رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 1 فبراير، 2011 0 تعليق

القنوات الإسلامية بين بخل الأغنياء وكيد الأعداء (1)

 

طالعنا عدد من المواقع الإلكترونية بخبر عن ثري سعودي يسعى لشراء مجموعة ثمينة من ألماس تدعى (مجموعة قوس قزح) تتكون من 301 ماسة بألوان مختلفة بقيمة تصل إلى 60 مليون جنيه إسترليني (نحو 350 مليون ريال)، لإهدائها إلى الأمير وليام، نجل ولي عهد بريطانيا، في زواجه المقرر أبريل المقبل، ولم يكن هذا هو الخبر الوحيد من تلك الأخبار المستفزة فقد عرض أحدهم مهرًا بقيمة 100 مليون دولار وجزيرة في إسبانيا لإحدى المغنيات اللبنانيات؛ وآخر قام بنقلَ سيارته إلى لندن بـ40 ألف دولار لتغيير زيتها، وغيره يشتري خطًا هاتفيًا بمبلغ 450 ألف دولار، وآخر يطلب من شركة ألمانية تصنيع سيارة خاصة به من الفضة الخالصة، وآخر يطلب طلاءها بالذهب!

      تأتينا هذه الأخبار المستفزة التي لا تنقطع يتنافس فيها أصحابها في تبديد أموالهم بهذه الطريقة في الوقت الذي يتم الإعلان فيه عن غلق إحدى القنوات الإسلامية - قناة الحكمة- لأنها لا تستطيع سداد ديونها؛ وليست هي المرة الأولى التي تتعرض لها القناة لمثل هذه المحنة، كما تعرضت لها من قبل قناة صفا وغيرها من القنوات.

     والذي يعاين عن قرب العمل بهذه القنوات يعلم المعاناة الشديدة التي يعانيها القائمون عليها في توفير النفقات المالية لها سواء أكانت أجور البث أم رواتب العاملين أم إنتاج البرامج وغيرها مما يعلمه أهل الاختصاص.

     ولا شك أن مسلسل إغلاق القنوات الإسلامية ما زال مستمرًا سواء لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، أو بسبب الدواعي السياسية والضغوطات الدولية.

     والكلام على أهمية تلك القنوات يُعَدُّّ من نافلة القول بعد أن لمس القاصي والداني الأثر الكبير الذي أحدثته في واقع الناس، فضلاً عن الدور الذي أدته في مواجهة المدّ الإعلامي الغربي بكافة ألوانه وأطيافه.

      ولقد كان وجود مثل هذه القنوات حلماً طالما راود الكثيرين، واليوم - ولله الحمد والمنَّة - فرضت العديد من هذه القنوات وجودها وصارت واقعًا ملموسًا حاملةً على عاتقها رسالة إعلامية هادفة، وهدفاً نبيلاً راقيًا، تسعى من خلاله للدفاع عن هوية المسلمين ومعتقداتهم، والوقوف سدًا منيعًا وحصنًا واقيًا أمام الأفكار الوافدة والمذاهب الهدّامة التي تعصف بوحدة المجتمع المسلم وتماسكه، وتُهدِّد الفكر والعقيدة لشبابه وناشئته.

     فما أن انطلقت أول قناة فضائية إسلاميَّة في غرة رجب عام  1419هـ وهي قناة اقرأ، حتى تلاحقتِ الفضائياتُ الإسلاميَّة في سِباق شريف، مُعلنةً بذلك بَدْءَ حِقبة إعلامية جديدة، لتحقق في فترة وجيزة جدًا إنجازاتٍ فاقت كل التوقعات.

     فقد أشارت الإحصائيات إلى أن خمسُ قنوات إسلامية استطاعتْ أن تكون ضِمنَ الـ 20 قناة الأولى من حيث عددُ المشاهدين، من بين 500 فضائية عربية عام 2009م، وحتى يومنا هذا تجاوز عددُ القنوات الفضائية الإسلامية الـ80 قناة في نهاية 2010.

      وأكدت دراسة منشورة أجريت على شرائح مختلفة من المجتمع السعودي، أن حجم أجهزة استقبال القنوات الدينية والمحافظة 300 ألف جهاز، في حين توقعت الدراسة أن يبلغ حجم هذا السوق خلال الـ5 سنوات المقبلة ثلاثة ملايين جهاز.

     وفي عام 1430هـ وصل عدد مشتركي قناة المجد  إلى (260.000) مائتين وستين ألف مشترك، محقِّقةً بذلك المركزَ الرابع بين مشغلي التلفزيون المدفوع على مستوى العالَم العربي، وهذا يُنبئنا بما وصل له الإعلامُ الإسلامي من مرحلة متقدِّمة من القوَّة والتأثير.

     ولا شك أن صناعة الإعلام في عصرنا هي - بعبارة أخرى - صناعةُ التأثير والتغيُّر، صناعة السيطرة والتوجيه، وفي المثل الياباني: (أعطني شاشة أُصلِح لك بها شعبًا)، والأمَّة اليوم بفضل الله امتلكتْ عشراتِ الشاشات - ولله الحمد والمِنَّة.

     ولقد أحدثت القنوات الإسلامية أثرًا إيجابيًا ملموسًا لدى الكثيرين، وشغلت حيّزًا من الفراغ الإعلامي ظل شاغرًا لعقود عديدة، وعملت جاهدة في حدود إمكانياتها المتفاوتة على تثقيف المسلمين في دينهم وإظهار الوجه المشرق الوضاء لديننا الحنيف.

     يقول الدكتور وائل الحساوي في كتابه: (هيمنة الإعلام على بلاد الإسلام): «إننا لابد أن ندرك مدى أهمية الإعلام الإسلامي في العصر الحديث ووجوب المسارعة إلى الأخذ بأسبابه بقدر الإمكان ولا سيما إذا علمنا بأن القائمين على الإعلام في العصر الحديث غالبيتهم من المعادين للدعوة الإسلاميّة والذين يستغلون الإعلام لتشويه صورة الإسلام النقية الصافية وعلى رأسهم اليهود وأن إمكاناتهم في البث الإعلامي والسيطرة على المؤسسات الإعلامية الكبيرة والانتشار قد تجاوزت الأرقام الفلكية، ثم ذكر في موضع آخر: إنّه لا يمكننا الحديث عن عصر العولمة دون التطرق إلى ما للفضائيات من دور بارز ومهم في هذا العصر، فقد حولت الفضائيات عالمنا لا إلى قرية صغيرة فحسب، بل إلى شاشة صغيرة تستطيع من خلالها الاطلاع على العالم كله ومعرفة ما يدور فيه لحظة بلحظة؛ وهذا ما حدث مع القنوات الإسلامية».

     وبالفعل وتأكيدًا لكلامه فقد سعد الناس في قرى نجد وجبال عسير وأطراف تهامة وفي بادية الشام وريفها وصعيد مصر ونجوعه وأريافه وفي ثنايا الصحراء الكبرى في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا في واحاتها وقراها وفي السودان والصومال وفي العراق والأهواز، في كل هذه البلدان، سعد الناس بقنوات نقلت لهم دروس العلماء ومحاضرات الدعاة وبرامج السيرة والمواعظ والحكم والدعوة إلى العفاف والستر والجد في الحياة، وتعلموا منها كثيرًا مما يهمهم من أمور دينهم في عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم وآدابهم، وعرفوا منها سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وسير أصحابه الكرام، ووقائع وأحداث تاريخنا الإسلامي العظيم، سعد الناس بهذه القنوات واطمأنوا إليها وتحلَّقوا حولها ينهلون من معين ما فيها من الخير والهدى والرشاد.

     يقول الشيخ عبد الله المصلح : «وجدنا فيها المناخ المناسب والوسيلة الأسرع لإيصال الكلمة لمحتاجيها»، مشيرًا إلى الدور الكبير الذي أدته في نفع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

ويمكننا أن نجمل أهم الفوائد التي حققتها هذه القنوات فيما يلي:

• ساعدت - بفضل الله - على انتشار العلم الشرعي ووصوله إلى أماكن قصيَّة من العالم ما كان الفرد فيها يحلم أن يسمع ما يسمع في بوادي وواحات وقرى ونجوع كانت مُغيّبة عن العلم الشرعي لا ترى في معظم ما يصلها من الإعلام إلا الغناء والرقص والعلاقات الآثمة والأفلام الأجنبية والمسلسلات التي تدعو إلى الانحراف والفساد.

• صححت عقائد كثير من المسلمين فحاربت الشرك المعلن والخفي وشرك المبتدعين وعباد القبور وحاربت خرافات المخرِّفين الذين يمشون على الماء ويطيرون في الهواء، وبدع المبتدعين الذين يزيدون في دين الله ما يشتهون ويشرعون فيه ما لم يأذن به الله.

• عرفت الجماهير على العلماء ويسَّرت الاتصال المباشر بهم فنشأت بين الطرفين علاقات محبَّة ومودَّة، فكُسِرَ حاجز الخوف والرهبة الذي كان موجودا منذ عقود طويلة لدى الكثيرين من الدعوة والدعاة.

• تمكنت من إيصال رسالتها إلى شريحة من أهم شرائح المجتمع ألا وهي شريحة النساء فاهتمت بهن تثقيفًا وتعليمًا وإرشادًا فملأت فراغًا كبيرًا في حياتهن وخففت على الدعاة عبء الوصول لهذه الطبقة من المسلمين.

من هنا فإن هذه الفضائيات جُلّ عملها نصرة دين الله عزَّ وجلَّ وأوليائه وعباده الصالحين بالقول والبيان وبالحجة والبرهان، ولذلك شرق بها من شرق ممن لا يسرهم الانتصار للحق ونصرة دين الله، أولئك الذين يبغونها عوجًا تسير حسب أهوائهم وشهواتهم.

     لذلك فهي في الحقيقة في جهاد وكفاح مشروع مبارك وعلى ثغر عظيم من ثغور الإسلام، وإنَّ ما تتعرض له من محن يستوجب من أهل الحل والعقد في عالمنا الإسلامي من رجالات الدول وحكّامها المخلصين وحكمائها وعلمائها وأهل السطوة والمال والجاه ممن انعقدت قلوبهم على حبِّ هذا الدين وموالاة أهله وتأييدهم، أن ينفروا لنصرتها، فهي من أواخر الحصون المنيعة ضد التحريف الديني والثقافي الغربي الذي يمارسه أعداء الدين ضد إسلامنا وأبناء ملتنا.

وللحديث بقية إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك