
الأسرة المسلمة 1253
نساء قدوة للعالمين.. مريم بنت عِمران
مريم بنت عِمران، هي العابدة الزاهدة المُبارَكة، سليلة بيتٍ صالح تقيّ؛ فهي مِن نسْل نبيِّ الله داود -عليه السلام- وبنتٌ لأبوَين مؤمنين، نذرَت أمها أن تجعلها عابدةً في بيت المَقدِس، وهي لا تزال حملاً في بطنها، اعتنى بتربيتها نبيٌّ كريم، هو زكريا - عليه السلام -؛ لذلك نرى هذا الوصف الجليل في قوله - تعالى -: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران: 42- 43).
ووهَب الله لها عيسى ابن مريم مِن غير أبٍ له؛ آيةً منه -جل وعلا-، وجعَل مِن أدلة براءتها آية أخرى؛ أن هذا الطفل يُكلِّم الناس بلسان مُبين بعد ولادته مُباشَرةً، وهكذا شكرَت مريمُ نعمةَ الله عليها بالهداية؛ فاجتهَدت في عبادته -سبحانه وتعالى- وكانت مَضرِب المثل في الطاعة والعبادة والصبر على ما نالها مِن بهتان الكافرين الحاقدين، وصدَق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل: «كَمُل مِن الرجال كثير، ولم يَكمُل مِن النساء غير مريم بنت عمران، وآسيَة امرأة فرعون» متَّفق عليه. فأين مَن تَقتدي بمريم -عليها السلام- وتَعرِف نعمة الهداية، وتشكر ربها عليها فتكون كمريم -عليها السلام- قانتة عابدةً راكعة ساجدة لربها؟تربية الفتاة على أن تكون قدوة لغيرها
لابد من تربية الفتاة المسلمة على أن تكون قدوة لغيرها وذلك من خلال تنمية اعتزازها بدينها، وثقتها التامة في منهجه القويم، ومن ثمّ ثقتها واعتزازها بنفسها المسلمة التي بين جنبيها؛ فتكون لمن حولها قدوة صالحة ومنارة هدى، وحقيقٌ بنا أن نربي بناتنا على هذا الدوْر المهم لهنّ؛ فإيجاد قدوة صالحة للفتيات أمر يستحق التخطيط له والحرص عليه، ليصبح للفتيات قدوات في مثل أعمارهن في مجال الدعوة، والالتزام بالزي الشرعي، والانضباط الخُلُقٍي، وفي التفوق العلمي والأدبي؛ فتسعى الأخريات للاحتذاء بهن والسير على نهجهن.المرأة القدوة صلاح للمجتمع
وجود المرأة القدوة بنتا وزوجة وأما، يعني تماسك المجتمع المسلم وصلاحه وقوته، فليس الأمر مجرد توجيهات أو كلمات عابرة، بل هو صياغة مجتمع إسلامي صالح نظيف وتأسيسه وأخذ بأسباب قيامه، ليؤدي مهمته في هذه الحياة وفق أمر الله وعلى هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.مفهوم الأسرة المسلمة القدوة
الأسرة في الإسلام لها هوية ربانية، وشخصية إيمانية تتصل بقيمه، وتسترشد بأحكامه، وقد جعل الله -تبارك وتعالى- منطلق تأسيس هذه النواة المجتمعية: (رابطة الزوجية) التي جعلها إرادة ناجزة، وسنة ثابتة، وطريقا واضحا لتكثير النوع الإنساني، قال -تعالى-: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (النجم:45)، وقال -سبحانه-: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (القيامة:39) وقال أيضًا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف:189)، فلا حياة للأسرة إلا في كنف محضنها الشرعي، ومرتكزها القيمي الذي يراد أن تُفصل عنه، ويُفك ارتباطها به، وتُنتزع منها هذه الهوية حتى يسهل الانقضاض عليها، ومسخ هذه الروح السارية (روح الإسلام وقيمه).من أعظم أسباب القوة والالتزام
إن وجود المرأة القدوة من أعظم أسباب القوة والالتزام والعطاء في المجتمع المسلم؛ وذلك لأن وجود المرأة القدوة يعني وجود البنت الصالحة والزوجة الصالحة والأم المربية، ومن ثم وجود الأسرة الناجحة والذرية الصالحة والمجتمع المسلم المنشود، فنحن عندما نولي المرأة اهتمامًا كبيرًا فإننا نهيئ أسبابًا عظيمة لأهم الأمور وأخطرها في بناء المجتمعات عمومًا، وفي بناء المجتمع المسلم خصوصًا؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل لهذا مزيةً؛ بحيث جعل خصوصية لمن عال جاريتين أو رباهما بأنهما يكونان من أسباب دخوله الجنة، وكما قال -عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه-: «من ابتلي بشيء من هؤلاء البنات فأحسن تربيتهن والقيام بأمرهن، كن له نجاة من النار»، ليس هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - لمجرد معاني الشفقة والرحمة فقط، وإنما لمعاني البناء والتربية والتأسيس الذي ينتج عنه بعد ذلك.القدوة السيئة وأثرها على الفتاة المسلمة
الفتاة المسلمة تتأثر ولا شك بالقدوة السيئة ويزيد من هذا التأثر أمران: - ضعف البناء الإيماني والفكري للفتاة، وعدم وعي بعض الأسر المسلمة بأهمية تكوين قاعدة ثقافية إسلامية لدى الفتاة المسلمة تمكنها من الثقة في عقيدتها ومنهجها، والوقوف في وجه التيارات المنحرفة، وعدم الاكتراث بها. - غياب المرأة المسلمة القدوة مع التشويه المتعمد لصورة المرأة المسلمة المتدينة، كما يوازي ذلك كم هائل من الغثائية الأنثوية التي لا تمثل قيم ديننا الحنيف ومبادئه بطريقة صحيحة. ولذلك كله فنحن بحاجة للقدوة المسلمة في محيط فتياتنا في المنزل، والمدرسة، وحلقات تحفيظ القرآن، وأن تكون هذه القدوة قادرة على التأثير في سلوك فتياتنا وتوجهاتهن، وأن يكون شعارها قول الله -تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159).واقع الأسرة المسلمة اليوم
المتأمل في واقع الأسرة المسلمة اليوم، يجد أن كثيرا من تلك الأسر بدأت تفقد بعض تأثيرها ودورها الريادي في التنشئة السليمة وبناء الشخصية الإسلامية المنتجة الفاعلة؛ وذلك بسبب الضعف الملحوظ في البناء الإيماني والتربوي لبعض الأسر، وبسبب ضعف الثقافة الأسرية؛ لهذا وغيره من الأسباب ظهرت في المجتمع مشكلات كثيرة ومتشعبة، وزاد من حدتها وتنوعها الانفتاح الثقافي، وطغيان العولمة الإعلامية والاجتماعية، بحيث أصبحت الأسرة المسلمة تتعرض لتغيرات سريعة من خلال غزو ثقافي ومفاهيمي في كثير من مكوناتها، كما تتعرض لتحديات خطيرة تهدد هويتها وتماسك كيانها واستقرارها.ترسيخ دور الأسرة الاجتماعي والتربوي
إن إعادة التوازن التربوي، وترسيخ دور الأسرة الاجتماعي والتربوي من أولى الأولويات التي تسهم في تماسك المجتمع ورقيه، وهذه المهمة التربوية ينبغي أن تأتلف عليها مؤسسات المجتمع كافة، وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية والتربوية والاجتماعية والإعلامية، كما أن المسجد والفضاءات الدعوية والتربوية المتعددة هي المحضن العظيم الذي يبني الإطار العلمي، ويرسم السبيل القويم لتربية المجتمع وتوجهه نحو العمل الجاد والبناء الصالح.دور الأسرة في بناء شخصية الأبناء
إن على الأسرة -وهي المحضن الأول في بناء المجتمع- أن تعي دورها في بناء شخصية أبنائها وبناتها، والحرص على تربيتهم التربية الصالحة، وبِناء القِيَم والأخلاق الحميدة، كالحرص على تعليمهم أمور دينهم ودُنْياهم من صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ وبِرٍّ وصلة، وعليهم مراقبة أولادهم وتوجيههم في التعامل مع التقنيات الحديثة مع الإنترنت، ومع تطبيقات التواصل الاجتماعي، وعليهم أن يكونوا قدوةً حسنةً في التحلِّي بالقِيَم والأخلاق الحميدة، وتحذيرهم من المشاهير الفاسدين الذين يهدمون الأخلاق والقِيَم.
لاتوجد تعليقات