رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أميرة عبدالقادر 31 مارس، 2024 0 تعليق

المرأة المسلمة ومكانتها في الشريعة 5 – دور الأم في تربية الأبناء وتنشئتهم

  • على الأم أن تربي أبناءها على الاعتزاز بدينهم وأن الإسلام هو الدين الخالد المصلح لكل زمان ومكان وهو الطريق الوحيد لبلوغ المجد والعزة وتحقيق سعادة الدارين
  • يشهد الواقع الملموس وتؤكد حقائق التاريخ والبحوث العلمية أن دور الأم في تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة دور محوري وأساسي
  • يجب أن تحرص الأم على أن تكون التربية العقلية والفكرية لأبنائها وفقًا للمنهج الإسلامي فلا تصادم أصلاً من أصول الشريعة ولا تخرق مبدأً من مبادئ الإسلام
 

ذكرنا في المقال السابق أنَّ الإسلام أولى الأسرة عناية فائقة، ومنحها اهتمامًا بالغا يلائم دورها الخطير ومسؤوليتها العظيمة في المجتمع، ووضع لها ضوابط تكفل تحقيق الهدوء والاستقرار، وتجعلها أداة من أدوات البناء الاجتماعي، لا معولًا من معاول الهدم كما يريد الأعداء.

        ولقد كرم الإسلام المرأة وأنصفها وأعطاها حقوقها كاملة، زوجة كانت أو بنتًا أو أما؛ لكونها شريكة في المجتمع، وأفسح لها المجال لتسهم -بدورها- في حركة المجتمع وبنائه من خلال الأسرة، فأناط بها مسؤولية رعاية البيت وتدبير شؤونه وتنشئة الأبناء وتربيتهم تربية صالحة؛ فالأب والأم هما أول من يستقبل الطفل ويتعهدانه بالرعاية الجسدية والنفسية والدينية والأخلاقية، ودورهما في ذلك عظيم الخطب شديد الأهمية؛ حيث إن الطفل في مراحل نموه الأولى يسهل تدريبه والتأثير عليه، فيقوم الوالدان بتهذيب غرائزه واكتشاف ميوله وتوجيهه الوجهة الصحيحة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».

دور الأم في تربية الأبناء

       ويشهد الواقع الملموس، وتؤكد حقائق التاريخ والبحوث العلمية، أن دور الأم في تربية الأبناء وتنشئتهم يفوق دور الأب، وهذا ما ذهب إليه علماء النفس والتربية حتى غير المسلمين منهم، يقول (جورج هربرت): «إن أما صالحة خير من مائة معلم؛ فالأم في البيت دليل للقلب والعين والتشبه بها دائم»، وكما قال حافظ إبراهيم:

الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا

                               أعـددت شـعبًا طـيّب الأعـراق

       ودور الأم في التربية دور مستمر لا يتوقف على مرحلة بعينها، فيبدأ من الميلاد ثم إلى الشباب، ثم إلى ما شاء الله، ونرى أثر ذلك واضحًا في نماذج كثيرة من حياة الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- توجه ابنها عبدالله بن الزبير في حصار الحجاج بمكة؛ حيث قالت له: «إن كنت على حق وتدعو إلى حق، فاصبر عليه، فقد قتل أصحابك عليه، وإن كنت أردت الدنيا، فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من معك، كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن، والله لضربة سيف في عز، خير من ضربة سوط في مذلة»، فزادته كلمتها ثباتًا وإصرارًا وصلابة في الحق.

أسباب أهمية دور الأم في التربية

وهناك أسباب عدة جعلت للأم الدور المحوري في تربية الأبناء، منها: 1- ملازمة الطفل لها أكثر من الأب لانشغاله بالعمل. 2- شدة حنو الأم على ولدها؛ فهي أشد التصاقًا به، وهو أشد ميلاً لها، ولتوجيهاتها أكثر استجابة. 3- ما جبلت عليه المرأة من الصبر الشديد في خدمة الطفل والسهر عليه وتلبية احتياجاته. وإذا كان دور الأم بهذه المكانة العالية، فإن الواجب عليها أن تتبع القواعد الصحيحة في التربية، فتضبط حركتها وسكونها وأقوالها وأفعالها ما استطاعت؛ فهو مؤثر في الطفل حتمًا ولاسيما مرحلة الطفولة.

منهج التربية الإسلامية

        إن منهج التربية الإسلامية منهج يتميز بالشمول والتكامل فهو يعمل على بناء الشخصية المسلمة بناء صحيحًا، مراعيًا حاجات الإنسان المختلفة ومراحل نموه واستعداداته وميوله وقدراته؛ لكي تنضج الشخصية المسلمة، فتصبح شخصية متكاملة لا يشوبها خلل أو نقص أو اضطراب، إلا ما يعتريها من القصور الفطري الطبيعي للإنسان؛ لذلك على الأم أن تنطلق في تربية أبنائها من أصول هذا المنهج، وتعمل على تحقيقها واقعًا عمليا معهم، ومن ذلك ما يلي:

أولاً: العناية بالجانب الإيمانى

      وذلك بتعليمهم أصول الإيمان وأركان الإسلام ومبادئ الشريعة والحلال والحرام، وتعليمهم فروض الدين وآدابه وتربيتهم على حب الله والرسول وتلاوة القرآن وفهم معانيه ومعايشة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسير السلف الصالح.

ثانياً: العناية بالتربية الخلقية

         فالجانب الأخلاقي من أهم الجوانب التربوية التي يجب على الأم تأسيسها في نفوس أبنائها، والمراد بالتربية الخلقية: مجموعة المبادئ الخلقية والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقاها الطفل ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه حتى يصبح مكلفاً، ويخوض خضم الحياة، وكذلك تحصين أبنائها من الرذائل والآفات مثل الكذب والسرقة والسب والشتم والميوعة والانحلال.

ثالثاً: تعويد الأبناء على حب من حولهم

        وذلك من خلال غرس قيم البر والصلة والإحسان وتعليمهم ما أمر الله به من بر الوالدين وحسن صحبتهم وآداب التعامل معهم، «جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من أحق الناس بحسن صُحْبَتِي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك». فهذا جانبٌ مهمٌ يجب أن تعيره الأم اهتمامها وعنايتها في تربية أبنائها، ودورها هنا أخطر من دور الأب؛ فالأم هي عنوان الحب ومصدر المودة والرحمة والإشفاق؛ لذا وجب عليها أن تسمع أبناءها الكلمات المعبرة عن الحب والقرب، وتحيطهم بالعطف والحنان، وتستجيب ما استطاعت لحاجتهم النفسية والوجدانية والعاطفية.

رابعاً: العناية بالتربية الجسمية للأبناء

          حرص الإسلام حرصاً بالغاً على تنشئة الأبناء تنشئة صحية وجسمية ممتازة؛ فيتحقق لهم قوة الجسم وسلامة البدن من الآفات والأمراض، قال -صلى الله عليه وسلم -: «المسلم القوي خيرٌ وأحب الله من المسلم الضعيف»، ولقد عدّ الإسلام ذلك جانباً مهما من الجوانب التربوية لتحقيق التكامل والتوازن المطلوب في بناء الشخصية السوية.

خامساً: تنمية الجانب العقلي عند الأبناء

        ويراد بها: تكوين فكر الأبناء على كل ما هو نافع من العلوم الشرعية والدنيوية المفيدة للمجتمع، ويجب أن تحرص الأم على أن تكون التربية العقلية والفكرية لأبنائها وفقاً للمنهج الإسلامي، فلا تصادم أصلاً من أصول الشريعة، ولا تخرق مبدأً من مبادئ الإسلام، فلا تعارض بين الشرع والعقل؛ فيجب على الأم أن تغرس في الأبناء أهمية طلب العلم والحث عليه ومكانة العلم والعلماء في الإسلام، قال -صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة»، وقال - صلى الله عليه وسلم - «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب».

التوعية الإيمانية والفكرية

         وكذلك عليها الاهتمام بالتربية الإيمانية والفكرية لأبنائها، ويكون ذلك بالاتصال الدائم بالقرآن والسنّة بفهم سلف الأمة، ومعرفة التاريخ الإسلامي معرفة صحيحة من العلماء الثقات، ومعرفة المراحل التي مر بها الإسلام حتى يومنا هذا، وما تعرض له المسلمون -عبر العصور- من المحن والشدائد حتى يحموا دينهم وعقيدتهم، وتعليمهم أن الإسلام هو الدين الخالد المصلح لكل زمان ومكان، وأن الإسلام هو الطريق الوحيد لبلوغ المجد والعزة وتحقيق سعادة الدارين.

التوعية بمخططات الأعداء

          وكذلك من دور الأم في التوعية العقلية والفكرية توعية الأبناء بمخططات الأعداء قديماً وحديثاً، وما يدبرونه للإسلام والمسلمين، وتعميق قضايا الأمة في نفوسهم، وكيف أن الأعداء يبثون بذور الإلحاد في الجيل المسلم لمحو العقيدة الإسلامية من الأرض، وتوعيتهم بواجبهم تجاه صد هذه المخططات.

سادسًا: التربية على حسن الخلق

           من خلال تعليم الأبناء حسن معاشرة أعضاء المجتمع وأفراده والاندماج المتوازن المنضبط معهم، فتنصح أبناءها في مراحل نموهم وأطوار نضجهم المختلفة أن يحرصوا على حسن الاتصال بأفراد المجتمع وتقديم الخير لهم، والسعي في قضاء حوائجهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ»، وكذلك تحمل المسؤولية المجتمعية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكف الأذى وحفظ اللسان واليد من البغي والعدوان والبطش والاستهزاء والسخرية؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ»، وتعليمهم حسن الأخلاق وكريم الخصال الاجتماعية التي تجب عليهم تجاه أفراد المجتمع من احترام الكبير والعطف على الصغير؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من لم يرحمْ صغيرَنا، ويُوَقِّرْ كبيرَنا»، وتوجيه طاقاتهم إلى ما ينفع دينهم ومجتمعهم وأمتهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك