رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: خالد السبت 21 سبتمبر، 2020 0 تعليق

البصيرة في الدين حقيقتها ومراتبها ومنزلتها (الأخيرة)


ما زال الحديث موصولاً عن البصيرة في الدين، وقد بينا أن الحديث عن البصيرة في الدين خلال هذه الأيام ماسة وشديدة، لكثرة ما نشاهده من الفتن، والأمور التي تزلزل الناس؛ فنحن بحاجةٍ إلى مدارسة هذه القضايا حينًا بعد حين، وأن نتذاكر، وأن نتواصى، وأن نتناصح، وألا نمل، ولا نفتر من طرح هذه الموضوعات، وكنا تحدثنا عن الأمور التي تضعف البصيرة وذكرنا منها، الكفر بالله -تعالى-، والنفاق، والمعاصي، واتباع الهوى، والتعصب للباطل وإحسان الظن بأهله، ثم تحدثنا عن آثار البصيرة وثمراتها، واليوم نتحدث عن نتائج فقدان البصيرة، وأقتصر على ثلاثة أمور فقط على سبيل الإشارة.

أولاً: الإعراض عما ينفع الإنسان

     النفس كما صورها بعض أهل العلم كالفارس، والبدن كالفرس، وعمى الفارس أضر من عمى الفرس، تصور إنسانًا مبصرًا، يركب على فرسٍ أعمى، ما الذي يحصل له؟ وتصور هذا الإنسان الأعمى يركب على فرسٍ أعمى، يعني: من جمع بين عمى البصر، وعمى البصيرة -نسأل الله العافية- وتصور إنساناً أعمى يركب على فرسٍ مبصر، والبدن بمنزلة الفرس، والبصيرة بمنزلة الفارس، وهي التي تقوده، فإذا كانت البصيرة منعدمة، والبصر مفتوحاً فإنه لا ينتفع بهذا البصر.

إذا أبصر المرءُ المروءةَ والتُّقى

                                                   فإن عمى العينين ليس يضيرُ

فالعمى الحقيقي هو عمى البصائر، فهنا يُعرض العبد في هذه الحال -نسأل الله العافية- إذا انطمست بصيرته - عما ينفعه، ويُقبل على ما يضره.

وتأمل قول الله -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} (الحشر: 19)، فإذا أنسى الله -تبارك، وتعالى- العبد نفسه فلا تسأل عن حاله من اشتغاله بما يضره، وإقباله على ما يكون فيه عطبه، وهلاكه، وضرره في الدنيا، والآخرة.

والله -تعالى- ضرب المثل في سورة البقرة: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} (البقرة: 266).

      فهكذا الإنسان حينما يكون معرضاً عن ربه - تبارك، وتعالى - حينما يكون له انتكاسة عن الحق، وارتكاسة عما كان عليه من سلوك الصراط المستقيم، حينما يضيِّع أعماله بالرياء، والسمعة، حينما يضيع عمله الصالح بالمن، والأذى، أو بالكفر، أو بالنفاق، فإن ذلك يبطلها، ويذهبها، فمن يُقبل على هذا إلا من كان أعمى البصيرة؟

ثانيًا: تزيين الباطل للإنسان

- الأمر الثاني من هذه الآثار التي تحصل من عمى البصائر: هو أن يُزيَّن للإنسان الباطل -نسأل الله العافية- ويشوه في عينه الحق، انظر إلى أصحاب الملل، والأهواء، والشبهات، والشهوات في الدنيا بكاملها.

     في الأمس القريب كنت أفكر، أقول: لولا أن الصور حرام لعرضت في بعض الدروس على بعض الشباب صوراً يمكن أن تستخرج من الإنترنت، فهي صور بشعة لبعض الشباب في مشارق الأرض، ومغاربها، هذا قد حلق رأسه، ولم يبقَ فيه إلا شعرات، قد وضع لها مادة مقوية، وصبغها بألوان من الذهبي، والفضي، والأزرق، ونحو ذلك، وصارت واقفة، هو عند نفسه أجمل ما يكون من المنظر.

     ومثلهم من عبدة الشيطان، وهؤلاء حينما يشققون، وجوههم، وحينما يضعون الأشياء، والحِلق، وما إلى ذلك في آنافهم، وفي أيديهم، وفي أصابعهم، وفي آذانهم بكثرة، ويضعونها أحياناً في جباههم، ويضعونها في رءوسهم، وتظهر عليهم جميع علامات الشقاء، والردى، هؤلاء عند أنفسهم أنهم في حالٍ من الكمال قد سبقوا فيه غيرهم {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} (فاطر: 8) هذا انطماس البصيرة، وهذا الإنسان الذي يكون على ملة باطلة، أو على هوى، يكون على عقيدة فاسدة، هو يدعو ربه قائماً، وقاعداً أن يثبته الله على ذلك.

وهذا الإنسان الذي يعبد بوذا، أو الهندوسي، أو هذا الإنسان النصراني، أو اليهودي، أو هؤلاء من أصحاب البدع، والأهواء وغيرهم، هؤلاء ما الذي يبقيهم على ما هم عليه إلا الانطماس في البصائر؟ {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} (التوبة: 37) فهم لا يرون الحق.

     هذا الإنسان الليبرالي أو العلماني، أو المتزندق، وهذا المنافق حينما يتكلم على الصلاح، والإصلاح، والمصلحين، ويشوه صورتهم بكتاباته العفنة في عموده المظلم، هؤلاء ما الذي جعلهم بهذه المثابة؟ وتوجه إليهم النصائح، ولا يقبلونها، ولا يرجعون عما هم عليه، إنما ذلك بسبب انغلاق -نسأل الله العافية- منافذ الإبصار التي يبصرون بها الحق، فصاروا يرون الحق باطلاً، صار مشوهاً في نفوسهم.

خفافيشُ أعماها النهارُ بضوئه ووافقها قِطعٌ من الليل مظلمُ هؤلاء كما قيل:

مثلُ النهار يزيدُ أبصارَ الورى

                                        نوراً ويُعمي أعينَ الخُفاشِ

فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فنعوذ بالله من العمى في البصيرة، أو حول يرى الواحد اثنين؛ فإن الأعمى أسلم حالا في إدراكه من الأحول إذا كان مقلدا للبصير، والبصير صحيح الإدراك.

نعوذ بالله من العمى في البصيرة، أو حول يرى الواحد اثنين؛ فإن الأعمى أسلم حالا في إدراكه من الأحول إذا كان مقلدا للبصير، والبصير صحيح الإدراك».

ثالثًا: الغفلة عن عيوب النفس

- الأمر الأخير: هو أن يَعمى هذا الإنسان -نسأل الله العافية- عن عيوب نفسه، يعمى عن عيوب نفسه، من الناس من لا يبصر عيوبه، ومنهم من إذا بُصِّر بها فإنه لا يبصر، يكابر، ويجادل، ويدفع ذلك، ويقول: بالعكس، أنا أفضل من غيري، أنا أحسن من غيري، أنا لست كذلك، أنا لست كما تقولون، ويقارن نفسه دائماً في معالي الأمور، والكمالات بمن هو دونه، فمتى يرتقي بنفسه؟ ومتى يصل؟ ومتى يصلح حاله، وعمله، وقلبه؟

     فنحن بحاجة إلى أن نصلح هذه القلوب (البصائر) في وقت كثرت فيه الشرور، والفتن، وكثر فيه المتساقطون في الطريق، الذين صاروا في حال من اختيار العمى والضلالة على الهدى؛ فنسأل الله - تبارك، وتعالى - أن يثبتنا، وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك