رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 7 سبتمبر، 2023 0 تعليق

خطبة الحرم المكي – بعض أسباب نيل السعادة الدنيوية والأخروية

   

  • ما أحوجَ المسلمين في هذا الزمن المملوء بالفتن والإحن والمصائب إلى العمل بنظام الإسلام من مكارم الأخلاق فيتحلى المسلم بها وبآدابها ويكون على عقيدة ومنهج قويم
  • على المسلم أن يرَاقِب اللهَ فِي كل لحظة وأن يخَافِ اللهَ في دينه وأن يرْجُوهُ في جميع أموره

جاءت خطبة الحرم المكي بتاريخ 9 صفر 1445ه، الموافق: 25 أغسطس 2023م بعنوان: بعض أسباب السعادة في الدنيوية والأخروية، للشيخ: عبدالله الجهني؛ حيث بين الشيخ الجهني في بداية خطبته أن المسلم مَنْ سَلِمَ الناسُ من يده ولسانه، والمؤمنُ مَنْ أَمِنَ الناسُ بوائقَه، قال خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم : - أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: «‌اتَّقِ ‌الله ‌بِطَاعَتِهِ، وأطِعِ اللهَ بتقواه، ولْتَخَفْ يداكَ من دِمَاء الْمُسلمين، وبطنك من أَمْوَالهم، وَلِسَانك من أعراضهم، وحاسب نَفسك في كل خطرة».

        وعلى المسلم أن يرَاقِب اللهَ فِي كل لحظة، وأن يخَافِ اللهَ في دينه، وأن يرْجُهُ في جميع أموره، وأن يصبر على ما أصابه، فإنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطِعَ الرأسُ ذهَب الجسدُ، وعليه إذا سمع كلمة تُغضِبُه في عِرضِه، فليعفُ وليصفحُ؛ فإن ذلك من عزم الأمور، قال -تعالى-: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(الشُّورَى: 43). عُدَّ نفسك في الموتى اعمل كأنك ترى الله -عزوجل-، وعُدَّ نفسك في الموتى، واعلم أن الشر لا ينسى، والخير لا يفنى، واعلم أن قليل يغنيك، خير من كثير يُلهِيكَ، وإياك ودعوة المظلوم، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله -عزوجل- إلا جعَل اللهُ قلوبَ المؤمنين تنقاد إليه بالرحمة والمودة، واحذر مَواطِنَ الغفلة، ومخاتلَ العَدُوِّ، وطرباتِ الهوى، وضراوةَ الشهوة، وأمانيَّ النفس، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم تسليمًا- قال: «أعدى أعدائكَ نفسُكَ التي بينَ جَنبَيْكَ»(أخرجه البيهقي)، وإنَّما صارت أعدى أعدائك لطاعتك لها، وكل أمر لاح لك ضوؤه بمنهاج الحق فاعرضه على الكتاب والسُّنَّة والآداب الصالحة، فإن خفي عليك أمر فخذ فيه رأي من ترضى دينه وعقله، واعلم أن على الحق شاهدًا بقَبول النفس له، ألا ترى لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ، وإن أفتاك المفتون»(رواه أحمد وإسناده جيد)؛ فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم، لا القلب المريض؛ فإنَّ صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنَّها حلال لا شبهة فيها. ‌الْقَلْبُ ‌لَا ‌يَصْلُحُ إلَّا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «‌فَالْقَلْبُ ‌لَا ‌يَصْلُحُ ‌وَلَا ‌يَفْلَحُ، ‌وَلَا يَلْتَذُّ، وَلَا يُسَرُّ، وَلَا يَطِيبُ، وَلَا يَسْكُنُ، وَلَا يَطْمَئِنُّ إلَّا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَحُبِّهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ حَصَلَ لَهُ كُلُّ مَا يَلْتَذُّ بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ يَطْمَئِنَّ، وَلَمْ يَسْكُنْ، إذْ فِيهِ فَقْرٌ ذَاتِيٌّ إلى رَبِّهِ، ‌واحم ‌الْقلب ‌عَن ‌سوء ‌الظَّن بِحسن التَّأْوِيل، وأَدْمِنْ قولَ: يا حيُّ يا قيومُ لا إلهَ إلَّا أنتَ، فإن ذلك يُورِثُ حياةَ القلب والعقل، ‌وادفع ‌الْحَسَد ‌بقِصَرِ ‌الأملِ، وانفِ الْكبرَ باستبطان الْعِزّ، واترك كلَّ فعل يضطركَ إلى اعتذار، وجانِبْ كلَّ حال يرميكَ في التَّكَلُّف، وصُنْ دِينَكَ بالاقتداء، واحفَظْ أمانتَكَ بِطَلَبِ الْعلمِ، وحَصِّنْ عقلكَ بآدابِ أهلِ الْحِلْمِ، واستعِنْ بِاللَّه فِي كلِّ أَمرٍ، واستخِرِ اللهَ في كلِّ حَالٍ، وَمَا أرادكَ اللهُ لَهُ فاتركِ الِاعْتِرَاضَ فيه، وكلُّ عملٍ تحب أَن تلقى اللهَ به فَأَلْزِمْهُ نَفسَكَ، وكلُّ أَمرٍ تكرههُ لغيركَ فاعتزِلْه من أخلاقك، وكلُّ صَاحبٍ لَا تزدادُ به خيرًا فِي كل يَوْمٍ، فانبِذْ عَنْكَ صحبتَه، وَخذ بحظك من الْعَفو، وَقيِّد الْجَوَارِحَ بإحكام الْعلم، وراعِ همَّكَ بِمَعْرِفَة قربِ اللهِ -تبارك وتعالى- مِنْكَ، وقُمْ بَينَ يَدَيْهِ مقَامَ العَبْدِ المستجيرِ، تَجِدْهُ رؤوفًا رحِيمًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «‌مَنْ ‌كَانَ ‌يُحِبُّ ‌أَنْ ‌يَعْلَمَ ‌مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ؟ فَإِنَّ اللَّهَ -عز وجل- يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ»(رواه الحاكم)، وذلك على قدر الخشية لله، والعلم به، والمعرفة له. مَنْ آثَر اللهَ آثَرَهُ واعلم أنَّه مَنْ آثَر اللهَ آثَرَهُ، ومَنْ أطاعَه فقد أحبَّه، ومَنْ ترَك له شيئًا لم يعذبه به، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحَسَن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إلى ما لا يُرِيبُكَ»(أخرجه الترمذي وأحمد)؛ فإنك -يا عبداللهِ- لن تجد فَقْدَ شيءٍ تركتَه لله، واعلم أن مَنْ أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعقله، وتدَّبَره بقلبه، وجَد فيه من الفَهْم، والحلاوة والهدى، وشفاء القلوب والبركة والمنفعة، ما لا يجده في شيء من الكلام، لا في منظومه ولا منثوره. ما أحوجَ المسلمين إلى العمل بالإسلام! فما أحوجَ المسلمين في هذا الزمن المملوء بالفتن والإحن والمصائب، المملوء بالحقد والحسد والضغائن، المحفوف بالعقوبات والأخطار، ما أحوجهم إلى العمل بنظام الإسلام! من مكارم الأخلاق، التي حثَّ عليها القرآنُ الكريمُ، والسُّنَّةُ المطهَّرةُ، فيتحلى المسلم بها وبآدابها، ويكون على عقيدة ومنهج قويم، بها يدعو غير المسلمين للإسلام؛ فإنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}(الْأَعْرَافِ: 199-201). تقوى الله أنفع الوسائل فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فإن تقواه أنفع الوسائل والذخائر، ولا تكونوا كالذين بدَّلوا نعمةَ اللهِ كُفرًا، ولم يلتفتوا إلى ما أمامهم من الموارد والمصادر، وراقِبوه؛ فإنَّه مطلع عليكم، يراكم ويعلم حركاتكم وسكناتكم؛ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(غَافِرٍ: 19). حاسِبوا أنفسكم حاسِبوا أنفسكم ما دمتم في دار المحاسَبة والعمل، قبل أن تُحاسَبُوا في دار الجزاء وانقطاع الأمل، وتأهَّبوا للقاء ربكم، وتزوَّدوا بزاد التقوى والصلاح لقبوركم، وليوم نشوركم، واحذروا الغفلةَ، احذروا الغفلةَ يا عبادَ اللهِ، فإنَّها ضياع وباطل، وتورد المهالك، وتسد المسالك، وارضوا عن الله -عز وجل- فيما قدَّرَه لكم، فكل ما قدره الجليل هو الجميل. وصلُّوا وسلِّمُوا على البشير النذير، والسراج المنير، القائل: «إن أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق»، وقد أمركم الله بذلك فقال -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(الْأَحْزَابِ: 56)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك