رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 25 أكتوبر، 2010 0 تعليق

حكم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم في المسلسلات

أعلنت إحدى القنوات العربية المشهورة أنها تعتزم إنتاج مسلسلات للخلفاء الراشدين في رمضان المقبل، وأنها حصلت على فتاوى من ست شخصيات، مخالفين فتاوى هيئة كبار العلماء والمعتبرين في العالم الإسلامي، ويودون (دبلجة) عملهم بأكثر من عشر لغات حية.

ولقد ذكر أهل العلم مفاسد ذلك من وجوه عدة: تسمية القائمين به أنفسهم بغير أسمائهم الحقيقية، وإظهار صورة غير حقيقية، بل ربما يكون معه بعض البدع وارتكاب الفواحش، وربما يكون سيئ السمعة، ففي الحديث: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»، وتغيير خلق الله بوصل شعر وغير ذلك، والكذب في الأدوار لخدمة النص كما يقولون، والقيام بأفعال فيها رعونة أو سخرية، وإثارة الشبهات والشهوات، وغيرها.. فالكذب محرم؛ قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، والتساهل في هذا الباب سيجر إلى كافر يمثل دور المسلم، وربما صاحب تلك الشخصية يمثل دور شرير بعد ذلك ولا يأمن الفتنة، وربما يُدخل مواقف غير صحيحة؛ فتثير النزاعات والأحقاد، وربما الانتقام، وفي الحديث: «أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين» رواه أحمد. قال ابن تيمية - رحمه الله: أما المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر؛ فإنه عاص لله ورسوله.

وقد حرم التمثيل علماء أكابر ربانيون مثل الشيخ ابن باز، والألباني، وعبدالرزاق عفيفي، وحماد الأنصاري، وعبدالله بن قعود، وبكر أبو زيد، وصالح الأطرم، وحمود التويجري - رحمهم الله تعالى - والشيخ صالح الفوزان، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

قال الشيخ بكر أبو زيد: «إن كان تمثيلاً دينيا، فهو بدعي؛ لوقف العبادات على النص ومورده، ولما علمت من أصله لدى النصارى واليونان، وإن كان غير ذلك فهو لهو محرم؛ لما فيه من التشبه.. ويترتب عليه من الآثار المعارضة لآداب الشريعة وناموس الترقي وانحلال ربقة الآداب، وإن ما فيه من عظات وفضائل مزعومة، فهي ضائعة مغمورة في حلبة تلك الملهيات».

وقال الشيخ بكر أيضاً: «التمثيل عدو كاسر على وقت المسلم وامتصاص للأموال، ولاسيما أنه قد صار حرفة، بل فنا له رواده ومدارسه ومسارحه، فكم بذل فيه من جهود! وكم أنفق فيه من مال! والنتيجة: هراء في هراء».

قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في جواب طويل:

«دعوى أن هذا العرض التمثيلي لما جرى بين المسلمين والكافرين طريق من طرق البلاغ الناجح والدعوة المؤثرة، والاعتبار بالتاريخ، دعوى يردها الواقع، وعلى تقدير صحتها فشرها يطغى على خيرها، ومفسدتها تربو على مصلحتها، وما كان كذلك يجب منعه والقضاء على التفكير فيه.

وسائل البلاغ والدعوة إلى الإسلام، ونشره بين الناس كثيرة، وقد رسمها الأنبياء لأممهم، وآتت ثمارها يانعة، نصرة للإسلام وعزة للمسلمين.

وقد أثبت ذلك واقع التاريخ، فلنسلك ذلك الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولنكف بذلك عما هو إلى اللعب وإشباع الرغبة والهوى أقرب منه إلى الجد وعلو الهمة.

ولله الأمر كله من قبل ومن بعد، وهو أحكم الحاكمين.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم».

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (رقم الفتوى 4723).

وقال الشيخ أبو الفضل عبدالله بن الصديق في رسالته: (إزالة الالتباس عما أخطأ فيه كثير من الناس): وكون الجماعات الدينية يفعلونه - أي التمثيل - لغرض ديني كما يزعمون، لا يخرجه عن وضعه الأصلي، وحكمه الأساسي، بل إدخاله في الدين عدوان منهم، لا يجوّزه الشرع».

مجلة البحوث الإسلامية - المجلد الأول - العدد الأول، ص: 35.

فكلنا أمل أن تتوقف هذه القنوات عن تمثيل الصحابة والأخذ بفتاوى ورثة الأنبياء؛ سدا للذرائع وامتثالا للحكم الشرعي، ولو كان خيرا لسبقنا إليه الصالحون والمصلحون عبر القرون.


حكم تمثيل الصحابة في مسرحية أو فيلم سينمائي

قرارات هيئة كبار العلماء

بعد اطلاع الهيئة على ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك وتداول الرأي فيه، قررت الهيئة بالإجماع ما يلي :

1- أن الله سبحانه وتعالى أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله -تعالى- عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها.

2- أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء به، ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعا مزريا فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول[ وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد[، ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول[ وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، كما يتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد[.

3- ما يقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ، فهذا مجرد فرض وتقدير؛ فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.

4 - من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة؛ فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة وحفاظا على كرامة أصحاب محمد[، يجب منع ذلك.

 قرار لجنة الفتوى بالأزهر

كما صدرت فتوى مستفيضة من اللجنة المختصة بالفتوى في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر في رجب عام 1374هـ في حكم تمثيل الأنبياء بأنه قد يكون في مبررات القول بمنع تمثيلهم ما يصلح مبررا للقول بمنع تمثيل الصحابة، وهذا نص المقصود منه:

التمثيل في المسرح :

تشخيص الأفراد الذين تتألف منهم القصة أو الرواية التي يراد عرضها على النظارة تشخيصا يحكيها طبق أصلها الواقع أو المتخيل، أو هو بعبارة موجزة: ترجمة حية للقصة وأصحابها.

وقد تلتقط صورة للممثلين في المسرح على شريط خاص يسمونه (الفيلم) ليعرض على النظارة في شاشة السينما.

هل يمكن تمثيل الأنبياء؟

لندع القصص المكذوبة على أنبياء الله جانبا، ولنفترض أن التمثيل لا يتناول إلا القصص الحق الذي قدمنا شذرات منه عاجلة، ثم نتساءل:

1 - كيف يمثل آدم أبو البشر وزوجه وهما يأكلان من الشجرة؟ وما هي هذه الشجرة؟ أهي شجرة الحنطة؟ أم هي شجرة التين؟ أم هي النخلة؟

وعلى أي حال نمثلهما وقد طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة؟ وهل نمثل الله تعالى وقد ناداهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} (سورة الأعراف:الآية 22)؟! أو نترك تمثيله تعالى وهو ركن في الرواية ركين؟! سبحانك سبحانك، نعوذ بك من سخطك ونقمتك ومن هذا الكفر المبين!!

2 - وكيف يمثل موسى وهو يناجي ربه ؟ وكيف يمثل وقد وكز المصري فقتله؟ بل كيف يمثل وقد أحاط به فرعون والسحرة، ورماه فرعون بأنه مهين، ولا يكاد يبين؟ وكيف تمثل العقدة التي طلب من الله أن يحلها من لسانه ؟ وما مبلغ كفر النظارة والممثلين إذا أفلتت - ولا بد أن تفلت - منهم فلتة مضحكة أو هازئة حينما يتمثلون الرسولين وقد أخذ أحدهما برأس الآخر وجره إليه ؟ وما مبلغ التبديل والتغيير لخلق الله الفطري ليطابق هذا الخلق الصناعي وقد عملت فيه أدوات الأصباغ والعلاج عملها؟

3 - وكيف يمثل يوسف الصديق وقد همت به امرأة العزيز وهم بها لولا أن رأى برهان ربه؟ وما تفسير الهم في لغة الفن؟

4 - وكيف يمثل أنبياء الله وأقوامهم يرمونهم بالسحر تارة، وبالكهانة والجنون تارة أخرى؟ بل كيف يمثلون حينما كانوا يرعون الغنم «وما من نبي إلا رعاها»؟ بل كيف يمثلون وقد آذاهم المشركون ولم يستح بعضهم أن يرمي القذر والنجس على خاتم النبيين وهو في الصلاة والكفار يتضاحكون؟ سيقول السفهاء من النظارة - وما أكثرهم - مقالة المستهزئين الكافرين من قبل أهذا الذي بعث الله رسولا؟ وسيغضب فريق لأنبياء الله ورسله فيقاتلون السفهاء، وينتقمون منهم، وتقوم المعارك الدينية لا محالة {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 227).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك