
شباب تحت العشرين – 1238
اقتفاء آثار النبي صلى الله عليه وسلم
لا صلاحَ للأمَّة في دِينها ودُنياها، ولا عِزَّ، ولا نصر، ولا تمكين لها، إلاَّ إذا اقتفت نهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثارَ أصحابه، وترسَّمت خُطاهم في العبادة والاعتقاد والسلوك، والاقتصاد والسياسة، والدعوة، ويحصل لها مِن ذلك بقدر اتِّباعها لنبيِّها - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضي الله عنهم- {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام: 90).
معيار الحكم على الناس
من الأمور المهمة في حياة الشباب ضبط معيار الحكم على الناس من خلال المعيار الشرعي والميزان الإلهي الذي وضعه الشرع للحكم على الأشياء ووزنها، فبمعرفة المعيار الشرعي نستطيع أن نحدّد مدى قربنا من النَّموذج الصَّحيح الذي يحبه الله ويرضى عن صاحبه. قال سهل بن سعد - رضي الله عنه - مرَّ رجلٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل عنده جالسٍ: «ما رأيكَ في هذا؟» فقال: رجلٌ من أشراف الناس، هذا والله حريٌّ إن خطبَ أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفَّع. فسكتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم مرَّ رجلٌ، فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما رأيك في هذا؟» فقال: يا رسول الله، هذا رجلٌ من فقراء المسلمين، هذا حريٌّ إن خطبَ ألا يُنكح، وإن شفع ألا يُشفَّع، وإن قال ألا يُسمَع لقوله. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مثلَ هذا»، لقد بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الشريف المعيار الشرعي الصَّحيح في الحكم على الأشخاص ووزنهم، وأنه تقوى الله والاستقامة على أمره، وليس هو الغِنى والحَسَب والشَّرف، كما يرى كثير من الناس، وقد أكَّد هذا المعنى في حديث آخر حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم».السعادة قرينة الهداية
من الأمور المهمة التي يجيب أن يعلمها الشباب أنَّ الهداية والسَّعادة أمران متلازمان وقرينان لا ينفكَّان، والشَّقاء قرين العصيان الذي لا ينفكُّ عنه، فمتى وُجدت الهداية وُجدت السَّعادة، ومتى وُجِدَ العصيان وُجِدَ الشَّقاء، ومن كان في بُعدٍ عن الله وطاعته ثم استقام يجد في قلبه لذَّةً كانت مفتقدة، وحلاوةً كانت معدومة وطعمًا كان لا يشعر به، وصدق الله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}.الإخلاص رأس مالك فلا تضيعه
اعلموا يا شباب أنَّ الإخلاصَ لله تعالى وإرادةَ وجهه هو رأسُ مال العبد، وقوامُ حياته الطيبة، وأصل سعادته وفلاحه، والإِخلاصُ أعظمُ أعمال القلوب وهو الذي يعطي للعبادة رونقها ويحقق مقصدها وثمرتها، يقول ابن القيم -رحمه الله-: «ومن تأمّل الشريعة في مصادرها ومواردها، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح»، فمَن فَقِهَ الإخلاصَ وتعبَّد لله به، أرشده الله لخير دينه وآخرته ونفعه في صلاح أمره وسلوكه، ولذلك اهتمَّ العلماء بحديث (الأعمالُ بالنيَّات) وعدُّوه من قواعد الإسلام العِظام؛ لأنه أساس العمل وقاعدته وسبيل النجاة.إصلاح الظاهر والباطن
تزكية النفوس تتطلب تخليصها من آفاتها وإصلاح القلب وتطهيره من أمراضه، فإن أمراض القلوب الباطنة أشدُّ ضررًا وأعظم فتكًا من معاصي الجوارح الظاهرة، ولذلك نجد القرآن يركّز على إصلاح الظاهر والباطن معًا، ويدعو لترك ظاهر الإثم وباطنه؛ حيث قال: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} (الأنعام: ١٢٠)، والآية تفيد الابتعاد عن الإثم ظاهرِه وباطنِه، لأنَّنا قد نعتني بترك الإثم الظاهر لاطِّلاع الناس عليه، ونقع فيما هو أشد منه وهو الإثم الباطن، من الكبر، والحسد، والحقد، وحب الظهور والرياء.محبة الله -عز وجل
ثمار التقوى
اذهب فأنتَ لا تعرفه
جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشهد على قضية، فقال له عمر: «ائتِ بمن يَعرِفُك، فجاء برجل، فقال له: هل تُزكِّيه؟ هل عرفته؟ قال: نعم، فقال عمر: وكيف عرفته؟ هل جاورته المجاورة التي تعرف بها مدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال عمر: هل عاملته بالدينار والدرهم اللذين تعرف بهما أمانة الرجال؟ قال: لا، فقال: هل سافرت معه السفر الذي يكشف عن أخلاق الرجال؟ قال: لا، فقال عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: فلعلَّك رأيته في المسجد راكعًا ساجدًا، فجئت تزكِّيه؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال له عمر بن الخطاب: اذهب، فأنتَ لا تعرفه، إذًا فميزان الشَّرع في الحكم على الأشخاص ليس بكثرة العبادة وأدائها ظاهرًا، ما لم يُختبر بالمعاملة ويُبتلَى بالمعاشرة، حتى يعرف حقيقة معدنه، فقد يكون صاحب عبادة في الظاهر لكن أخلاقه سيئة ومعاملته كذلك.أتدرون ما المُفْلِسُ؟
قال رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتدرون ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ، فقال: إنَّ المفلسَ من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِحَ في النار»، هذا الحديث يؤكد - صلى الله عليه وسلم - على أن العبادة مهما كانت كثيرة، فإنها فاقدة لجوهرها وهي وبالٌ على صاحبها إذا م يكن لها أثر على سلوك الشخص وأخلاقه ومعاملاته.كتب ننصح بالمداومة على قراءتها
من أفضل كتب التفسير التي ننصح الشباب بالاهتمام بها ودوام مطالعتها حتى يتدبروا كتاب الله -تعالى-، تفسير العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- المسمى : (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)، وقد أثنى عليه العلماء، قال العلَّامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: من أحسن التفاسير؛ حيث كان له ميزات كثيرة منها: سهولة العبارة ووضوحها، تجنب الحشو والتطويل، السير على منهج السلف في آيات الصفات، دقة الاستنباط، ومنها أنه كتاب تفسير وتربية على الأخلاق الفاضلة، وقال: هو من أفضل التفاسير كتاب جيد وسهل ومأمون، وقال: أشير على كل مريد لاقتناء كتب التفسير ألَّا تخلو مكتبته من هذا التفسير القيم.
لاتوجد تعليقات