، فالانحراف عن الحق درجات، وأبعد درجاته، هي درجة إنكار الخالق، فليس بعد ذلك الميل من ميل ولا بعد ذلك الانحراف من انحراف.
الإلحاد في زمن النبوة
لقد كانت التسمية الدارجة للملحدين العرب إبان عصر النبوة (الدهريون)، سموا بذلك اشتقاقاً لهم من مقولتهم الشنيعة التي سجلها القرآن عليهم في قوله سبحانه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}(الجاثية: 24)؛ فهؤلاء هم الذين يعتقدون بقدم العالم، وأنه لا خالق له، يقول ابن جرير -رحمه الله تعالى-: وقوله (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ) يقول -تعالى ذكره- مخبرًا عن هؤلاء المشركين أنهم قالوا: وما يهلكنا فيفنينا إلا مرّ الليالي والأيام وطول العمر، إنكارًا منهم أن يكون لهم ربّ يفنيهم ويهلكهم، وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا دَهْرٌ يَمُرُّ)، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثم قال: وذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن أهل الشرك كانوا يقولون: الذي يهلكنا ويفنينا الدهر والزمان، ثم يسبون ما يفنيهم ويهلكهم، وهم يرون أنهم يسبون بذلك الدهر والزمان، فقال الله -عزّ وجلّ- لهم: أنا الذي أفنيكم وأهلككم، لا الدهر والزمان، ولا علم لكم بذلك.
ثم ذكر الرواية بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) قال: فيسبون الدهر، فقال الله تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار».
الإلحاد عبر التاريخ
يعد بعض الباحثين مادة الإلحاد وخامته الأولى إنما نشأت عند الفراعنة، ومن خلالهم انتقل إلى الإغريق واليونان، يقول د. محمد دراز: «لم يبق الآن مجال للشك في أن القدامى من علماء اليونان وفلاسفتهم تخرجوا في مدرسة الحضارات الشرقية، والحضارة المصرية بوجه أخص، وليس معنى هذا أن الإغريق (اليونان) كانوا بمثابة أوعية مصمتة نقلت علوم الشرق ومعارفه نقلاً حرفيًّا؛ فذلك ما لا يستسيغه عقل، ولم يقم عليه دليل من صحيح النقل، ولكن المعنى أنهم لم ينشئوا هذه العلوم إنشاءً على غير مثال سابق، كما ظنه بعضهم، بل وجدوا مادتها في الشرق فاقتبسوا منها وأفادوا كثيراً، وإن قدماء اليونان أنفسهم يذهبون إلى الاعتراف بهذه التلمذة إلى القول بأن عظماءهم أمثال (فيثاغورس) و(أفلاطون) مدينون بأرقى نظرياتهم إلى المدرسة المصرية، والناقدون المحدثون وإن استبعدوا حصول نقل حرفي لهذه النظريات، لم يسعهم إلا التسليم بتبعية هؤلاء الفلاسفة في الدين والأخلاق، للنظريات المصرية».
فعلى ذلك يعد فرعون هو إمام الملحدين لأنه أنكر وجود الخالق فقال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، وفي الفكر الغربي كان رائد الإلحاد فيلسوف يوناني يقال له إبيقور فكان يقول: إن الموت هو نهاية الجسد والروح، وإن الكون لا نهائي، وأن أحداث الكون تعتمد على حركات وتفاعلات الذرات في الفراغ. يتبع
لاتوجد تعليقات