رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 14 فبراير، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَدِيثُ السَّابِعُ- الْبُرَاقُ دَابَّةُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مِنْ مّكَّـةَ إِلَى بَيْــِت الْمَقْـدِسِ

لا تعدو نظرتنا لهذا الحائط سوى أنه سور للمسجد الأقصى من الجهة الغربية، ولا نعتقد أن له أي قدسية تميزه عن غيره من أسوار المسجد

كتاب الأحاديث (الأربعون الفلسطينية) وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم  التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا؛ فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم؛ فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في تلك السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث السابع:

     عَنْ أَنِسٍ بِنِ مَالِك -رضي الله عنه-  أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ (وفي رواية:  ليلة أُسري به مُلجَماً مُسرَجا)،  وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ فَرَكِبْتُهُ، (وفي رواية: فلم نزايل- أي نفارق - ظهره أنا وجبريل)، حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ (وفي رواية: لما انتهينا)، قَالَ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهاِ الْأَنْبِيَاءُ(وفي رواية: فخرق جبريل الصخرة بإصبعِه وشدَّ بها البراق) ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ  بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ.

شرح الحديث:

     إنها رحلة فضائيَّة خاصة  على أسرع دابة عرفها البشر برعاية ربانيَّة لم يبلغها ولن يبلغها مخلوق، بتشريفات واستقبال لم يحظ به أحد على وجه الأرض من أشرف وأعظم المخلوقات من الملائكة والأنبياء عرفتهم الأرض والسماء وفي أعظم ضيافة وأرقاها وأجلها كانت للنبي صلى الله عليه وسلم  في الأرض والسماء.

و للحديث تكملة طويلة يصف فيها صلى الله عليه وسلم  رحلته مرورًا بكل سماء إلى أن يصل إلى سدرة المنتهى، وفرض الصلاة المكتوبة على أمته. قال السيوطي فيه: «هو أجود أحاديث الإسراء والمعراج وأتقنها».

قوله: أنّ رسول اللهصلى الله عليه وسلم   قال: أُتيتُ بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل: يخبر هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم  في ذلك.

 قال «أُتيتُ»: النبي يخبر عن نفسه واصفا أهم المشاهد التي وقعت له في هذه الرحلة.

بالبراق: وكان أول مشاهد الرحلة ما حمل عليه وهي  أجلُّ وسيلة نقل عرفتها البشرية، مرافقًا له عليها أجل وأعظم مرافق وصاحب له في سفره، بتدبير رباني متكامل للرحلة ولوازمها.

     وقال صاحب الفتح موضحا أهمية طريقة التعاطي مع النبي في مركبه وطريقة ركوبه إلى السماء  فيقول: «فقد جرت العادة بأن الملك إذا استدعى من يختص به يبعث إليه ما يركبه، وقال: ركوب البراق كان زيادة له في تشريفه؛ لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماشٍ، والراكب أعز من الماشي.

صفة البراق

     البراق هو: مركب الأنبياء، هو بضم الباء الموحدة، والبراق اسم الدابة دون البغل وفوق الحمار التي ركبها رسول الله[ ليلة الإسراء. سمي بذلك إما اشتقاقا من الْبَرْق لسرعة سيره وَأَنه يضع حَافره حَيْثُ يَجْعَل طرفه أَو لكَونه أبرق وهُوَ الأَبْيَض. وهو الأبيض شديد الصفاء المتلألئ بريقه، والبراق هو دابة هُيِّئت لركوب النبي  صلى الله عليه وسلم  في رحلة الإسراء والمعراج، وتأتمر بأمر جبريل عليه السلام.

     أما عن لونه وطوله وسرعته: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِا الْأَنْبِيَاءُ».

أما عن قوة البراق وأثره على ما مر به  قال صلى الله عليه وسلم : «مَرَرْت بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ وَهِيَ فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَنَفَرَتْ الْإِبِل مِنَّا وَاسْتَدَارَتْ وَفِيهَا بَعِير عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ غِرَارَة سَوْدَاء وَغِرَارَة بَيْضَاء فَصُرِعَ فَانْكَسَرَ».

هل البراق دابة خُصَّ بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  عن غيره من الأنبياء؟

جاء في بعض الآثار أن البراق دابة جبريل -عليه السلام-  كما هو في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أدناه.

     وجاء كذلك أن البراق مركب عامة الأنبياء قبل النبي، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-  أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم   قال:  «وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء تَرْكَبهُ قَبْلِي...» ذكره ابن كثير عند تفسيره الآية: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الإسراء: 1)، وجاءت آثار فيها نظر أن البراق دابة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. 

ومنها أن إبراهيم كان يتنقل فيه بين فلسطين ومكة، فعن أبي هريرة  قال: قال صلى الله عليه وسلم : «كَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهُ يَزُورُ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى الْبُرَاقِ، وَهِيَ دَابَّةُ جِبْرِيلَ».

ولعل قول جبريل للبراق في حديث أنس رضي الله عنه: «ما ركبك أحد أكرم على الله منه» فيه إشارة ضمنية أن غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم  ركِبه والله أعلم.

     كما أن البراقَ هي دابة رسول اللهصلى الله عليه وسلم   يوم المحشر، كما جاء عن أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «تُبْعَثُ الأَنْبِيَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الدَّوَابِّ لِيُوافُوا بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْمِهِمُ بِالْمَحْشَرِ، وَيُبْعَثُ صَالِحٌ عَلَى نَاقَتِهِ، وَأُبْعَثَ عَلَى الْبُرَاقِ».

قوله: حتى أتيت بيت المقدس: وهو المسجد الأقصى وقد  سبق ذكره والتعريف به.

قوله: قال: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِها الْأَنْبِيَاء»ُ: شدَّه: أوثقه.

     (الحلقة): إسكان اللام أو فتحها، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : «الحلقة التي يربط بها» قال صاحب التحرير: المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس. والله أعلم. وفي رواية أن جبريل -عليه السلام- خرق الحجر ليربط بها البراق، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :«لمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ؛ قَالَ جِبْرِيلُ بِإِصْبَعِهِ فَخَرَقَ بِهِ الحجَرَ وَشَدَّ بِهِ البُرَاقَ». قال جبريل بإصبعه: أي: أشار بها. «العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول: قال بيده، أي: أخذ، وقال برجله، أي: مشى.

     وقد أنكر حذيفة بن اليمان  أن النبيصلى الله عليه وسلم   ربط براقه بالحلقة، في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد، في مسنده:(5/392)، قال حذيفة معترضًا على زر بن حبيش: أَوَ كان يخاف أن تذهب منه، وقد أتاه الله بها؟. قال ابن حجر ردًا على هذه المسألة وموضحا لها نقلا عن البيهقي: «المثبت مقدم على النافي، يعني من أثبت ربط البراق، والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول». ومثله قال  ابن كثير: وهذا الذي قاله حذيفة نفي، وما أثبته غيره من الصلاة وربط الدابة مقدم عليه.

«الأنبياء» وهذا فيه إشارة في ربط الأنبياء البراق ذاته عند هذه الحلقة أو دوابهم التي كانوا يرتحلون عليها إلى بيت المقدس، كما أن فيه إشارة واضحة وصريحة أن أنبياء الله كانوا يأتون المسجد الأقصى.

     جاء الحديث بأنواع من التوثيقات والروابط فربط بين قبلتين: (الكعبة والمسجد الأقصى)، وأرضين: (مكة وبيت المقدس)،  وربط بين الأنبياء كلهم لما جمعهم الله في المسجد الأقصى وأمَّهم  النبي صلى الله عليه وسلم  فيه، وربطهم بالأرض المقدسة،  وربطها  بالسماء،  وربط بين زمانين، في اختصار وقت التنقل بين مكانين في الأرض، وبين الأرض والسماء، وربط البراق في حلقة باب المسجد الأقصى مع أن البراق ليس بحاجة إلى ربطه؛ لأنه مؤتمر بأمره صلى الله عليه وسلم  وبأمر جبريل عليه السلام؛ ليشتمل الأمر على مزيج من الروابط والفضائل  يصعب فِكاكُها أو التغافل عنها.

دابة النبي وعلاقته بحائط البراق في بيت المقدس:

     إن التسمية التي ننسبها لحائط البراق وهو ذلك الجزء الواقع في الجهة الغربية من سور المسجد الأقصى بطول (47) م وارتفاع (18) م وعرض (3،30) تقريبا، وهي تسمية متواترة جاءت بروايات عدة صحيحة صريحة، وأثبتها شواهد التاريخ، وسمي الحائط بالبراق، نسبة إلى البراق الذي ركبه النبي صلى الله عليه وسلم  إلى بيت المقدس في حادثة الإسراء والمعراج، التي جاء خبرها من الله -سبحانه   وتعالى-في مطلع سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء:1)، و  كما  أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  عن هذه الرحلة وعن مركوبه فيها إلى بيت المقدس كان على دابة البراق،  قال صلى الله عليه وسلم : «أُتِيتُ بالْبرَاقِ وَهُوَ دَابةٌ أَبيَضُ طَوِيلٌ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَلَمْ نُزَايِلْ ظَهْرَهُ أَنَا وَجِبرِيلُ حَتَّى أَتَيْتُ بيْتَ الْمَقْدِسِ، فَفُتِحَتْ لَنَا أَبوَاب السَّمَاءِ وَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ». أما من حيث قصة ربط البراق عند أحد أبواب المسجد الأقصى فهي ثابتة صحيحة صريحة، وقد جاء ذلك فيما أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِإِصْبَعِهِ فَخَرَقَ بِهَا الْحَجَرَ وَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ».

وروى مثله  أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم  ذكر: «أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاق فَأَوْثَقَ الدَّابَّة بِالْحَلْقَةِ..».

 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  «قال: أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِا الأَنْبِيَاءُ»».

ومع تأكيدنا على صحة ما سبق، أقول: ولا يمنع أن يكون حائط البراق هو عين المكان الذي ربط نبينا براقه   عنده، للتسمية ذاتها لهذا الجزء من السور بالذات، وهذا ما تعارف الناس جيلًا بعد جيل وتواتروا عليه ولا مخالف لهم في ذلك.

كما تعاقبت الأمة وتواترت على تسمية الباب المؤدي للمسجد الأقصى من جهة حائط البراق، بـ (باب البراق) وهو أقرب الأبواب لهذا الحائط وقد أغلقه اليهود، وقيل: إنهم انتزعوا حلقة كانت عنده، عام 1967م.

على أي حال لا تعدو نظرتنا لهذا الحائط سوى أنه سور للمسجد الأقصى من الجهة الغربية، ولا نعتقد أن له أي قدسية تميزه عن غيره من أسوار المسجد الأقصى.

      كما لا ينبغي لنا أن نعتقد فيه أو نخصه بتشريف أو قدسية خاصة، كقولنا حائط البراق الشريف، فإن كان الحائط هو المقصود بالشرف دون غيره من حوائط المسجد، فهو تخصيص لا محل له ولا دليل عليه شرعًا من كتاب أو سنة، وقد يفضي إلى تقديس ما لم يأمر  الشرع الحكيم بتعظيمه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك