رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي صالح طمبل 9 يونيو، 2015 0 تعليق

الدنيــا بخـيــر

حين ترى من يقف بسيارته لغيره، ومن يحمل حوائج امرأة عجوز، ومن يمسح على رأس يتيم، ومن يتصدق بماله لبناء مسجد أو مساعدة أسرة فقيرة أو علاج مريض؛ حينها تشعر بأن الدنيا ما زالت بخير، وأن المجتمع كالجسد الواحد في تواده وتراحمه وتعاطفه، مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى» أخرجه البخاري ومسلم.

      وأذكر أنني كنت ذات يوم أطالع في إحدى مجموعات (الواتساب)، فوقع بصري على منشور يستجدي الأعضاء للمشاركة في قيمة إجراء عملية جراحية عاجلة لطفل، فقلت في نفسي: إن مبلغ العملية كبير، فما عساي أن أقدم؟! لكنني استدركت حين تذكرت قول النبي  صلى الله عليه وسلم المتفق عليه: «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم، ثم قلت: إذا لم أستطع أن أساهم في قيمة العملية، فلا أقل من أسعى في هذا العمل الخيري؛ امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الدال على الخير كفاعله» رواه الترمذي.

ومن ثم حزمت أمري وتوكلت على الله، وأعدت نشر المنشور في عدد من المجموعات، لعل الله -عزّ وجلّ- يسخِّر من عباده من يتصدى لقيمة العملية أو يساهم بجزء منها. ثم انشغلت ببعض أموري حتى تسلل النسيان إلى ذاكرتي.

     وبعد يومين رنّ جرس الجوال، فإذا المتصل صديقي المقيم في أمريكا، وبعد السلام والتحايا عرفت أن سبب اتصاله هو أنه قرأ المنشور، ويريد أن يسهم بجزء من قيمة العملية، وأخبرني بأن القيمة التي سيتبرع بها هي 500 دولار، فضلا عن 200 دولار أسهم بها صديقه بعد أن أطلعه على المنشور، لتصبح جملة المبلغ 700 دولار، أي ما يعادل نصف قيمة العملية!

     وكان أن اتصلت بأرقام التلفونات الموجودة في المنشور، فاستوثقت من الأمر، وسألت عن الشابين اللذين يتصديان لأمر علاج الطفل، فأثنى عليهما من يعرفهما خيراً، وعلمت أن أحدهما طبيب، والثاني مصاب بشلل رباعي بعد تعرضه لحادث سير، لم تمنعه إعاقته من أن ينشط في عمل الخير!

     ومن ثم اتصلت بهما لأتأكد هل أُجريت عملية الطفل أم لا، فأجاباني بأن العملية قد أجريت بحمد الله تعالى، وأن المبلغ الذي وصلهما قد زاد وفاض، ولكن هناك حالة أخرى لطفل طريح الفراش في غرفة الإنعاش، ويحتاج لمن يسدد له قيمة الأدوية باهظة الثمن التي يحتاج إليها عاجلاً، فاستشرتُ صديقي المقيم في أمريكا، فقال: على بركة الله، ثم سلمت المبلغ للطبيب المتابع لحالة الطفل بمستشفى جعفر بن عوف التخصصي للأطفال.

     إن مجتمعنا - ولله الحمد - ما زال - بالرغم مما يعانيه من ضيق الحياة وشظف العيش - يحفل بأعمال الخير وقيم التراحم والتكافل، ويضم أناساً سخرهم الله لفعل الخير، فهناك الجمعيات والمنظمات الخيرية التي تنشط في تقديم الخير للناس، وهناك مجموعات تمارس نشاطها الخيري عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتجار وموظفون وعمال يستقطعون جزءاً من دخلهم الشهري لصالح اليتامى والأرامل والأسر الفقيرة، وهناك أسر تتبنى لقطاء، وتؤويهم وتنفق عليهم؛ ابتغاء وجه الله جل وعلا، واحتساباً للأجر والمثوبة منه سبحانه وتعالى.

     إن المجتمع الذي يريد أن تنزل عليه رحمة الله هو مجتمع تسود فيه قيم الرحمة والتكافل، يرحم كبيره صغيره، ويشفق قويُّه على ضعيفه، ويحنو غنيُّه على فقيره؛ مصداقاً لقول النبي  صلى الله عليه وسلم : «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» رواه الترمذي.

فلا تحقر أخي من المعروف شيئاً، فإن لم تستطع أن تقدمه، فلا أقل من أن تدل على الخير؛ فلعل الله يسخر من يستجيب لك - وقد يكون شخصاً لا تتوقعه – فتفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك