رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 15 يوليو، 2019 0 تعليق

الزكري لـ«الفرقان»: مستقبل المسلمين في الغرب مرتبط بالتمسك بدينهم واجتماع كلمتهم وتوحيد صفوفهم


تعد الأقليات المسلمة في الغرب، امتدادًا حضاريًا مهمًّا للأمتين العربية والإسلامية، من هنا تأتي قيمة التعويل على تلك الأقليات بوصفها جسرا للعلاقات العربية مع الغرب، ورافدا من روافد نشر الحضارة الإسلامية ورسالة الإسلام السامية، وقد نما المجتمع الإسلامي في الغرب نموا مضطردا خلال السنوات الأخيرة، مع تزايد أعداد الأقليات المسلمة به، وتزايد نشاطها في الميدان الثقافي والإعلامي والدعوي، إلا أن واقع هذه الأقليات يحتاج إلى دراسة مستفيضة، ومعرفة الأخطار التي تتهددُ هُويَتَهم الإسلامية، والتحديات الجسيمةٍ التي تواجههم في سبيلِ التمسكِ بدينهِم والدفاعِ عن قضاياهُم. 

     وقد التقت الفرقان في هذا السياق بالشيخ أحمد الزكري  الداعية الإسلامي والإمام والخطيب بأمستردام في هولندا الذي أكد في بداية حواره أن واقع المسلمين في الغرب يدور بين الآلام والآمال، أما الآمال: فما نراه ولله الحمد من تزايد أعداد المساجد، وما نراه من إقبال الناس عليها صغارًا وكبارًا، وما نرى ولله الحمد من تزايد أعداد الشباب المقبلين على الاستقامة على الدين والتمسك بالسنة وهذا شيء طيب ولله الحمد والمنة.

     ولكن الآلام التي  تدور حول هذه الآمال ما نراه أيضا في الجهة الأخرى من كثرة انتشار الفساد في جيل من أجيال المسلمين التي تعيش في هذه المنطقة؛ بسبب قوانين هذه البلاد وثقافتها وما هي عليه من حرية مطلقة غير مقيدة أدت إلى ضياع عدد من أبناء المسلمين, فبعضهم خرج من الدين وهم قلة ولله الحمد والمنة, وبعضهم انحرف انحرافا شديدًا في أبواب شتى في الحياة الدنيا كالخمور والمخدرات وكثير من الفساد، نسأل الله أن يهدي الجميع؛ فهذا الخطر سيبقى على كل حال، مادام المسلمون هنا لم يعملوا على جمع كلمتهم، وتوحيد صفهم وتهيئة كيان صحيح قوي لهم يدافع عن حقوقهم بوصفهم مسلمين.

ضعف تأثير المسلمين

     وأضاف الزكري أن هذا الاختلاف أدى إلى ضعف تأثير المسلمين على المجتمعات التي يعيشون فيها؛ فليس لهم حقوق يتمتعون بها في دينهم, لا أقول في المساجد فإن المساجد تدخل ضمن الحرية العامة، والتمسك بالدين يدخل  ضمن الحرية العامة أيضا؛ فكل إنسان له الحرية أن يعبد ما يشاء، ويلبس ما يشاء، ويفعل ما يشاء ما لم يصل به الحد إلى الإضرار بالآخرين, وهذا أمر جيد من جهة، لكن سلبياته أكثر ومن ذلك المدارس الحكومية وغيرها، وهذا هو الأمر المهم؛ فإن المدارس لها آثار على شبابنا وبناتنا أكثر من تأثيرنا نحن على أبنائنا وشبابنا وجيلنا، وأكثر من تأثير المساجد نفسها؛  فإن الطفل يبدأ الدراسة في المدارس النظامية وهذه المدارس لها نظام خاص، يبقى الطفل بين يدي أربع مدرسين من غير المسلمين ما يقرب من 6 أو7 ساعات في اليوم، فينشئوا الأطفال على أخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم، وربما يرتب للأطفال زيارة إلى معابدهم وكنائسهم وإلى أماكن تخدش عقائدهم وأخلاقهم.

     وأما عن التحديات التي تواجه المسلمين في الغرب قال الزكري: لا شك أن التحديات التي تواجه المسلمين في الغرب قد زادت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أنا حقيقة لم أكن موجودًا هنا في تلك الفترة لكن عندي أخبار، أسمع الناس يتكلمون حوله، وأن الدعوة عمومًا في زمن سابق كانت أنشط سواء قبل الأحداث أم بعد الأحداث فكانت أنشط, واليوم قل هذا النشاط نتيجة كثير من القوانين, لكن الحمد لله الدعوة مازالت مستمرة والنشاطات أيضا مستمرة، والدعوة إلى السنة -الحمد لله- لها قبول عند الناس، لكن لم تبقى تلك الحيوية التي كانت من قبل في إقامة الدورات وحضور المشايخ والدعاة والعلماء، ولا ش أن من أسباب ذلك اختلاط الحابل بالنابل وظهور جماعات تشوه صورة الإسلام بأفعالها الإجرامية, مما يُضيَّق على العلماء الربانيين؛ فقديمًا كانت الدعوة إلى السنة وإلى منهج السلف واضحة، وكان الناس في خير والحمد لله، لكن لما اختلط الحابل بالنابل، وتصدر غير العلماء من الدعاة وممن لهم مناهج منحرفة عن مناهج أهل السنة والجماعة تغيرت الأمور كثيرًا.

الخطاب الإسلامي

     وعن الخطاب الإسلامي الموجه للغرب سواء من الدعاة في الداخل أم الخارج قال الزكري: الحقيقة الدعوة في هولندا ليست كالدعوة في غيرها، فالدعوة في بعض البلاد الأخرى أنشط لكن هنا تميزت الدعوة -ولله الحمد- بانتشار السنة بين الناس، بينما في بعض  البلاد الأوروبية الأخرى تكون المساجد حسب مؤسسها، فبعضها يكون على العادات والتقاليد التي في بلاد هؤلاء الناس الذين أسسوا هذه المساجد؛ فتجد بدعا وتجد خرافات، لكن هولندا -ولله الحمد- تختلف عن ذلك، قد تكون النشاطات قليلة بالنسبة لبعض البلاد الأخرى انجلترا وغيرها لكنها في الغالب تكون بالطريقة الصحيحة والسليمة الخالية من البدع والانحرافات.

خطاب إسلامي عالمي

     وعن كيفية بناء خطاب إسلامي عالمي يستوعب التوجهات كافة؛ ويلتقي معها، قال الزكري: أظن أن هذا واجب الوقت بالنسبة للدول الإسلامية الآن، فلوكان هناك جهد مكثف من هذه الدول وحرص الدعاة والعلماء والمشايخ على السنة ولله الحمد والمنة بإقامة الدورات ونحو ذلك، يكون هذا أنفع للمسلمين، وأيضا لعلها تكون سببا في وصول الخطاب إلى الناس كافة؛ لأنه إذا كان الترتيب بين دولة ودولة يكون الأمر أيسر وأسهل؛ فلاشك أن جهود المراكز الإسلامية في القيام بنشاطات معينة كالإتيان بالدعاة والمشايخ فإن ذلك يحمل العديد من المشقة فضلا عن وقوعها في دائرة التضييق أحيانًا وهكذا،  لكن قيام الدول بهذه الجهود يكون له أثر بالغ، ودولة الكويت تفعل هذا على كل حال ولها جهود ضخمة وملموسة, وكذلك المملكة العربية السعودية، لكن هذا ينبغي أن يكون مبنيا على أساس وهذا الأساس لابد أن يكون من خلال مساجد تابعة لهذه الدول، التي ترسل الدعاة؛ لأنه إذا كان عندها مراكز ومساجد فسيكون بين هذه المراكز وبين هذه الدولة تواصل وتنسيق فيستطيعون من خلالها توصيل رسالة الإسلام إلى شرائح وأطياف المجتمعات الغربية وأطيافها كافة.

الإنجازات

     وعن الإنجازات قال الزكري: لا شك أن هناك إنجازات تحققت إلا أن رأيي الشخصي أنها قليلة، وهناك في الحقيقة تقصير شديد، وأسال الله -تعالى- أن يتجاوز عنا، وأن يعفو عنا, ولا شك أن الخلافات الناشبة بين أهل الاسلام الحاصلة اليوم تؤثر تأثيرًا شديدًا على أي إنجاز ممكن أن يتحقق، وهذا يؤثر سلبًا على المسلمين فلا يستطيعون أن يجتمعوا على كلمة سواء حتي ينجزوا إنجازات عملية ويستفيدوا منها. المساجد -ولله الحمد- تزداد في كل بلاد أوروبا، ولكن هذا ليس هو الإنجاز, الإنجاز الحقيقي هو تفعيل هذه المساجد في المجتمع للقيام بدورها الحقيقي المنوط بها.

القائمون على المساجد

     الواقع أن الإنجازات قليلة وسببها أن أغلب القائمين على هذه المساجد ليسوا دعاة ولا طلبة علم، إنما هم عوام وحتى الأئمة الذين لهم دور في المجتمع ولهم أهداف صحيحة، وعندهم غيرة على الدين وعلى السنة والتوحيد، ويريدون دعوة الناس إلى هذا الدين العظيم قليلون، ومعظم الأئمة أتوا إلى هذه البلاد كغيرهم من الناس للدنيا ولجمع المال ونحو ذلك، أسال الله أن يعفو عنا. ومن ثم فإن من تتعاون معه قليل جدًا جدًا، وفي كثير من الأحيان تجد هؤلاء الذين يريدون الدعوة والسنة، قد شُوهت صورهم عند الناس؛ فالناس لا يقبلون منهم؛ لأنهم أصبحوا في نظرهم متشددين، مع أنهم دعاة إلى السنة.

     كلمة أخيرة: وفي ختام حواره مع الفرقان قال الزكري: إن مستقبل المسلمين في هذه البلاد مرتبط بدينهم وباجتماع كلمتهم وتوحيد صفهم، ولاشك أن هذا المستقبل محوط كما ذكرت بالعديد من الآلام والآمال، وينبغي أن يتكاتف الجميع دولا ومؤسسات وعلماء حتى يدفعوا شيئا من هذه الآلام، وأن يحققوا الآمال.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك