رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 5 أغسطس، 2024 0 تعليق

السنن الإلهية (5) كألف سنة مما تعدون

صاحبي من محبي السفر بالمركبة، لدى (صندوق السفر)، يحتوي على كل ما يحتاجه للطريق، متقاعد غير مرتبط بأي شيء، يتخذ قرار السفر آنيا، مجرد أن يجد من يرافقه، وبالطبع لديه المرافق الدائم (أبو أحمد). - بعد عمرتنا الآخرة، ذهبنا إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلينا الظهر في مسجد قباء، ثم العصر والمغرب والعشاء والفجر في المسجد النبوي، بعد الإفطار اقترح علي صاحبي، أن نرى مدينة «العلا»، لكثرة ما تذكر هذه الأيام، وبالفعل توكلنا على الله، بعد أن أخذنا الأسباب، وعرفنا المسافة والطريق، المسافة قريبة، ثلاثمائة كيلو مترا، قطعنا بساعتين ونصف الساعة، مدينة فيها الكثير من الآثار والتضاريس الجبلية الجميلة، زرنا متحف مرايا ومجمع الفريد الذهبي، وقررنا المبيت في (باينان ترى العلا)، في اليوم التالي، زرنا السوق الشعبي بالعلا القديمة، وجبل الفيل، ومحطة سكة حديد الحجاز، وبعدها ديار ثمود قوم صالح. - وماذا رأيتم في ديار ثمود قوم صالح؟ كان صاحبي يحدثني باستمتاع؛ لأنها المرة الأولى التي يرى فيها ديار ثمود، ويظن أنه رأى الجبل الذي خرجت منه الناقة. - قضينا أربع ساعات نتجول في هذه المناطق، ونرى كيف أصبحت بعد أن كانت مركزا لحضارة عظيمة يوما ما. عقبت على شرح صاحبي المسهب. -  يقول الله -تعالى-: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:45-47). في تفسير هذه الآيات:  {كأين} عدد كبير من القرى الظالمة أهلكها الله، وهذه سنة من سنن الله في خلقه، إهلاك القرى الظالمة، وإبقاء القرى المصلحة. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود:117)، وهذه السنة الإلهية لا يلتفت إليها الناس؛ لأنها تقع على مدى زمني طويل يمتد لمئات السنين فلا يراها الفرد، ولكن يراها من يتدبر التاريخ الممتد، وقوله -تعالى-: {أفلم يسيروا في الأرض}، أمر بالسير الحسي أو المعنوي، ولكن ينبغي أن  يكون سيرا بقلوب تعقل وآذان تسمع، وإلا فإنهم لن يعتبروا بهذا المسير، وذلك أن هذه السنة (إهلاك الأمة الظالمة)، -ولاسيما إذا كان ظلمها الكفر بأنبياء الله- سنة ماضية إلى يوم القيامة، ولذلك ختم الله هذه الآيات بقوله: {ويستعجلونك بالعذاب}، والله -عز وجل- (حليم) لا ينزل عذابه لأجل عناد الظالمين، كما قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال). وبين -سبحانه- أن إهلاكه للأمم إنما يكون بأيام الله، التي هي كألف سنة مما يعد البشر. - هل هذه سنة دائمة وقانون ثابت لله -عز وجل- في الأمم الظالمة؟ - نعم، دون شك، هذه  سنة إلهية لا تتوقف ولا تتبدل ولا تحابي أحدا، المرء قد يرى هلاك الظالمين (الأفراد)، كهلاك فرعون، وقارون، وأبي جهل، ونمرود، فتكون ميتتهم عبرة للظالمين جميعا، وآية لجميع الخلق، حتى لا يتطاول العبد على الله -عز وجل-، فيكون هلاكهم بعد خمسين سنة أو مئة أو أكثر، ولكن الظالم يهلكه الله، والقرية الظالمة يهلكها الله، ولا شك أن أعظم الظلم قتل الأنبياء والشرك بالله برد دعوتهم، كما في الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- يملي  للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}» (متفق عليه). - بعض المفردات تحتاج إلى مزيد بيان، مثلا (خاوية على عروشها) (بئر معطلة) (قصر مشيد). (بئر معطلة)، نابعة الماء ولا ينتفع بها؛ لأن أهلها هلكوا، وقيل دفنت لهلاك أهلها. (قصر مشيد)، بناء مبني بالحجارة والجص، خلا من سكانه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك