رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 28 يناير، 2025 0 تعليق

الدور الوقائي للأسرة في حماية الأبناء من الوقوع في الإلحاد

  • يعدّ التنوع في القرآن الكريم للوقاية من الفكـر الإلحادي مدرسة في التربية الوقائية تحمي عقول الناشئة من الوقوع فـي المـرض الإلحادي
  • على الأسرة المسلمة حماية معتقد الطفل من الانحـراف العقـدي  ومتابعته تربويا  من فكر الإلحاد بأنواعه وتطبيقاته كافة
  • المقصود بالدور الوقائي للأسرة المسلمة هو مجموعة المهام والمسؤوليات المستنبطة من توجيهات القرآن والسنة

يقع دور كبير على الوالدين في تربية الأبناء والدور الأهم الذى يجب على الوالدين القيام به هو الدور الوقائي وهو صيانة فطرة أبنائهم وحمايتها من الانحراف، ومتابعة النفس الإنسانية بالتوجيهات الإسلامية الربانية، عـن طريق أخذ الاحتياطات والتدابير الشرعية التي تمنع من التردي فـي خبائـث العقائـد والأخلاق وسائر الأعمال، ليظل الفرد على الصراط المستقيم، مهتديًا للتي هي أقوم.

       والمقصود بالدور الوقائي للأسرة المسلمة مجموعة المهام والمسؤوليات المستنبطة من توجيهات القرآن والسنة التي أوجبها الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم - على الأسرة المسلمة لحماية معتقد الطفل من الانحـراف العقـدي، ومـدى ممارستها في تربيته لحماية معتقده من فكر الإلحاد بكافة صوره وتطبيقاته.

الأسلوب القرآني في تفنيد الإلحاد والوقاية منـه

         لقد سلك الأسلوب القرآني طرق عدة في تفنيد الإلحاد والوقاية منـه، حيث يعدّ التنوع في القرآن الكريم للوقاية من الفكـر الإلحادي مدرسة في التربية الوقائية، تحمي عقول الناشئة من الوقوع فـي الإلحاد، إذ تعالج أصل الفكرة بسلامة الفطرة، وتفنّد الشبهة الإلحادية بالردّ المقنـع، وتحثّ العقل على التفكر والتأمل، وتستخدم الدلالات العقلية والحسية على توحيد الخالق، وجاءت السنّة منسجمة مع هذا السياق ومفسرة لمجملة، وموضّحة وشارحة لمحكمـه، ويمكن تلخيص هذا المنهج الوقائي في نقاط، على النحو التالي:

(1) المحافظة على سلامة فطرة الطفل من الإلحاد

      الفِطْرةُ هي ما فَطَر الله عليه الخلقَ من المعرفة به والإيمان بوجوده -سبحانه-، وقد جاء في لسان العرب عن معنى الفطرة: «أَن الله فَطَر الخلق على الإِيمان به والفَطْر في اللغة: الابتداء والاختراع، والمعنى أَن الإنسان يولَد بداية على نوع من الجِبِلَّةِ والطَّبعِ المتَهيِّء لقبول الدِّين، فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها؛ وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد، وقيل معناه: كلُّ مولودٍ يولد على معرفة الله -تعالى- والإِقرار به؛ فلا تَجِد أَحدًا إلا وهو يقِرّ بأَن له صانعًا وإن سـمّاه بغيـر اسمه ولو عبد معه غيره قال -تعالى-: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

       قال ابن كثير -رحمه الله-: «{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، قال ابن تيمية: «فالحنيفية -تعالى- فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره من موجبات الفطرة ومقتضياتها، والحب لله، والخضوع له، والإخلاص له هـو أصـل أعمال الحنيفية».

الفطرة الـسوّية

         ورد في البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قـال: «كـل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه»، ثم قرأ أبو هريرة - رضي الله عنه - فـالفطرة الـسويّة: {فِطْرتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَر النَّاس علَيه لا تَبدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} تهتدي إلى وجود الخالق بما أودع الله في الإنسان من قوانين كليّة، تظهر آثارها فـي الطفل الناشئ الذي لم يتعلم أو يتكلم.

أحدث بحث علمي

والمفاجأة أنه في أحدث بحث علمي تبيَّن أن الأطفال يولدون وفي داخلهم معلومات -ولا علاقة للوراثة بها- وهي محددة بثلاث صفات أساسية كما يلي:

- الإيمان بالله الواحد: حيث وجد العلماء أن الطفل يولد ودماغه مجهز بأفكار محددة تقول له: إن الله هو خالق الكون، وأن كل شيء له سبب، وأن الله واحد وليس متعددا.

- الصدق: حيث وجد العلماء بعد دراسة الدماغ أن خلايا الدماغ مهيَّأة للصدق، وأن دماغ الطفل مبرمج لكي يكون صادقاً وليس كاذباً، وكذلك تمييز الخير عن الشر.

- التعلم: حيث يولد الطفل وهو مهيَّأ لتعلم اللغة -على عكس بقية الكائنات التي لا تستطيع النطق أو البيان- فدماغ الإنسان مجهز بمعلومات دقيقة ليتعلم ويتكلم ويبدع!

وهذا بالضبط ما تعبر عنه الآية الكريمة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم: 30)، فسبحان الله!

(2) عمل جلسات أسبوعية قرآنية لتدبر القرآن الكريم

         تقع مسؤولية تربية الأبناء على عاتقنا -ولاسيما المراهقين منهم والشباب - للتأكـد مـن سلامة فطرتهم، والإجابة عن كل تساؤلاتهم التي تدور في نفوسهم وعقولهم، ولا شـك أن ذلك يتطلب معرفة وعلما محصلا عند الأب أو المربي والمعلم، ويعدّ عقد لقاءات إيمانية لتلاوة القرآن وتدبره وذكر الله -تعالى- من أكبر المساعدات على تقوية الفطرة الإلهية، ومن أشد موانع انحرافها وزيغها، فقد تجدي بضع جلسات إيمانية في عـودة الـنفس إلـى خالقها ومولاها، ما لا تفعله عشرات جلسات المجادلة والمناقشة الفكرية.

(3) التدبر في مخلوقـات الله لتأكيـد العقيدة الصحيحة

      لقد دعا القرآن الكريم الإنسان إلى النظر في آفاق الكون من حوله، والتفكُّر في آلاء الله، وقراءة صفْحة الكون المفتوحة أمامه، «ففي القرآن الكريم ما يزيد على ألْـف آية تتحدث عن معالم هذا الكون، وتَذْكر مفرداته من: الـسماوات والأرض، والـشمس والقمر، والكواكب والنجوم، والجبال والبحار والأنهار، والمطر والرعد والبرق.. إلـى آخره.

(4)  تعديل سلوك الوالدين الديني

        الأب، وكذلك الأم، يجب أن يكونا نموذجاً وقدوة لطفلهما، حتى يكون من السهل على الطفل أن يقلد السلوك الجيد في حياته، بدلاً من تنفيذ نصائح وأوامر لسلوكيات لا يراها، فالأب في نظر أبنائه هو ذلك البطل الذي يقلدونه في كل شيء، في حركاته وتصرفاته، في التواضع والأمانة وفي كل سلوكياته، لأن الطفل يميل إلى اعتبار كل تصرفات والده مثالية، دون أن يشعر الأب بذلك.

(5) استخدام الوالدين اللين

        بعض الأسر تستخدم الشدة مع الأبناء لأنه مقصر في الصلاة أو لأنه مقصر في حفظ القرآن فيبدأ الآباء في استخدام الضرب والعقاب، ويقوم البعض الآخر أيضًا بإصدار تعاليم للأبناء دون ضرب فينفذها الابن بالفعل لكنه ينفذها عن غير حبّ، فيأتي في مرحلة المراهقة ويبدأ التخفف أو التحرر منها لأنه يشعر أنه لم يعش حياته، فالقسوة بشكل عام تأتى بنتيجة عكسية تماما وكذلك لابد من التدرج في الأوامر وهذا ما أمرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حين قال: «مُرُوا الصبيَّ بالصلاةِ إذا بلغ سَبْعَ سِنِينَ، وإذا بلغ عَشْرَ سِنِينَ فاضرِبوه عليها»، فانظر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: مروا لمدة ثلاث سنوات يعني من سبع إلى عشر، ثلاث سنوات في كل سنة 360 يوما تقريبا في 3 سنوات = 1080 يوما تقريبا في خمس أوامر عند كل صلاة تقول له: صلّ = 1080 × 5 = 5400 أمر بالصلاة دون ضرب أو نهر أو تعذيب».

        وتبدأ في سن العاشرة من عمر الطفل، فإذا قصر في صلاته أو تهاون وتكاسل في إدائها، فعند ذلك يجوز للوالدين استخدام الضرب تأديباً له على ما فرّط في حق نفسه، وعلى ظلمه لها بإتباع سبل الشيطان»، ويكون الضرب ضرب المعلم المربي المشفق لا ضرب المنتقم، وذلك لكي يضعوا الطفل في موقع الجدية وليعلم أن هذا الأمر جدّ لا هزل فيه، فعلٌ لا قولٌ، ويشترط في الضرب أن يؤلم بعض الشيء لا أن يشوه أو يجرح، و«أن نفهم الطفل سبب الضرب كأن نقول لهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك