
الشيخ صلاح البدير: التحذير من الغلُوِّ والانحراف
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (التحذير من الغلُوِّ والانحراف)، وتحدَّث فيها عن الجماعة ووجوب لزومها، وحُرمة مُفارقتها والخروج عليها، مُوجِّهًا نصائحَه للآباء والأولياء بضرورة المحافظة على أولادهم من انحراف الشُّبهات والشَّهوات، والانجِرار خلفَ التيَّارات المُخالِفة للنَّهج الحقِّ القويم، والصراط المُستقيم، كما لم ينسَ الشبابَ الصِّغار بالنصائِح والتنبيهات المهمة في هذا الصَّدَد، وكان مما جاء في خطبته:
أيها المسلمون: الجماعةُ منَعَة، والفُرقةُ مضيَعة، الجماعةُ لُبُّ الصواب، والفُرقةُ أُسُّ الخراب، الفُرقةُ بادِرةُ العِثار، وباعِثةُ النِّفار، تُحيلُ العمارَ خرابًا، والأمنَ سرابًا، وهي العاقِرةُ والحَالِقة. ولم يمشِ ماشٍ شرٌّ من واشٍ، ورأسُ الأشرار كلُّ مُحرِشٍ شنَّار.
عصبة غاوية
لقد خرجَت على الأمة عُصبةٌ غاوِية، وحفنَةٌ شاذَّةٌ، وسُلالةٌ ضالَّة، لا هدفَ لها سوى اقتِداح شرارة الفوضَى، وشقِّ العصَا، فأظهَروا مكنُون الشِّقاق، وشهَرُوا سيوفَ الفتنة، وجاهَدوا بالمُحادَّة والمُضادَّة، بعقيدةٍ مدخُولةٍ، وأفهامٍ كليلَة، وأبصارٍ عليلَة. توَّهَت بهم الآراءُ المُغوِية في مهامِهَ مُضِلَّة، وسُبُلٍ مُختلِفة، فكفَّروا وروَّعُوا وأرعَبُوا، وقتَلُوا وفجَّروا وخانُوا وغدَرُوا. فلا عن المُعاهَدين كفُّوا، ولا عن المُسلمين عفُّوا.
رمَوا أنفسَهم في أتُّون الانتِحار بدعوَى الاستِشهاد، ودرَكَات الخروجِ بدعوَى الجِهاد. همَجٌ رَعاع، يتبَعُون كلَّ ناعِق، ويسيرون خلفَ كلِّ ناهِق، يُقابِلُون الحُجَج باللَّجَج، والقواعِدَ بالأغالِيط، والمُحكَمات بشُبَهٍ ساقِطة، لا تزيدُهم إلا شكًّا وحيرةً واضطِرابًا.
قومٌ باغُون، من جادلَ عنهم فقد جادلَ عن الباطِل، ومن أعانَهم فقد أعانَ على هدمِ الإسلام. فراشُ نار، وحُدثاءُ أغرار، وسُفهاءُ أشرار، خالَفُوا ما درَجَ عليه السَّلَف، وانتهَجَه بعدَهم صالحُو الخلَف، وفارَقُوا ما نقلَتْه الكافَّةُ عن الكافَّة، والضَّافَّةُ عن الضَّافَّة، والجماعةُ عن الجماعة.
ميتةً الجاهليَّة
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «من خرجَ من الطاعة، وفارَقَ الجماعة، فماتَ ماتَ ميتةً جاهليَّة، ومن قاتلَ تحت رايةٍ عِمِّيَّة يغضبُ لعَصَبة، أو يدعُو إلى عصَبَة، أو ينصُر عصَبَة فقُتِل فقِتلةٌ جاهليَّة، ومن خرجَ من أمَّتي على أمَّتي يضرِبُ برَّها وفاجِرَها، ولا يتحاشَى من مُؤمنها، ولا يفِي لذي عهدٍ عهدَه فليس منِّي ولستُ منه»؛ أخرجه مسلم.
وصفهم وسمتهم
جماعةٌ ضالَّة، وقلوبٌ حاقِدة، وصدورٌ حاسِدة. كان من آخر شنائِعِهم الفِعلةُ النَّكراء جريمةُ التفجير في الأحساء، التي نفَّذَتها يدُ الغدر والخِيانة، نبتَةُ سُوءٍ سوف تُجتثُّ وتُقلَع، وعروقُ باطلٍ لا تُمهَلُ أن تُقطَع. المتالِفُ لهم راصِدة، والعزائِمُ لهم حاصِدة.
الفتاءُ والصِّغرُ وحداثةُ السنِّ قرينةُ الطهارة والغرارة، والشابُّ الحدَث قليلُ الفِطنة والحِنكَة والتجرُبة، ومتى صاحبَ الحدَثُ من لا يُوثَقُ بمودَّته وعقيدتِه، وأمانتِه وديانتِه ختَلَه الخبيثُ من حيث لا يعلَم، وأطعمَه الباطلَ من حيث لا يدرِي، وسقَاه السُّمَّ من حيث لا يحتسِب، وجنَّدَه ضدَّ دينِه ووطنِه وأهلِه وعشيرتِه وهو لا يشعُر.
أولادكم أمانة
ومن تركَ ولدَه يقطعُ وادِيَ السِّباع، ويلهُو بين الوُحوشِ الجِياع، ويسيرُ في الظُّلَم، ويعبُرُ المفاوِزَ في السَّحَم، فقد باعَه وأضاعَه، وجعلَه نهبًا لشِرار الخلقِ، وهدفًا لمآربِهم الخبيثَة.
ومن تركَ أولادَه يضرِبون في غَمرة اللَّهو والإثمِ، ويتسكَّعون في مراتِع الفتن، ويقتحِمون غُمارَ الناسِ، وينغَمِسُون في زَحمةِ الخلقِ وكثرتِهم. يُصاحِبُون من شاؤوا دون رقابة، ويَبيتُون خارِج البيوت دون تحفُّظ، ويمكثُون بعيدًا دون مُساءَلة، فقد عقَّهم وظلمَهم.
والشَّادِخةُ المُحجَّلة حين يُصبِحون ضحايا لشقاشِقِ الشَّياطين، وخُطَب المُرجِفين، وكُتُب الغُلاة المُبطِلين، وفتاوى الخوارِج الحاقِدين، وأدوات التنظيمات السريَّة، والجماعات التكفيريَّة الإرهابيَّة، والتيَّارات الحِزبيَّة التي تزرعُ الأحقاد في قلوبِ شبابِنا ضدَّ وُلاتِنا وعلمائِنا وبلادِنا.
أيها الآباء والأولياء: حاذِروا التساهُلَ والتشاغُل، والتراخِيَ والتغافُل. اغرِسُوا في نفوسِ أولادِكم المحبَّةَ لدينِهم وبلادِهم، والولاءَ لوُلاة أمرهم، ورجالِ أمنِهم، وعلمائِهم وأئمَّتهم. ولن يتحقَّقَ ذلك إلا بفَيضٍ من الحُنُوِّ والحبِّ، والعطاءِ والإحسان، والمُصاحبَة والمُعايَشَة بالحُسنى، والتعليمِ والتحصيل.
الخوارج صنفان
الخوارِجُ عُصاةٌ لله ورسولِه صلى الله عليه وسلم ، خالَفُوا الكتابَ والسنَّة. وهما قِسمان قرنَا شيطان: القَعَدَة، والخدَمُ الحفَدَة.
فقعَدَةُ الخوارِج يُزيِّنُون للأغرار الثورات، ويأمُرونهم بالخُروج على الوُلاة، ويُبيحُون لهم العمليَّات الانتِحاريَّة، ويخدَعونهم بالغُفران ودخولِ الجِنان، ويُحسِّنون لهم بفتاوى خبيثَةٍ حملَ الأحزِمةِ الناسِفة، وقيادةَ السيَّارات المُفخَّخة، وتفجيرَ النفسِ في المساجِد ودُور العبادة، والأسواق التجمُّعات.
والخدَمُ الحَفَدة حُدثاءُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام، يُنفِّذون تلك المُخطَّطات الشيطانيَّة، يُشعِلون النيرانَ بكُسارِ العِيدان.
رسالة إلى الشباب
أيها الشابُّ الطَّرير! لا يخدعنَّك القولُ المُزيَّنُ بترقيشِ الكذِب، وزخرَفَة الباطِل؛ فلو كان من دعاك مُجاهِدًا وناصِحًا، لسارَعَ إلى تفجير نفسِه قبل أن يدعُوَك لتفجيرِ نفسِك، ولكن أغواكَ وأهواكَ، فاختارَ لنفسِه المُتعَةَ والمالَ والحياةَ والبقاءَ، واختارَ لك الموتَ والهلاكَ والفناءَ. فاصْحُ من غفلَتِك، وارجِع عن ضلالَتِك، وعُدْ إلى رُشدِك، ولا تكُن وبالاً على نفسِك وأهلِك.
يا من تمسَّكتَ بالشِّراد، وأخذتَ بالعِناد، ولجَجتَ في البغيِ والفساد. يا من قُلتَ ما يُستفظَعُ في السَّمع، وتفوَّهتَ بما يُستبشَعُ في الطَّبع، يا من خلَعتَ الطاعة، وشقَقتَ عصَا الجماعة، يا من أُخِّرتَ وأُنظِرتَ، وأُجِّلت وأُمهِلتَ، فما زادَك الإنظارُ إلا اعوِجاجًا، ولا التنفيسُ إلا ارتِدادًا.
أقصِر وأبصِر، وراجعِ الحقَّ قبل أن تُؤخَذ وخدُّك عافِر، وتُوقَفَ للقضاءِ العادلِ وأنت صاغِر؛ فتُب وبادِر قبل أن ينزِل بك ما تُحاذِر، وإن لم تتُب مُختارًا، فانتظِر البتَّارا.
اللهم احفَظنا من وساوِس الشياطين، وجنِّبنا مسالِك الغُواةِ المُفسِدين، وأستغفِرُ الله فاستغفِرُوه، فيا فوزَ المُستغفِرين.
محنة مضايا
ثم تطرق الشيخ إلى الشأن السوري في خطبته قائلاً: مِحنةُ (مضايا) السورية التي يُحاصِرُها أعداءُ الملَّة، بتواطُئٍ من القُوَى العالمية، دليلٌ على شريعة الغابِ التي تحكُمُ العالَمَ اليوم. شعبٌ يُذلُّ بسلاحِ التجويعِ والترويعِ، ونساءٌ وشيُوخ، وأطفالٌ وصِغار، يلُفُّهم الخوفُ والجوعُ والمرضُ والبرقُ، بلا دواءٍ ولا غذاء، ولا وِطاءٍ ولا غِطاء. عدِموا الدفاءَ في صِرِّ الشتاء.
إن القُوَى العالميَّة بصَمتها وسُكوتها وسُكونها وتخاذُلها، وهي تُشاهِدُ تلك الصُّورَ المُفجِعة المُروِّعة، تُعدُّ شريكةً في هذه الجريمة الإرهابيَّة، وإن البلدات التي تُهدَمُ مساجِدُها ومدارِسُها، ويُقتلُ خِيارُها وكِبارُها، وتُحاصَر ليموتَ أهلُها.
ستظلُّ دليلاً قاطعًا على الاستِهداف المُشترَك، وعلى سياسة التقسيم والتَّهجير من أجل التغيير،{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (البقرة: 253).
لاتوجد تعليقات