رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 20 فبراير، 2025 0 تعليق

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية – المقاصد الشرعية التي يحققها الوقف

  • الوقف من أفضل القربات وأجل الطاعات لما فيه من استمرار العمل الصالح واستمرار أجره لصاحبه بإذن الله تعالى
  • بلغت الجوانب الإنسانية في أوقافنا الآفاق وأثبتت أن الأمة الإسلامية أمة حية أمة تجديد لا أمة تبديد
  • يُعد نظام الوقف أحد أهم النظم المؤسسية التي أسهمت في تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية
 

جاءت الشريعة الإسلامية لجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، قال الشاطبي -رحمه الله-: «إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً»، ويؤكد هذا الأصل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فيقول: «واستقراء أدلة كثيرة من القرآن والسنة الصحيحة يوجب لنا اليقين بأن أحكام الشريعة الإسلامية منوطة بحكم وعلل راجعة للصلاح العام للمجتمع والأفراد».

والوقف ثبتت مشروعيته في الإسلام بظاهر القرآن والسنة والإجماع وعمل الصحابة، فهو باب من أبواب الخير الذي يتنافس فيه الناس لينالوا مرضاة الله -سبحانه- ولتحقيق المصلحة العامة من تشريع الوقف.

ثنائية جامعة

        وأساس الوقف ثنائية جامعة مفادها: «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة»، هذا ما نص عليه العلماء والفقهاء، قال أبو زهرة -رحمه الله-: هذا أجمع تعريف لمعاني الوقف: حبس العين وتسبيل ثمرتها، أو: حبس عين للتصدق بمنفعتها، فهو أصل ثابت وثواب دائم، ومن مقاصد الوقف: الأجر للواقف في حياته وبعد مماته، ونفع للموقوف عليه في عين الوقف أو غلته، فهو قربة إلى الخالق -سبحانه- وإحسان إلى المخلوق.

الأصل في مشروعية الوقف

والأصل في مشروعية الوقف: أن يكون قربة إلى الله -تعالى-، وأن يستمر نفعه في أوجه البر، لذا يراعى في مصلحة الوقف أمرين: مصلحة الواقف والموقوف، ومصلحة الموقوف عليه؛ لأن للوقف غايتين كليتين: دينية تعبدية، واجتماعية تنموية.

من خصائص المسلمين

        وهو من خصائص المسلمين: قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «لم يحبس أهل الجاهلية دارًا ولا أرضاً فيما علمت تبرُّراً»، قال الإمام النووي -رحمه الله-: «الوقف من خصائص المسلمين ومخالف لشوائب الجاهلية»، قال ابن رشد الجد: «الأحباس سنة قائمة، عمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون بعده». واتفق الفقهاء على أن الوقف مشروع يقول الإمام الشربيني -رحمه الله-: «اتفق العلماء على أن بناء المساجد، وإخراج أرضها من ملكية واقفها، أصلها «وقف الأصل، وحبس الأصول، والتصدق بثمرتها، فيقاس عليه غيره»، ونقل ابن الجلاب -رحمه الله- أن الصحابة -رضي الله عنهم- عملوا بالوقف كعثمان، والزبير، وطلحة وعلي بن أبي طالب، وعمر وبن العاص وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين.

أهم النظم المؤسسية

          و«نظام الوقف» يُعد أحد أهم النظم المؤسسية التي أسهمت في تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وأن فعالية هذا النظام وكفاءته في تحقيق أهدافه قد ارتبطت بمدى اقترابه من تلك المقاصد من جهة، وبقدرة المجتمع على توظيفه في مجالات تستوعب مقاصد الشريعة بأولوياتها وبمستوياتها المختلفة: الضروريات، والحاجيات، والتحسينات.

الوقف حفظ الدين

         ففي العهد النبوي: الوقف حفظ الدين بوقف الأراضي وبناء المساجد وإقامة حلق العلم والتذاكر وتثبيت الإيمان في النفوس، واستقبال الوفود لتتعرف على الإسلام؛ والتجهيز للغزوات ورد المعتدين، وحفظ النفس بوقف الماء والطعام فأُوقفت الآبار والبساتين والأشجار ومساكن ابن السبيل، وحفظ العقل بخطب الجمعة والتوجيه والإرشاد في المساجد، ورد الشبهات وتثبيت العقيدة الصحيحة في النفوس التي كان منطلقها في المساجد.

حفظ النسل بالوقف

        وحفظ النسل بالوقف الذري الذي حفظ كرامة الذرية من الأبناء والبنات؛ حيث خصهم بما يديم الأخوة والمودة بينهم، ويوفر لهم الحياة الكريمة، وأوقاف الصحابة على الذرية مشهود ومشهور؛ وحفظ المال بحفظ الأصول الثابتة بوقف الدور والبساتين وغيرها على الذرية حتى لا يضيِّع الأبناء ما جناه الأباء.

وسائل لتحقيق المقاصد الشرعية

        لا شك أن الأوقاف الإسلامية ومؤسساتها هي وسائل لتحقيق المقاصد الشرعية ووسائل إصلاح من شأنها أن تدفع للإصلاح الديني والاجتماعي والاقتصادي والعلمي، ليكون واقعاً متحققاً في الحياة طبقاً لما أمر الله به أو ندب إليه في الكتاب والسنة، والمشاريع الوقفية هي وسيلة يتوصل بها إلى ما نريد تحقيقه من خلالها. ويطول الحديث عن الوقف في الإسلام وامتثال الصحابة -رضوان الله عليهم- وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - في اتباع سنة الوقف «وهو أن يحبس الأصول من بساتين ودور وآبار» ليصرف من ريعها على أبواب الخير، حديثٌ عظيم، فقد أسهمت تلك الأوقاف في تمكين الاقتصاد الإسلامي وتنمية الموارد لتفي بحاجات الدول وأهلها، لا شك أنها أوقاف في نهضة الأمة وبناء اقتصادها لخصائص الوقف الإسلامي، فهو نظام محكم متعدد الجوانب متجدد العطاء، وموقظ للقدرات ففيه إبداع وتجديد، يحفظ عز الأمة ومكانتها بدوام فوائده وبقاء عوائده.

الجوانب الإنسانية

       وقد بلغت الجوانب الإنسانية في أوقافنا الآفاق وأثبتت أن الأمة الإسلامية أمة حية، أمة تجديد لا أمة تبديد، وأمة ابتكار لا أمة تكرار، وأمة إبداع لا أمة ابتداع، جوانب رائعة تأخذ الألباب من دقتها واهتماماتها بأمثلتها الرائعة، وتفردها بنتاجها الحضاري عن سائر الأمم.

حل مشكلة الفقر

         أوقاف عديدة حلت مشكلة الفقر، وأسهمت في حل المشكلات الاجتماعية والصحية والنفسية والعلمية والبيئية والإنمائية رحمة بالناس وتخفيفا لمعاناتهم وحفظاً لكرامتهم في الحياة، أما بعد الممات فأوقفت المقابر، وخصصت الأوقاف التي تصرف على أكفان الموتى وسد ديون من مات ومعلق في رقبته دين، وأوقاف أوقفت لتكون استراحة للمسافرين ومأوى وإطعاما؛ وآبار حفرت لأهل البادية وعابري السبيل لسقي رَكُوبهم وماشيتهم، يقصد منها التقرب إلى الله -تعالى-، وكسب الأجر في الحياة وبعد الممات.

من أفضل القربات وأجل الطاعات

        فالوقف من أفضل القربات وأجل الطاعات؛ لما فيه من استمرار العمل الصالح واستمرار أجره لصاحبه بإذن الله -تعالى-، وهو من خصائص المسلمين؛ إذ لم يعرف من قبلهم؛ ولذا قال الإمام النووي -رحمه الله-: الوقف من خصائص المسلمين. وقال أيضا: وهو مما اختص به المسلمون، قال الشافعي: لم يحبس أهل الجاهلية دارا ولا أرضا فيما علمت. «الفقه الإسلامي وأدلته».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك