رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 12 سبتمبر، 2019 0 تعليق

الإسلاموفوبيا والاستلاب الثقافي(2)

 

يمكننا التفكير في سبل إيجابية وفعالة لعلاج ناجع لهذه الظاهرة المتنامية في خطوات يمكن تلخيصها فيما يلي:

1- توظيف قوى العولمة والاتصالات توظيفا إيجابيا يسهل عملية التواصل مع الآخر وتوعيته.

 2- إحياء الأجندة القائمة على نشر قيم العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الآخرين والأقليات.

3- قيام المسلمين المقيمين في الغرب بدورهم المطلوب، مثل تبني بعض البرامج العلمية المنظمة لتوعية المواطن المغربي على نطاق واسع بصورة الإسلام والمسلمين الصحيحة.

4- التعاون مع الأقليات المسلمة في الدول الغربية لتأهيل أكبر عدد من القادرين وتدريبهم على تقديم صورة الإسلام الحقيقية للمواطن الغربي يوميا وبنهج مؤسسي منظم.

5- سيساهم العالم الإسلامي في علاج هذه الظاهرة عندما يستطيع أن يضرب المثل والنموذج في تطبيق ما أمر به الإسلام، من نظام سياسي يقوم على الشورى والعدل والمساواة والتكافل، وغير ذلك من التعاليم الإسلامية الراقية التي يحتاجها الغرب، ولكنه -مع الأسف - لا يراها؛ بسبب حال التأخر التي يعانيها العالم الإسلامي.

6- كذلك ستنتهي هذه المشاعر السلبية تجاه المسلمين عندما يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بركب التقدم العلمي والاقتصادي؛ فيتفتح مجالات للعمل أمام أبنائه، ويستطيع الاستفادة من طاقاتهم المهدرة عن طريق هجرتهم إلى خارج العالم الإسلامي؛ لأننا كلما ابتعدنا عن الندّية في التقدم والرقي كان اللحاق بالركب أصعب منالا، والوضع الراهن للدول الإسلامية لا يساعد على كسب الاحترام الواجب في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.

7- عدم الخلط بين الإسلام من ناحية، والأصولية من ناحية أخرى، ولاسيما أن الأصولية المتطرفة هي داء يصيب الديانات والمذاهب والإيديولوجيات، وصفحات التاريخ الإنساني مليئة من بدء الخليقة وحتى اليوم بأحداث عنف من كل لون وجنس.

8- على المسلمين وهم يسعون في سياق البحث عن حل لهذه الظاهرة ألا ينسوا أن رجال الغرب ليسوا سواء؛ فمنهم منصفون يجب رصد جهودهم الفكرية وتوظيفها لتكون منطلقا لفتح باب الحوار الهادف إلى إيجاد متنفس من التعايش السلمي؛ فهذا الكاتب الأمريكي الكبير (مايكل هارت) - أستاذ الرياضيات والفيزياء والفلك في هيئة الفضاء الأمريكية- حينما كتب كتابه: (الخالدون المائة) جعل الرسول الكريم في مقدمة كتابه، ومدحه مدحا مناسبا، كأعظم رجل في التاريخ، ويقول عنه: «لقد اخترت محمدا في أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمدا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي، قد دعا إلى الإسلام ونشره، بوصفه واحدا من أعظم الديانات، وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد ثلاثة عشر قرنا من وفاته فإن أثر محمد ما يزال قويا متجددا، لقد كان الرسول على خلاف عيسى -عليه السلام- رجلا دنیویا؛ فكان زوجا وأبا، وكان يعمل في التجارة، ويرعى الغنم، وكان يحارب ويصاب في الحروب ويمرض، ولما كان الرسول قوة جبارة؛ فيمكن أن يقال أيضا: إنه أعظم سياسي عرفه التاريخ، ويضيف: فهذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أؤمن أن محمدا أعظم الشخصيات أثرا في تاريخ الإنسانية كلها».

ظاهرة الاستلاب الثقافي

     برز مفهوم الاستلاب في الخطاب المعاصر، وفي الثقافة عموما عندما فتحت المجتمعات الإسلامية أبوابها أمام تدفق المعلومات طوعيا أو قصريا، مع عدم قدرة هذه المجتمعات على ملاحقة المعلومة وتصحيحها بما يتناسب مع معطيات الثقافة الإسلامية؛ مما أدى إلى أن تكون هذه المجتمعات عرضة لعملية استلاب فكري وثقافي غير مسيطر عليها، ومن ثم حصول عملية الغزو الثقافي لها، وفي هذا المبحث نلقي ضوءا على هذا الموضوع من زوايا عدة.

مفهوم الاستلاب

- أولا: مفهوم الاستلاب لغة واصطلاحا: الاستلاب لغة: الاختلاس، ومن مرادفاتها: الخطف والنهب والغصب. والاستلاب الثقافي اصطلاحا:- يعني: انسلاخ الشخص أو الشعب عن نفسه وخصوصياته الحضارية والأخلاقية والثقافية ليذوب في خصوصيات شخص أو شعب آخر.

     وموضوع الانسلاب أو الاستلاب الثقافي أحد أساليب الحرب النفسية التي تستخدم أدوات غسيل الدماغ في محاولة مخطط لها وفق هندسة الرأي العام، ودراسة اتجاهات المجتمع المستهدف ومعرفة قيمه وثوابته وهويته الثقافية تجاه صناعة القبول الجماهيري في عرض يظهر براعة ونجاحا في صرف أنظار الناس عن عمق المشكلات، وطمس الحقائق وتزييفها، وتزيينها في أعين الناس لتغيير قناعاتهم.

- ثانيا: سمات الاستلاب الثقافي

1- شعور عام بالإحباط واليأس، مع الانقياد لرؤى الجانب القوي دون نظر أو تمحيص.

2- الرضا بالأمر الواقع دون محاولة إحداث تغيير ايجابي فعال.

3- الانبهار والانهزام النفسي تجاه الطغيان والقهر الذي يمارسه الطرف القوي.

4- الشعور بالتبعية الشديدة لحد الخوف من اتخاذ أي قرار ذي بال دون الاعتماد على الآخر، كالطفل يخشى الكلام دون أن يسترق النظر من والده خشية العقاب.

5- الانطلاق من فرضیات مسبقة تفسر الواقع تفسيرا سلبيا يقضي على المبادرة والإبداع (ليس بالإمكان أبدع مما كان).

6 - غياب الوسطية في السلوك العملي مع الآخر، بغياب القدرة على التوازن في مقاربات الاستفادة من المنجزات الحضارية أيا كان مصدرها، وعلى المحافظة على الكيان الثقافي للأمة؛ إذ هناك فرق جوهري بين أن تستفيد من إنجازات الآخر وبين أن تغيب ليحضر، وتذوب ليبقى.

7 - فقدان الهوية، وإنكار الذات، والقبول بألا حق للمسلم ولا أثر في أي مشاركة في التجاذبات الحضارية التي يعيشها العالم اليوم، نتيجة العولمة بأبعادها وأشكالها، ومما يحزنني في هذا المقام الضجة الكبرى التي افتعلت، عندما اقترح أحد المصريين مؤخرا علما جديدا لمصر يحمل كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ فارتفعت الأصوات بالصراخ والعويل من مواطنين مسلمين، صوت يقول: هؤلاء يريدونها دولة رجعية، وآخر يقول: يريدونها دولة وهابية، وثالث يصيح: يريدونها دولة دينية إرهابية؛ فكأن هؤلاء يعبرون عما يفترض أنه يدور في خلجات سادتهم الغربيين؛ فيتحاشون رد فعلهم حين ترفع في مصر راية من هذا النوع؛ فأرادوا أن يطمئنوا سادتهم، ألا خوف عليكم نحن بالمرصاد لأي تقهقر أو رجعية، أو أي تصرف ضد التقدم الحضاري المفصل على مقياسكم! ولولا الإصابة بالانسلاب الثقافي، لعلم هؤلاء أن سادتهم لم يبنوا حياتهم العامة بمعزل عن عقيدتهم، وأن أعلامهم مليئة بالرموز الدينية المعبرة عن عقائدهم.

بل حتى أنديتهم الرياضية لم تخل من رفع الشعارات المعبرة عن العقيدة.

وسائل الاستلاب الثقافي

- ثالثا: الوسائل التي أعانت على إحداث الاستلاب الثقافي:

متابعة المسلسلات الثقافية

1- ظاهرة التركيز على متابعة المسلسلات الغربية، ولاسيما المكسيكية، ولا يخفى ما تسببه هذه المسلسلات من حالة انسلاب للوعي العقلاني للعائلة المسلمة، أو في دفعها نحو التخلي عن عاداتها الأسرية، كاحترام الكبير -ولاسيما الوالدين- واختيار الألفاظ عند مخاطبتهما، حتى أدت إلى تغيير نمط بناء البيوت، ونمط الديكورات، والإكسسوارات، التي باتت من متطلبات الزوجة التي أثقلت كاهل زوجها في ظل ظروف الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها معظم دول العالم، فضلا عن دول العالم النامي، علما بأن تلك التصميمات والديكورات ليس لها حظ من الحقيقة والواقع؛ حيث تكون في الغالب بيوتا مستأجرة لتصوير تلك الأفلام؛ فيظن المسلوب ثقافيا أن ما يشاهده هو الحياة الطبيعية لتلك المجتمعات.

مشاهدة العنف والقتل

2- مشاهد العنف والقتل التي تتضمنها هذه المسلسلات أدت إلى نزوع الشباب نحو العنف في الحصول على مطالب لا يستطيعون الحصول عليها إلا بالعمل وبذل الجهد، كما أن هذه المسلسلات دفعت الشباب إلى استعمال المخدرات في سبيل نسيان الواقع الصعب المعاش، بدلا من محاولة تغيير هذا الواقع، والتفكير في أساليب سليمة لأجل تحسين حالتهم المعيشية، ومن المؤسف أن إحدى القنوات الأهلية المرئية في بلادنا، دأبت على بث الأفلام الأمريكية المترجمة إلى الفرنسية دون انقطاع على مدار اليوم والأسبوع، باستثناء يوم الجمعة؛ حيث تبث فيه برامج دينية هزيلة ومغرضة أحيانا.

التقليد الأعمى

3- التقليد الأعمى حتى في قصات الشعر، ونوع الملابس ووضع الأقراط في الأذن، وهي مظاهر الممثلين ولاعبي الكرة الغربيين، وهي تداعيات خطيرة وسيئة ومؤثرة سلبا في عملية التنشئة الاجتماعية للمواطن المسلم وبناء أخلاقه.

وكالات الأنبياء الأجنبية

4- حالة الانسلاب الثقافي واضحة لدى شباب المسلمين، تتمثل في الاعتماد في معرفة الأخبار وتناقلها عبر وكالات الأنباء الأجنبية بأدق تفاصيل ما يحدث هناك،

وإهمال المصادر المحلية في معرفة أخبار الوطن؛ مما يجعل المواطن أقرب إلى فهم ثقافات الآخرين، وتحولاتهم الاجتماعية والسياسية وغيرها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك