تعديلات على نص المادة 78 تحظر قبول أموال من دول أجنبية – أزمة جديدة حول منظمات المجتمع المدني في مصر
تعديلات على نص المادة 78 تحظر قبول أموال من دول أجنبية - أزمة جديدة حول منظمات المجتمع المدني في مصر
يوجد منظمات مشبوهة تستقطب الكثير من الشباب لتحويلهم إلى كوادر يتم تدريبها في مصر والخارج، من خلال منح برعاية مراكز استخباراتية غربية
يوجد(70000) منظمة مجتمع مدني في الدول العربية منها قرابة 17000 منظمة في مصر وحدها وفق آخر التقديرات
البنك الدولي يعد أداة لتكوين (العولمة) من خلال ممارساته الحاكمة على الدول، ولاسيما الدول الأكثر معاناة والأكثر محورية في الصراع الحضاري كمصر على سبيل المثال
من وسائل المواجهة تفعيل مشروعات الوقف الإسلامي لخدمة طلاب العلم والمحتاجين والمعسرين ورعاية النساء المعيلات والمطلقات والأرامل والأيتام والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة
في ظل الأزمات المتتالية التي تعيشها مصر جاءت التعديلات الأخيرة على نص المادة 78 من قانون العقوبات لتفجر أزمة جديدة ظلت مكتومة لفترة طويلة وهي مشكلة: (منظمات المجتمع المدني) التي تغولت بطريقة غير مسبوقة في محافظات مصر وجامعاتها وأنديتها، حتى أصبحت بوابة كبيرة من بوابات التحول السياسي الذي بلغ ذروته في 25 يناير 2011؛ حيث كونت الجمعيات والهيئات الحقوقية والسياسية غير الرسمية والحركات الطلابية الزخم الأكبر في هذه الأحداث، التي انتهت إلى سقوط حجر لم يتوقف حتى الآن ولا يعلم أحد متى يتوقف.!
التعديلات الجديدة
نصت التعديلات الجديدة على معاقبة كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أموالاً سائلة بأي طريقة؛ بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه إذا كان الجاني ذا صفة نيابية عامة أو موظفاً عاماً، ويعاقب بالعقوبة نفسها كل من أعطى أو عرض أو وعد بشيء مما ذكر بقصد ارتكاب عمل ضار من الأعمال المبينة.
ترحيب بالقانون
وقد رحب المعنيون بالشأن السياسي المصري بالتعديلات باستثناء المنظمات القائمة على التمويل الأجنبي التي تجاوزت مرحلة تقديم الخدمات الاجتماعية، إلى السعي في التأثير المباشر على القرار السياسي وتحريك الرأي العام تجاه قضايا محددة، وهو ما بلغ ذروته إعلامياً عند توجيه القضاء المصري منذ سنوات اتهاماً لـ 43 ناشطا من دول عدة، منها: الولايات المتحدة، وألمانيا، ومصر بإنشاء جمعيات أهلية، والحصول على تمويل أجنبي دون ترخيص، وهي القضية التي انتهت بترحيل المتهمين الأجانب لنزع فتيل الأزمة الدبلوماسية بين القاهرة وواشنطن.

منظمات شبابية مشبوهة
منظمات وجمعيات أخرى متعددة تعمل في الأوساط الشبابية والطلابية، تحت لافتة تدريب الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، انتشرت بشدة في الجامعات والمنتديات الشبابية قبل 25 يناير وبعدها، واستقطبت الكثير من الشباب، تم تحويل اهتمامهم من الجانب الفني والمهاري العملي المباشر وهو الهدف المعلن عنه إلى تحويلهم لكوادر سياسية وقيادات مستقبلية يتم تدريبها في مصر والخارج، من خلال منح تدريبية وتعليمية برعاية مراكز استخباراتية غربية متعددة الواجهات بين جامعات ومعاهد ومراكز بحثية؛ لتتم عملية إعادة صياغة تفكير هؤلاء الشباب وفق المفاهيم الغربية لقضية التدين، والعلاقة بين الأديان، والحرية المطلقة بما فيها الحرية الجنسية.
ظهر هذا بوضوح في انتشار الموجات الإلحادية والترويج لقضايا الشذوذ، وحرية المرأة وحرية إقامة الجنس خارج منظومة الزواج، ومحاربة الختان وغيره من القضايا التي ظلت تشغل الجمعيات النسوية لفترة وأخذت طابعاً نخبوياً إلى حد ما حتى تم تحويلها إلى عصب فكري عند مجموعات كبيرة من الشباب
تمويل بلا حدود
مظاهر الثراء السريع على العديد من القيادات الشابة التي تم إعدادها في هذه المنظمات، وما يتبع ذلك من وجاهة اجتماعية وسياسية، مثلت حافزاً لأعداد كبيرة من الشباب لسلوك الطريق نفسه، الذي يضمن التحول من خانة المهمشين وفاقدي الاعتبار والمحتقرين من قبل المجتمع لانفلاتهم الأخلاقي، إلى قيادات سياسية تلتقي بالمسؤولين الرسميين إلى أعلى المستويات، كما تلتقي بسياسيين دوليين ورجال أعمال ورجال دولة كبار في أمريكا وأوروبا وهو ما يمثل إغراء كبيراً لشباب يعاني في بلاده التهميش وغياب العدالة الاجتماعية.
إلا أن التراشق والاتهامات بالتربح والتمويل بين مجموعات النشطاء هذه أخرجت إلى السطح ما كان مسكوتاً عنه ويتم تداوله بطريقة غير موثقة كظنون وتحليلات، وبالتالي وضحت الصورة الحقيقة للعديد من المنظمات والجهات التي طالما رفعت شعارات براقة عن الهم العام والعمل التطوعي والخدمة الاجتماعية وحقوق الفقراء.

إحصاءات وأرقام
تشير الإحصاءات إلى أن (70000) منظمة مجتمع مدني في بالدول العربية، وهذا ليس بالأمر الهين، منها ما لا يقل عن 17000 منظمة على أقل تقدير في مصر وحدها، وفق آخر التقديرات التي يعتقد معها أن الرقم تضاعف مرات عدة، ولاسيما مع وجود آلاف الجمعيات والمنظمات غير المرخصة التي تسعى في أغلبها للحصول على دعم الجهات الغربية، مثل البنك الدولي، والبرلمان الأوروبي، وهيئة المعونة الأمريكية، والفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي، وغيرها من المنظمات والشبكات الدولية.
الوقائع أكثر من أن تحصى، ولكن يكفي أن تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام كشف فى عام 2009 أن الخارجية الأمريكية وصل تمويلها لتلك الجمعيات إلى 2 مليار دولار، فى مقابل 800 مليون دولار للاتحاد الأوروبي، وفي عام 2014 كشف التقرير أيضاً أن أوباما رفع ذلك الدعم بنسبة 200 مليون دولار، وفي الاتحاد الأوروبي وصل إلى 1.6 مليار دولار، وفي الفترة من عام 2011 حتى عام 2015 استحوذت دول الشرق الأوسط على 35% من هذا الدعم.
وحتى لا نغرق في التفاصيل التي أصبحت أكثر من أن تحصى فالأفضل البحث عن جذور المشكلة وأبعادها.
أداة جديدة من أدوات العولمة
لا يكاد المراقب للحالة السياسية والاجتماعية في بلادنا العربية والإسلامية يلتفت في أي اتجاه إلا ويصطدم بمصطلحات (المجتمع المدني ومنظماته)، في الأمر تحول من محاولة تنظير بدأها السياسي المصري سعد الدين إبراهيم إلى موضة اجتماعية وسياسية، اجتذبت اهتمام الكثير من الباحثين والدارسين والمهتمين بالشأن العام، ليس هذا فحسب، بل أصبح ظهورها وتطبيقاتها العملية أكثر من أن تحصى، باختصار هي أداة جديدة من أدوات ترويج العولمة والنظام العالمي الجديد الذي تقوده أميركا، الذي بدأته بمشروع (مارشال) لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية حتى أصبحت أوروبا امتداداً ثقافياً لأمريكا نتيجة استخدام المال في إعادة بناء المجتمع الأوروبي، ثقافياً، واجتماعياً، وسياسياً من خلال إعادة إعمار ما خربته الحرب.
البنك الدولي والعولمة
لم يكن من المستغرب أن يأتي البنك الدولي في مقدمة الأدوات التي تشكل الواقع العالمي الجديد (العولمة) من خلال ممارساته الحاكمة على جميع الدول، ولاسيما الدول الأكثر معاناة وفي الوقت نفسه الأكثر محورية في الصراع الحضاري مثل مصر.
ومن أبرز مظاهر العولمة التي يمارسها البنك الدولي: إعادة هيكلة اقتصاديات الدول على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب الأكثر استهلاكاً ومن ضمنها الأقطار العربية مشكلات اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
وفي الوقت الذي تدار فيه هذه السياسة العالمية بغرض إضعاف دور الدول والحكومات الوطنية، يتم دعم بدائل أخرى يراد له القيام بدور الدولة في تقديم الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم، ورعاية الفقراء، ومحدودي الدخل، وكبار السن، وذوي الإعاقة، ومن ثم رسم الخريطة الاجتماعية والثقافية للمجتمع وفق أجندة هذه المنظمات البديلة التي تدار بنظام شبكي عالمي يضمن الولاء التام من قبل هذه المنظمات لصالح الممولين والداعمين الدوليين الذي سيظهر من خلال التقرير حقيقة توجهاتهم العقدية والثقافية.

إشكالات المصطلح
مصطلحات (المجتمع المدني ومنظماته)، مصطلحات تشكلت حديثًا، وتم ترويجها وفق الأجندة الغربية، لكن الناظر للتاريخ الإسلامي يجد المفهوم الأساسي خلف هذا المصطلح مطبقاً عملياً، لكن وفق المشروع الحضاري الإسلامي، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل التطوعي وسد الحاجات والقيام بالفروض الكفائية، مثل: التدريس والإفتاء وأدوات ذلك مثل الأوقاف الخيرية، حتى بعد قيام الدول الحديثة لم يخل الأمر من منظمات شعبية مثل النقابات والروابط المهنية والاتحادات الطلابية والجمعيات الخيرية والثقافية والأندية الرياضية وغيرها.
لكن الإطار العام الجامع لهذه الأنشطة وإن كانت غير سياسية أو حكومية هو العمل داخل المنظومة القيمية للمجتمع، إلا أن العولمة وأدواتها من منظمات العمل المدني المدعومة دوليًا جاءت بحزمة جديدة من المفاهيم فرضتها على أنشطتها كافة، وحركت المجتمعات نحوها مستغلة الإعلام في ذلك مثل القضايا المفتعلة للمرأة، كتعدد الزوجات والختان والصحة الإنجابية وحقوق الإنسان، وقضايا المواطنة وحرية المعتقد، ومشكلات الأقليات العرقية والدينية والإرهاب، وغيرها من الأوليات على أجندة الدول الغربية لإعادة صياغة العقول والمجتمع العربية المسلمة.
بل إن مصطلح (المجتمع المدني) نفسه ملتبس ومتردد بين مقابلة (العسكري) أو (الديني)، وهذه الإشكالية ظهرت بشدة في دعوات الدولة المدنية التي تبنتها القوى الليبرالية والعلمانية في مصر مؤخراً، نتيجة التقلبات السياسية والضعف الشديد للبلاد في محاولة لتغيير هوية مصر بإعلانها دولة مدنية مستغلين الالتباس الذي يحدثه المصطلح عند العامة، ولاسيما عند كثرة استخدام مصطلح المدني في مقابلة (العسكري)؛ بينما في الحقيقة أن المصطلح قد نشأ في زمرة سياسات تخلصية من سلطة الكنيسة (الدينية) وأثرها في الحياة وهو المعنى الذي تؤكده دوائر المعارف الغربية المتعددة.
الإعلام ومنظمات المجتمع المدني
الناظر إلى الدور الذي يقوم به الإعلام الموجه وفق رغبات رأس المال والممولين في دعم المشروعات الفكرية والسياسية، وتغيير الأفكار والعادات والقيم، وإثارة قضايا بعينها والتركيز عليها في أوقات محددة وتضخيمها أو التهوين من شأن قضايا أخرى وتهميشها، وقلب الحقائق، يجد أن كل ذلك يمثل أكبر خدمة للمشروعات التغريبية؛ لذا فإن من مجالات اهتمام المنظمات الدولية سابقة الذكر إعداد أجيال من الصحفيين والإعلاميين يكونون بمثابة أبواق ومنابر بديلة تتحدث بلسان هؤلاء وتمرر مخططاتهم.
وسائل التواصل في قلب المشهد
وفي ظل تقدم وسائل الاتصالات وثورة المعلومات وصعوبة السيطرة عليها أو توجيهها؛ تأتي مواقع التواصل الاجتماعي وشبكاته في مقدمة أدوات التأثير والتغيير التي تستخدمها منظمات المجتمع المدني، ولاسيما في الأوساط الشبابية؛ فمن خلال عقد الأحداث (events) وتحريكها يمكن عمل موجات تصاعدية لخدمة أهداف معينة تترواح بين إحداث تغييرات ثقافية واجتماعية، كالحملات ضد الختان والحرية الجنسية، أو إحداث تغييرات سياسية باستغلال مواقف معينة، حتى وإن كانت عديمة القيمة ولكن يمكن إشعالها من أجل إيصال رسائل سياسية للأنظمة عبر هذه المنظمات والحركات قد تصل درجتها إلى كون النظام أصبح غير مرغوب فيها وعليه أن يرحل، أو تكون الرسالة مجرد (قرصة أذن) كما يقال لإثناء النظام عن بعض التوجهات، كما يمكن ملاحظته بوضوح في مصر مؤخراً بالمظاهرات التي تم تحريكها ضد قضية ترسيم الحدود مع السعودية حول جزيرتي صنافير وتيران في سياق تقارب مصري سعودي، يبدو أنه أزعج بعض القوى الداخلية والخارجية فحاولت إعادة استنساخ مشهد 25 يناير مرة أخرى أو على الأقل توجيه إنذارات للأنظمة التي تزامنت تحركاتها السياسية مع اتجاه النظام المصري إلى التضييق على بعض المنظمات الممولة خارجياً، التي أظهرت انحرافاً واضحاً عن أهدافها المعلنة كما تقدم في بداية التقرير؛ فجاءت هذه المظاهرات حاملة رسائل عدة، وأهمها أن منظمات المجتمع المدني هي خط أحمر لصناع السياسات العالمية وحكام العالم الجديد.

مواجهة الظاهرة
مما سبق نجد أن هذه الظاهرة لابد وأن يتم مواجهتها وتقنينها ومراقبة المنظمات المشبوهة منها والقضاء عليها ويكون ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات أهمها:
١- الرصد الدقيق لهذه المنظمات وتمددها ومعرفة مصادر تمويلها وأهدافها المعلنة والخفية، وتطبيقاتها العملية.
٢- تفعيل القوانين في مواجهة أي انحرافات صادرة عن هذه المنظمات فيما يمس الجانب القيمي لأمتنا أو استقرار مجتمعاتنا الإسلامية.
٣- التفعيل الواسع لمشروعات الوقف الإسلامي لخدمة طلاب العلم والمحتاجين والمعسرين ورعاية النساء المعيلات والمطلقات والأرامل والأيتام والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.
٤- حث أهل اليسار على النفقة والصدقة وإخراج زكاة المال وإقامة الجمعيات الخيرية.
٥- إشاعة روح التكافل والتراحم في المجتمعات وغرس قيم الأخوة الإيمانية وحقوقها.
٦- حث القطاع الخاص على تبني مشروعات تدريبية للشباب في مراحل التعليم المختلفة، ولاسيما حديثي التخرج لتأهيلهم لسوق العمل وإكسابهم المهارات المختلفة المطلوبة.
٧- إشاعة روح العمل التطوعي والبذل بالجهد والمال والوقت بين الشباب.
لاتوجد تعليقات