رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 20 فبراير، 2025 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف – النِّفَاقُ ضَرَرُهُ وَعِلَاجُهُ

  • مِنَ النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ الْمُخْرِجِ من الإسلام الْإِلْحَادُ فِي دِينِ اللَّهِ تعالى وَإِبْطَانُ الْكُفْرِ بِهِ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِدِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ
  • النِّفَاقُ نَوْعَانِ: نِفَاقٌ اعْتِقَادِيٌّ ونِفَاقٌ عَمَلِيٌّ فأما النِفَاق الاعْتِقَادِي فيُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْهَا

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 15من شعبان 1446هـ الموافق 14/2/2025م، بعنوان النِّفَاقُ ضَرَرُهُ وَعِلَاجُهُ؛ حيث بينت الخطبة أنَّ مِنْ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَالْخَيْرَاتِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ تَكُونُ فِيهِ شُعَبٌ مِنَ النِّفَاقِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَقَدْ تَطْغَى تِلْكَ الشُّعَبُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهَا عَنِ الْإِسْلَامِ.

النِّفَاقُ نَوْعَانِ

        النِّفَاقُ نَوْعَانِ، نِفَاقٌ اعْتِقَادِيٌّ، ونِفَاقٌ عَمَلِيٌّ، فأما النِفَاقٌ الاعْتِقَادِيٌّ فيُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَكُونُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْهَا، قَالَ -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء:145)، وَهُوَ النِّفَاقُ الَّذِي يُبْطِنُ فِيهِ صَاحِبُهُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، كَمَا قَالَ -تعالى-: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} (المائدة:61)، وَقَالَ -تعالى- فِيهِمْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} (البقرة:8). وَمِنَ النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ الْمُخْرِجِ: الْإِلْحَادُ فِي دِينِ اللَّهِ -تعالى-، وَإِبْطَانُ الْكُفْرِ بِهِ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِدِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ -تعالى-: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (التوبة:65-66).

النِفَاق العَمَلِيّ

        وَالنَّوْعُ الثَّانِي: نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ لَا يُخْرِجُ صَاحِبَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ وَأَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، يُضِرُّ بِالْإِسْلَامِ، وَيُورِدُ صَاحِبَهُ الْمَهَالِكَ الْعِظَامَ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ -تعالى- وَرَسُولُهُ -[- كَثِيرًا مِنْ صِفَاتِ النِّفَاقِ وَأَهْلِهِ، فَمِنْ صِفَاتِهِمُ الْبَغِيضَةِ: التَّكَاسُلُ عَنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:142). وَمِنْ صِفَاتِهِمُ: الْمُسَارَعَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْخَيْرِ، قَالَ اللَّهُ -تعالى-: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة:67). وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ عبداللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ -تعالى- فِي كِتَابِهِ، وَحَذَّرَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سُنَّتِهِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «وَحَاصِلُ الْأَمْرِ: أَنَّ النِّفَاقَ الْأَصْغَرَ كُلَّهُ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ السَّرِيرَةِ وَالْعَلَانِيَةِ»، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «كَانَ يُقَالُ: إِنَّ مِنَ النِّفَاقِ اخْتِلَافَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَاخْتِلَافَ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ».

خوف الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنَ النِّفَاقِ

          وَلَمَّا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عِنْدَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، خَشُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ، وَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْهُ، وَسَاءَتْ ظُنُونُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَازْدَادَ حَذَرُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي شُعَبِهِ، وَالدُّخُولِ فِي دَقَائِقِهِ، لِعِلْمِهِمْ بِخَفَائِهِ وَعَظِيمِ خَطَرِهِ، وَتَفَاصِيلِهِ وَجُمَلِهِ، فَكَانَ عُمَرُ يَسْأَلُ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: «نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَنَا مِنْهُمْ؟!» فَقَالَ حُذَيْفَةُ: «لَا، وَلَا أُبَرِّئُ أَحَدًا بَعْدَكَ»، وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: «أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كُلُّهُمْ يَخافُ النِّفَاقَ عَلَى نفْسِهِ»، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «أَنْ لَا يَكُونَ فِيَّ نِفَاقٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، كَانَ عُمَرُ يَخْشَاهُ وَآمَنُهُ أَنَا؟!»، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: «مَا مَضَى مُؤْمِنٌ قَطُّ وَلَا بَقِيَ، إِلَّا هُوَ مِنَ النِّفَاقِ مُشْفِقٌ، وَلَا مَضَى مُنَافِقٌ قَطُّ وَلَا بَقِيَ، إِلَّا هُوَ مِنَ النِّفَاقِ آمِنٌ».

هَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ

         هَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ -رضوان الله عليهم- وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، يَخَافُونَ النِّفَاقَ وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ بَرَاءَةً مِنْهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِخَوْفِهِمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَشِدَّةِ تَحَرُّزِهِمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي بَعْضِ شُعَبِ النِّفَاقِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ خَفَّ احْتِرَازُ بَعْضِ النَّاسِ مِنَ النِّفَاقِ وَاسْتَهَانُوا بِأَسْبَابِهِ الْمُوقِعَةِ فِيهِ، وَاسْتَبْعَدُوا الْوُقُوعَ فِي الْأَكْبَرِ مِنْهُ وَالْأَصْغَرِ، حَتَّى ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ، وَخَفَّ الصِّدْقُ وَأُخْلِفَ الْوَعْدُ، وَأَلْقَى أُنَاسٌ مِنْهُمْ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاسْتَهْزَأُوا بِهَا وَقَدَّمُوا عَلَيْهَا آرَاءَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ، وَنُقِرَتِ الصَّلَاةُ نَقْرًا، وَقَلَّ ذِكْرُ اللَّهِ فِي الْقُلُوبِ وَعَلَى الْأَلْسُنِ، وَاخْتَلَفَتْ سَرَائِرُ النَّاسِ وَعَلَانِيَتُهُمْ. قَالَ حُذَيْفَةُ - رضي الله عنه -: «إِنَّكُمْ -مَعْشَرَ الْعَرَبِ الْيَوْمَ- لَتَأْتُونَ أُمُورًا، إِنَّهَا لَفِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّفَاقُ عَلَى وَجْهِهِ»، وَقَالَ عبداللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «كَانَ النِّفَاقُ غَرِيبًا فِي الْإِيمَانِ، وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ غَرِيبًا فِي النِّفَاقِ»، اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرُوهُ، وَقِفُوا عِنْدَ آيَاتِهِ وَمَوَاعِظِهِ، وَانْظُرُوا فِي صِفَاتِ مَنْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيهِ، فَقَدْ كَانَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى- يَقُولُ: «كُلُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهَا ذِكْرُ النِّفَاقِ، فَإِنِّي أَخَافُهَا عَلَى نَفْسِي».

مِنْ أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ وَأَرْدَأِ الصِّفَاتِ

         النِّفَاقُ مِنْ أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ وَأَرْدَأِ الصِّفَاتِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ: عَنْ دَنَاءَةٍ فِي النَّفْسِ، وَضَعْفٍ فِي الْإِيمَانِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَعِيذُ مِنْهُ فِي دُعَائِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ» (رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ)، فَاسْتَعِيذُوا مِنَ النِّفَاقِ، وَجَاهِدُوهُ وَاحْذَرُوا مِنْ ضَرَرِهِ، فَإِنَّهُ سَرِيعُ النُّفُوذِ فِي النُّفُوسِ، وَيُدَاخِلُ الْمُسْلِمَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ، وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَخَفِ النِّفَاقَ فَهُوَ مُنَافِقٌ». وَاسْتَعِينُوا عَلَى مُدَافَعَةِ النِّفَاقِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: «مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ -عز وجل- بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ»، وَيَقُولُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِنَّ كَثْرَةَ ذِكْرِ اللَّهِ -عز وجل- أَمَانٌ مِنَ النِّفَاقِ، فَإِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ قَلِيلُو الذِّكْرِ لِلَّهِ -عز وجل-»، وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي تَزْرَعُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، وَتَزِيدُهُ وَتُنَمِّيهِ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا: الْغِنَاءُ، فَإِنَّ التَّقِيَّ الْعَابِدَ عبداللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «لْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ».

مُدَافَعَة النِّفَاق

        وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعِينُ عَلَى مُدَافَعَةِ النِّفَاقِ: الْعَمَلَ عَلَى إِصْلَاحِ السَّرِيرَةِ وَالْبَاطِنِ، فَمَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ صَالِحَةً كَانَ عَمَلُهُ صَالِحًا، وَمَنْ صَلَحَ بَاطِنُهُ صَلَحَ ظَاهِرُهُ، فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَلَا وَإِنَّ فِي ‌الْجَسَدِ ‌مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَيَا عبداللَّهِ، لَا تَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ -تعالى- فِي الْعَلَانِيَةِ، عَدُوًّا لَهُ فِي السِّرِّ! وَاجْتَهِدْ فِي صَلَاحِ بَاطِنِكَ وَظَاهِرِكَ، وَاعْمُرْ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ وَالْخُضُوعِ، وَجَسَدَكَ بِالْعِبَادَةِ وَالْخُشُوعِ.  

الحذر من النفاق والمنافقين!

        لا يخفى أن المنافقين عدوٌّ مستترٌ يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون خلافه، فينبغي الحذر منهم، قال الله -عز وجل- عنهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المنافقون: 4)، قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: هتك الله سبحانه أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلَّى لعباده أمورهم، ليكونوا منها ومن أهلها على حذر، لكثرتهم ولعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدًّا، فإنهم منتسبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة، يُخرجون عداوته في قالب يظنُّ الجاهلُ أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والفساد، فلله كم من معقل للإسلام قد هدَّموه! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخرَّبوه! وكم من علم له قد طمسوه، وكم من لواء مرفوع له قد وضعوه، فلا يزال الإسلامُ منهم في محنة وبليةٍ، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 12) {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف: 8).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك