
الضابط السادس عشر – الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية – ما يدخل تبعًا في البيع يدخل تبعًا في الوقف
باب الوقف من الأبواب المهمة التي من الأهميّة تقرير ضوابطه، ذلك أنّ عامّة أحكام الوقف اجتهاديّة؛ فلا مناص من الانطلاق في تقريرها من أصول الشريعة العامّة، الضابطة لباب المصالح والمنافع على وجه الخصوص، ثمّ من القواعد الفقهيّة الكلّيّة، ثم يترجم كلّ ذلك على هيئة ضوابط خاصّة بباب الوقف، وهو ما سنتناوله في هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله-، واليوم مع الضوابط المتعلّقة بالعين الموقوفة، ومنها أن ما يدخل تبعًا في البيع يدخل تبعًا في الوقف.
من القواعد الفقهية الكبرى قول الفقهاء: (التابعُ تابعٌ)، ومعنى ذلك عندهم: «ما كان تابعاً لشيء في الوجود حقيقةً أو حكماً، بأن لم يكن منفكًّا عنه؛ فإنه تابعٌ له في حكمه أيضًا، أي يسري عليه ما يسري على متبوعه ولا يستقلّ في الحكم، بل يُعطى ما يُعطى متبوعه من الحكم».
ماهيّة التابع
وإذا كان لا بدّ من توضيح ماهيّة التابع، وصوره وأنواعه؛ فنقول: أنواع التوابع عند الفقهاء هي:
- الأول: ما اتصل بغيره اتصالاً حقيقيًّا -لغةً أو شرعًا-؛ بحيث يكون جزءًا منه، كالعضو من الحيوان، وفروع الأشجار وأوراقها، وقفل الباب.
- الثاني: ما اتصل بغيره اتصالاً قابلاً للانفصال، كالجنين مع أمّه، والثمار على الشجر.
- الثالث: ما اتصل بغيره اتصالاً بحكم الضرورة، كالمفتاح مع القفل.
- الرابع: ما اتصل بغيره اتصالاً عَرَضيًّا، كما يُشترط عند شراء بعض البضاعة نقلُها إلى ملك المشتري وتفريغها فيه، وقد يكون سبب هذا الاتصال عُرفيًّا، أو مشروطًا في العقد بالنصّ.
فهذه أنواع التوابع، وتقسيمها كما نرى إنّما هو تقسيمٌ استقرائيٌّ لما يكون تابعاً لغيره في الوجود المحسوس.
الأصل في التابع
فإذا علمنا أنّ الأصل في التابع أن يأخذ شرعاً حكم متبوعِه؛ فإنّهم يقولون في البيع مثلاً: «من ملَكَ شيئاً مَلَكَ ما هو من ضروراته»؛ لأنّ ما كان ضروريًّا لشيءٍ على نحوٍ لا يمكن الانتفاع بذلك الشيء إلا به، كالمفتاح للقفل؛ فإنّه يدخلُ في كلِّ عقدٍ يقتضي التمليك وفي كلِّ تصرُّفٍ من غير أن يُذكر أو يسمّى؛ لأنّ دخوله ضرورةٌ عقليّةٌ بدهيّة.
معنى الضابط
وعلى ما مضى يكون معنى الضابط: ما كان تابعاً للعين الموقوفة على نحوٍ لا يتصوّر بيعُها إلّا بإدخاله معها في البيع ضرورةً؛ فإنه يكون تابعاً لتلك العين إذا تمّ وقفُها أيضاً، وكذلك الشأن في كلّ ما يصحّ وقفُه.
إعمال قاعدة التوابع
ومن الأدلّة التي تقرّر إعمال قاعدة التوابع هذه في عقد البيع وغيره:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من باع نخلا قد أُبِّرَتْ، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المُبْتَاع»، ووجه الاستدلال أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حكم بالثمرة التي تولّدت عن فعل البائع له؛ لأنّها لما كانت تابعة لفعله في الوجود، كانت تابعة للفاعل في الحكم.
قال الحافظ: «والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بُدُوِّ الصلاح سهل، بأنّ الثمرة في بيع النخل تابعةٌ للنخل، وفي حديث النهي مستقلةٌ، وهذا واضحٌ جدًّا».
ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمّه
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمّه». ووجه الاستدلال به أنّ ذكاة الأمّ جُعلت كافيةً لتذكية الجنين وتحليل أكله، ولا علّة تبدو لذلك إلا كونُه تابعاً للأمّ في الوجود، ومتصلا بها اتصالاً شبه تام ما دام في بطنها؛ فنُزِّل منزلة أحد أعضائها، ومعلوم أن الذّكاة تكفي لكل الأعضاء ولا يحتاج كل عضو إلى تذكية؛ فجُعل الجنين كأنه أحدها لهذا المعنى.
وقد استُوفي الكلامُ استيفاءً حسناً على مسألة توابع العين الموقوفة في كتاب «ترتيب الصُّنوف في أحكام الوقوف»؛ فخصّص المصنّف لهذه النّقطة لأهميتها فصلاً مستقلًّا أوردَ فيه موادّ عدة، أنقلُ نماذج منها مستغنياً بها عن التثميل على هذه القاعدة؛ إذ إنّ تطبيقات هذه القاعدة متمثِّلةٌ بوضوحٍ في هذه الموادّ.
المادة (355)
يدخل في وقْف العقار تبعاً واستحساناً طريقُه الخاصّ، وحقَّيْ شُربه ومَسِيلِه، وما إلى ذلك من حقوقه ومرافقه، وشرَحَهَا بقوله: «كدخول هذه الحقول تبعاً للعقار عند إجارته، خلافاً لما في البيع؛ من حيث عدم دخول هذه الحقوق تبعاً للمبيع ما لم يصرِّح بدخولها، أو قد أُضيف إلى العقد من الألفاظ العامّة ما تقضي بدخولها، وذلك للفرق الموجود بين البيع والوقف؛ من حيث إنّ المقصود في البيوع هو الملكيّة، لا الانتفاع حالاً بالبيع، على حين أنّ المقصود في الوقف هو الانتفاع -لا الملك-، الذي لا مجال لتحقُّقِه في العقار الموقوف من غير طريقه الخاصّ، وحقوق شُرْبِه ومَسِيلِه كما في الإجارة».
المادة (356)
يدخل من غير ذكرٍ في وقف العرْصة جميع ما فيها من مبانٍ وكُرومٍ وأشجارٍ مغروسة.
المادة (359)
يدخل في وقْف الحمّام المحلّ الذي يُطرح فيه السّماد والرّماد، وكذلك قُدور الحمّام، ولكن لا يدخل مَسِيلُ الماء الموجود في الأرض المملوكة أو في الطريق العام.
المادة (360)
لا يدخل في وقْف الدّار إذا لم يذكر الواقف عبارة (مع جميع حقوقها) أو (بما فيها ومنها) إلّا ما يدخل مع المبيع في البيع.
المادة (362)
لا يدخل في وقف الأرض الزرعُ الموجود فيها بجميع أنواعه، وإن لم تكن فيه حين الوقف، وكذلك الرّياحين والآسُ والطَّرْفَاءُ والياسمين، وورق الحنّاء والقطن والباذنجان؛ فإنّها إن لم تُذكر لا تدخل مع الأرض عند وقفها.
تبقى ملكاً للواقف
وقال شارحاً: «وتبقى كما هي ملكاً للواقف، فلو وقف أحدٌ بستانه مثلاً، فما كان مزروعاً فيه حين الوقف من البقول والمخضرات من الرياحين ووقف الحنّاء وأزهار النّرجس، لا تدخل مع البستان في الوقف، بالنّظر إلى استقلال هذه المزروعات وعدم كونها من توابع البستان، خلافاً للثّمار التي تحصل بعد وقف البستان؛ فإنّها تعود للوقف باعتبارها من الغلّة».
لاتوجد تعليقات