خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – خـيركـم من تعلم القرآن وعلمه
ألقيت هذه الخطبة بتاريخ 27 من رجب 1439هـ الموافق 13أبريل2018م، وكان مما جاء فيها: لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ -عَزَّوَجَلَّ- عَلَى نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ الكَرِيمَ هِدَايَةً لِلنَّاسِ مِنَ الغَوَايَةِ, وَسِرَاجًا لَهُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ, وَنُورًا لَهُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ, وَنَجَاةً لَهُمْ مِنَ الهَلَاكِ, وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ, وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}(الإسراء:9)، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلّ-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(الزمر:23).
كَلَامُ رَبِّ العِزَّةِ وَالجَلَالِ
إِنَّ هَذَا القُرْآنَ العَظِيمَ كَلَامُ رَبِّ العِزَّةِ وَالجَلَالِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَا شَكَّ, هُوَ أَصْدَقُ الحَدِيثِ، وَهُوَ خَيْرُ الكَلَامِ {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة:2). فِيهِ الدُّرَرُ وَالأَحْكَامُ, وَالْحِكَمُ وَالنُّورُ التَّـامُّ, فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ, وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ, وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ, وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ, مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ, وَمَنِ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ, وَهُوَ حَبْلُ اللهِ المَتِينُ، وَالذِّكْرُ الحَكِيمُ, وَالصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ, الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ, وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ, هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}(الجن:1-2)، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ, وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ, وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ, وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ, وَهُوَ القَوْلُ الحَسَنُ وَالأَحْسَنُ، قَالَ -سُبْحَانَهُ: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}(الزمر:18).
حفظ الله لكتابه
لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كِتَابَهُ وَحَفِظَهُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ بِحَمَلَةٍ أُمَنَاءَ وَحَفَظَةٍ كُرَمَاءَ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر:9)، مِنْ أَجْلِ: أَنْ يَتَدَبَّرَهُ قَارِئُوهُ, وَيَفْقَهَهُ تَالُوهُ, وَيَتَدَارَسَهُ أَهْلُهُ, وَذِكْرَى لِلْعِبَادِ, وَخَيْـرَ حُجَّةٍ وَدَلِيلَ إِثْبَاتٍ لِلْحُكَّامِ وَالقُضَاةِ لِلْعَمَلِ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ وَالثَّبَاتِ، قَالَ -تَعَالَى-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}(ص:29)، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}(الكهف:1)، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(إبراهيم:1). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ». وَحَذَّرَ مِنْ هَجْرِهِ وَتَرْكِ العَمَلِ بِهِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، َالَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا».
المُعْجِزَةِ الخَالِدَةِ البَاقِيَةِ
إِنَّ لِهَذَا الكِتَابِ العَظِيمِ- المُعْجِزَةِ الخَالِدَةِ البَاقِيَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ – أَجْرًا عَظِيماً لِمَنْ قَرَأَهُ وَتَلَاهُ, وَحَفِظَهُ وَتَوَلَّاهُ؛ فَفَضْلُهُ الفَضْلُ الَّذِي لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ, وَأَجْرُهُ الأَجْرُ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ حَدٌّ, وَقَدْ أَمَرَنَا -سُبْحَانَهُ- بِتِلَاوَتِهِ وَتَرْتِيلِهِ فَقَالَ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}(المزمل:4)؛ فَتِلَاوَةُ القُرْآنِ وَقِرَاءَتُهُ عِبَادَةٌ يُؤْجَرُ المُسْلِمُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا, بَلْ إِنَّ أَجْرَهُ يَزْدَادُ بِتِلَاوَتِهِ مَعَ التَّدَبُّرِ, وَيَتَضَاعَفُ مَعَ تَعَاهُدِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ حَثَّنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى تِلَاوَتِهِ وَدَلَّنَا عَلَى عَظِيمِ أَجْرِه؛ فَقَالَصلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: (الم) حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُود رضي الله عنه)، وَرَوَى البُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وَرَوَى أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ». وَعَنْهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَبِحِفْظِ كِتَابِ اللَّهِ -تَعَالَى- يَتَنَافَسُ المُتَنَافِسُونَ العُظَمَاءُ, وَبِحَمْلِهِ يَرْتَقِي الأَفْذَاذُ الكُرَمَاءُ؛ فَهُوَ تَاجُ الوَقَارِ، وَخَيْرُ الأَسْفَارِ، وَأَحْسَنُ الأَخْبَارِ, لَا غِبْطَةَ فِي شَيْءٍ بِمِثْلِ الغِبْطَةِ فِـيمَنْ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ».
وَيَنْبَغِي لِمَنْ حَفِظَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَهُ بِالمُرَاجَعَةِ وَالِاسْتِذْكَارِ, وَالتِّلَاوَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ, وَخَيْـرُ مُعِينٍ عَلَى ذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ بِهِ وَنَوَافِلُ الطَّاعَاتِ، وَالمُشَارَكَةُ فِي المُسَابَقَاتِ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ (أَيِ: المَشْدُودَةِ بِالْعِقَالِ)، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا (أَيْ: تَرَدَّدَ عَلَيْهَا) أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).
مُسَابَقَةِ جَائِزَةِ الْكُوَيْتِ الدَّوْلِيَّةِ
لاتوجد تعليقات