رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 10 مارس، 2025 0 تعليق

السنن الإلهية (32) إنكار المنكر ينجي

- وماذا لو لم نتمكن من تغيير المنكر وإيقافه؟ - ليس المطلوب إيقاف المنكر وإنما إنكاره، وفرق كبير بينها. - ألم يرد في الحديث: «من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان».؟ - نعم، الحديث عن أبى سعيد الخدري وهو في صحيح مسلم. - والرسول -[- استعمل كلمة، (فليغيره)، أي يوقفه، ويزيله. كنت وصاحبي نتحاور بين العشاءين، جاء إلى المسجد فجر ذلك اليوم قبل الأذان ورأى مركبتين عند المسجد، اشتبه بأنهما يقومان بأمور منكرة! - ولكنْ (لإنكار المنكر) فقه وأحكام ينبغي أن يعلمها من أراد أن ينكر المنكر، كما في العبادات جميعها ، (العلم قبل العمل). - ولكن يجب على العبد إنكار المنكر، ولو في حده الأدنى إن لم يستطع حتى ينجو من العذاب! - ماذا تعنى بهذه العبارة؟ - من سنن الله -عز وجل-، أن ينجي من ينكر المنكر، وإن وقع العذاب على الجميع. - هذه أيضا عبارة تحتاج إلى تفصيل: - لنبدأ بقول الله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف:164-165). قال الحافظ ابن كثير: «نص على نجاة الناهين»، وقال العلامة السعدي: سنة الله أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وفي قوله -تعالى-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال:25). قال الحافظ ابن كثير، عن ابن عباس، أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب! - تفسير جميل، يؤيد موقفي. - نعم، لابد من إنكار المنكر، كل بحسب سلطته، صاحب السلطان باليد، وصاحب الكلمة المسموعة باللسان، ومن لا سلطة له بالقلب، وذلك أن يكره المنكر، ولا يرضى به، ولا يوجد حيث يقع ويجالس من يفعله. - دعني أبحث من أقوال العلماء في هذا الموضوع. تناول هاتفه الذكي، وكلما فعل هذا الأمر أحدهم أو قمت به، حمدت الله على هذه النعمة العظيمة، نعمة سهولة الوصول إلى العلم ومعرفة أقوال العلماء، في وقائعه، نصل إلى ما كان من قبلنا يحتاج إلى ساعات أو أيام ليصل إليه. اسمع ما وجدت يا (أبا حاتم): قال النووي -رحمه الله- في (شرح صحيح مسلم) (2/23) : «ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس، سقط الحرج عن الباقين. وإذا تركه الجميع : أثم كل من تمكن منه، بلا عذر ولا خوف. ثم إنه قد يتعين أي يصير واجباً على شخص بعينه كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. قال العلماء -رضي الله عنهم-: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين» انتهى. وقال في (مطالب أولي النهى) (1/ 276): «الأمر بالمعروف: لا يجب إلا إذا ظن امتثال المأمور، وهو قول لبعضهم. وقد حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه وصح القول بوجوبه وهذا قول أكثر العلماء وقد قيل لبعض السلف في هذا فقال: يكون لك معذرة، وهذا كما أخبر الله -تعالى- عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به. عن عبدالله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ ذكروا الفتنة أو ذكرت عنده قال: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك، قال - صلى الله عليه وسلم -: الزم بيتك وأملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة». (صحيح الترغيب) وفي تفسير قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105). عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، حينئذ تأويل هذه الآية. وعن ابن عمر  رضي الله عنه - قال: هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.  وهذا كله قد يحمل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر، سقط عنه. وقد ذهب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- إلى قريب من ذلك. قال -رحمه الله-: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به مَن يكفي سقط عن الناس، وإذا لم يقم به من يكفي : وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لكن لابد أن يكون بالحكمة، والرفق، واللين . (من لقاءات الباب المفتوح). وفي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويتقيدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل». (رواه مسلم وغيره). وقال الشيخ ابن باز في تفسير آية الأعراف: دل على أن الناهين عن السوء هم الذين ينجون عند المصائب، وعند العقوبات يُنجي الله مَن يَنْهَى عن السوء؛ فالواجب على المسلمين أن يحذروا عقوبات الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يقوموا بهذا الواجب، واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ليس وراء ذلك حبة خردل. ج: يعني فيما يتعلق بالإيمان بالأمر والنهي، وليس معناه أنه كافر، ليس بكافر، الإنكار آخرها القلب، ما بقي شيء بعد القلب(انتهى). ودعني أختم بهذا الحديث: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن الله أنزل سطوته بأهل الأرض وفيهم الصالحون فيهلكون بهلاكهم، فقال: يا عائشة إن الله -عز وجل- إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون فيصيرون معهم ثم يبعثون على نياتهم» (صحيح الترغيب). - الشاهد من كل ذلك بيان سنة من السنن الإلهية (أن من ينكر المنكر ينجيه الله من العذاب)، وكل بحسب طاقته، وسلطته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك