رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد عمارة 16 أغسطس، 2016 0 تعليق

إلى أين يتجه التدخل العسكري الأمريكي والغربي في (سرت) الليبية؟

الحملة الغربية ضد تنظيم الدولة خوفاً من أن تصبح سرت عاصمة جديدة للخلافة في شمال إفريقيا عوضاً عن العراق والشام

انفضح الدعم الفرنسي السري لحفتر عندما أعلنت فرنسا ولأول مرة في 20 يوليو الماضي عن وجود قوات خاصة فرنسية بعد مقتل ثلاثة جنود فرنسيين بالقرب من بنغازي شرقي ليبيا

 

مع مطلع شهر أغسطس الجاري، بدأت أمريكا بشن غارات عسكرية ضد مايسمى (تنظيم الدولة الإسلامية)، المعروف بـ(داعش)، في سرت الليبية، بناءً على طلب حكومة الوفاق الوطني الليبي، في تطور يسلط الضوء على طبيعة الدورين الأمريكي والغربي في ليبيا، ومآلات جهود محاربة التنظيم في سرت.

موافقة محلية وترحيب غربي

     وفي التاريخ نفسه أعلن رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، استجابة الولايات المتحدة الأمريكية لطلبه، ببدء شن غارات أمريكية على مواقع لـ(تنظيم الدولة) في سرت، لـدفع الضرر وحماية المدنيين بحسب ما قال، مضيفًا في كلمة له على قناة ليبيا الرسمية أن العمليات الأمريكية «لن تتجاوز سرت وضواحيها، وستتم في إطار زمني محدد»، لافتًا إلى أن أولى الضربات أوقعت خسائر في صفوف (تنظيم الدولة).

     وفي اليوم التالي أكد الرئيس الأمريكي، (باراك أوباما) بدء غارات طائرات بلاده هناك «بناءً على طلب حكومة الوفاق الوطني التي تحارب بنجاح المتطرفين على أراضيها» -على حد تعبيره- لافتًا في مؤتمر صحافي عقده في البيت الأبيض أن محاربة تنظيم الدولة في ليبيا «يتماشى مع مصلحة ليبيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي». كما قالت وزارة الدفاع الأمريكية: إن مزيدًا من الضربات الأمريكية ضد (تنظيم الدولة) سيُمكن حكومة السراج من تحقيق تقدم حاسم، واستراتيجي.

دعم عسكري غربي

     ويبدو أن تلك الخطوة، شجعت عددًا من الدول الغربية على تقديم الدعم العسكري لحكومة الوفاق، في مواجهة (تنظيم الدولة)؛ إذ رحبت كلٌّ من فرنسا، وإيطاليا بتلك الخطوة، وأعربت الخارجية الفرنسية عن استعداد باريس لتعزيز تعاونها مع حكومة الوفاق في مواجهة الإرهاب، كما أعربت الخارجية الإيطالية عن استعداد روما  لدراسة استخدام قاعدة (سيجونيلا) الجوية في صقلية، لتوجيه ضربات ضد (تنظيم الدولة) في ليبيا.

      وبذلك، تتسق العمليات العسكرية الأمريكية الأخيرة في ليبيا، مع مخرجات اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر من العام الماضي، الذي وقعه الفرقاء الليبيون، ونال تأييدًا أمميًّا وغربيًّا، وانبثقت منه حكومة السراج، وينص على عدم السماح «بأي تدخل أجنبي دون موافقة ليبيا». وتتلقى حكومة السراج الدعم الأممي والغربي ومعظم الفصائل المحلية، فيما عدا القوات المؤيدة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، والمتمركزة شرقي البلاد.

طبيعة العسكري الأمريكي في ليبيا

     منذ ديسمبر من العام الماضي، استعدت أمريكا لمحاربة (تنظيم الدولة) في مدينة (سرت)، المعقل الرئيسي لـلتنظيم بليبيا، وتعد من أهم معاقل التنظيم في شمال أفريقيا، وأرسلت أمريكا، وفقًا لتقارير صحافية أمريكية، حوالي 25 جنديًا من قواتها الخاصة؛ لمساعدة القوات المحلية في الحرب ضد (تنظيم الدولة) هناك، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتمركز الجنود في مدينتي: بنغازي (شرق سرت)، ومصراتة (غرب سرت). وفي هذا الصدد يقول مسؤول عسكري أمريكي: إن عدد الجنود الأمريكيين على الأرض الليبية «قليلٌ ولكنه كافٍ».

      واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية من جزيرة (بانتليريا) الإيطالية، الواقعة في البحر المتوسط، مركزًا لطلعات المراقبة الجوية في ليبيا، فضلا عن عدد من قواعد المراقبة الجوية الأمريكية في عددٍ من المدن الليبية المحيطة بـ(سرت): كصبراتة، وطرابلس، ومرسى البرجا غربًا، وبنغازي، وأبو جرين شرقًا. وكانت هذه الاستعدادات تمهيدًا لضربات عسكرية أمريكية ضد التنظيم في ليبيا، بعدما كانت الغارات الأمريكية ضده قاصرة في وقتٍ سابقٍ على سوريا والعراق.

 أمريكا ليست وحدها!

     ومع اشتداد الضربات العسكرية الموجهة ضد (تنظيم الدولة) في سوريا والعراق، وتصاعد نفوذ التنظيم في مدينة (سرت)، ازدادت المخاوف الغربية منه؛ خوفًا من أن يتخذ التنظيم من سرت عاصمة جديدة لخلافته في شمال أفريقيا، بعد تشديد الضربات العسكرية عليه في العراق والشام.

     وتُرجمت هذه المخاوف، إلى وجود عسكري واستخباراتي غربي في الداخل الليبي، من دولٍ مثل: أمريكا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا. وتتوفر معلومات معلنة قليلة من هذه الدول حول تعداد جنود بلادهم المتواجدين في ليبيا، في الوقت الذي تُفيد فيه تقارير صحافية بريطانية، بوجود حوالي 1000 مجند بريطاني هناك، ثلثهم للتدريب، والثلثان الآخران لـ«الحماية»، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية.

     وجاءت هذه القوات العسكرية الغربية، بأهداف معلنة تتمثل في محاربة (تنظيم الدولة) في سرت، ودعم القوات المحلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، في العملية العسكرية التي تحمل اسم (البنيان المرصوص)، والبادئة منذ 13 مايو (أيار) الماضي، وتستهدف استعادة مدينة سرت من قبضة التنظيم.

     وتعلن الحكومات الغربية دعمها لحكومة الوفاق الليبية، ولكنها تُتهم بالدعم السري للقوات الموالية لحفتر شرقي البلاد، التي ترفض الاعتراف بحكومة السراج، ولا تشارك في العمليات الموجهة ضد (تنظيم الدولة) في سرت.

تسجيلات مسربة

     وفي هذا السياق، نشر موقع (ميدل إيست آي) البريطاني، في التاسع من يوليو الماضي، تسجيلات صوتية مُسربة، لمحادثات الخطوط الجوية في بنغازي شرقي ليبيا، كشفت عن دعم عسكري فرنسي وغربي للقوات الموالية لحفتر شرقي البلاد، بوجود غرفة عسكرية غربية بقيادة فرنسية هناك.

     وانفضح الدعم الفرنسي السري لحفتر عندما أعلنت فرنسا ولأول مرة في 20 يوليو الماضي عن وجود قوات خاصة فرنسية، بعد مقتل ثلاثة جنود فرنسيين، بالقرب من بنغازي شرقي ليبيا؛ حيث السيطرة للقوات الموالية لحفتر، في واقعة أثارت غضبًا شعبيًّا، وأزعجت حكومة السراج، التي استدعت (أنطوان سيفان)، السفير الفرنسي في طرابلس، لتبلغه احتجاج بلاده على الوجود العسكري الفرنسي شرقي ليبيا، باعتباره «تجاوزًا للأعراف الدولية وتدخلًا مرفوضًا تمامًا»، كما أن الوجود الأمريكي شرقي البلاد في بنغازي يُثير الشكوك، حول تعاون سري بين أمريكا و حفتر، بالرغم من الدعم الأمريكي المعلن لحكومة الوفاق الوطني الليبية.

حصيلة نتائج عملية (البنيان المرصوص)

     في 13 مايو الماضي، بدأت عملية (البنيان المرصوص)، بهدف استعادة مدينة (سرت) من (تنظيم الدولة)، الذي أعلن سيطرته على المدينة سيطرة كاملة في فبراير الماضي، وتباينت التقديرات حول عدد مسلحي التنظيم في المدينة، من 1500 مسلح إلى 5000 مسلح.

     وبعد شهر من بدء العملية، قال رضا عيسى، عضو المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص: إن التنظيم أصبح «محاصرًا في منطقة لا تتعدى مساحتها خمسة كيلومترات مربعة» داخل مدينة سرت، وبعد شهرين من بدء العملية، عاد أحمد هدية، مدير المركز الإعلامي للعملية، للإدلاء بتصريح عيسى نفسه، مُشيرًا إلى أن «العدد الكلي لعناصر التنظيم في حدود 300 عنصر تقريبًا، ما زالوا يملكون سلاح الهاون ودبابة، فضلا عن الأسلحة المتوسطة، ولا يملكون أسلحة ثقيلة».

     وأرجع هدية سبب تأخير حسم المعركة، إلى تحولها من معركة مساحات مفتوحة إلى معركة حرب الشوارع، وعادة ما تأخذ وقتاً على حد تعبيره، لافتًا إلى أن انتشار القناصة أعلى المباني يؤخر التقدم. وبالرغم من الانتصارات الميدانية التي حققتها القوات الحكومية في عملية (البنيان المرصوص)، إلى أنها تكبدت خسائر بشرية كبيرة، بمقتل أكثر من 270، وإصابة أكثر من 1400، بحسب مصادر طبية في مدينة مصراتة.

     ويبدو أن أرض سرت لن تكون ممهدة بالورود، حتى وإن نجحت عملية (البنيان المرصوص) في استعادة المدينة من التنظيم؛ حيث إن القبيلتين الأساسيتين في مدينة سرت، هما: قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها معمر القذافي، وقبيلة الفرجان الذي ينحدر منها حفتر نفسه! وهو ما يشي بأن القوات الموالية لحكومة الوفاق، وإن نجحت في طرد التنظيم من سرت، فإنها قد تُلاقي معارضة شعبية وقبلية هناك، قد تصل إلى الحرب الأهلية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك