رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد الكوس 4 نوفمبر، 2019 0 تعليق

أسباب البركة وسبل تحصيلها


إن البَرَكَةَ نعمةٌ من نِعَم الوهاب، ونَفْحَةٌ من الواسع العليم، والكيِّس الفطِنُ هو الذي يلتمسها من المولى الكريم، ويدخل بالتماسه على ربه من الأبواب التي رضِيها وشرَعها، التي سنذكر بعضها بوصفها أسبابا لتحصيلها، وإن المسلم - ولاسيما في هذه الأزمان- لفي مسيس الحاجة إلى نيل البركات؛ ليصلَ إلى ما يريد من خيرَي الدنيا والآخرة من أقصر الطُّرق وأخصرِها.

توحيد الله -جل وعلا

     من أعظم أسباب البركة توحيد الله -جل وعلا- والإيمان به إيمانا صادقا راسخا والعمل الصالح، يقول الله -جل وعلا-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض}، والعكس الإشراك بالله -سبحانه وتعالى- من أعظم أسباب محق البركات، انظر إلى بعض البلدان التي حولنا، انظر إلى حالها، يشتكون الفقر والبطالة والمصائب والرزايا والبلايا بسبب الإشراك بالله -جل وعلا-، جعلوا لله أندادا من خلقه يشدون إليهم الرحال، ويتبركون بهم ويدعونهم من دون الله، ويتركون الله -جل وعلا-، والله -جل وعلا- يقول: {ادعوني} وهم يدعون البشر، ويأمرنا الله أن نستغيث به: {إذ تستغيثون ربكم} وهم يستغيثون بالبشر والعياذ بالله.

إقامة حدود الله

     كذلك أيضا من أسباب البركات إقامة حدود الله -جل وعلا-؛ فالله -سبحانه وتعالى- شرع حدودا وأمرنا أن نقيمها؛ فقد وضع حدًا للزنا، وأمر بجلد الزاني غير المحصن البكر مئة جلدة وتغريب عام، والرجم بالحجارة حتى الموت للزاني المتزوج، وأمر بجلد شارب الخمر، وأمر بقطع يد السارق، وأمر كذلك بقتل المرتد عن دين الله -جل وعلا- بعد استتابته ثلاثا، هذه حدود عظيمة شرعها الله -جل وعلا- ولا يجوز لأحد أن يوقفها أو يعطلها أو يتلاعب بها أو يسخر منها، كما يفعل الملاحدة في هذا الزمان، يقولون هذه قسوة وهذه همجية وهذه وحشية -عياذا بالله- أأنتم أعلم أم الله؟، أأنتم أرحم أم الله -سبحانه وتعالى-؟ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إقامة حد في أرض الله أو في بلاد الله خير من أن يمطروا أربعين صباحا».

ذكر الله -عز وجل

     كذلك أيضا من البركة أن العبد إذا دخل بيته أو أي بيت يسلم يقول الله -عز وجل-: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ}، سلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة فيها بركة، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك: «إذا دخلت على أهلك يا بني فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» رواه الترمذي، وذكر اسم الله -جل وعلا- فيه بركة، يقول الله -عز وجل-: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في افتتاح الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وعند الطعام إذا ذكرت اسم الله حلت البركة فيه، وإذا لم تذكر اسم الله ذهبت البركة وشاركك الشيطان في الأكل، وعند شرب الماء، وعند دخول البيت، وعند الذبح.

الخيل فيها بركة

     الخيل فيها بركة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «البركة في نواصي الخيل»، يقول الجاحظ: ما رأيت أمة من الأمم لها عناية بالخيل كأمة العرب، العرب لهم عناية بالخيل؛ ولذلك تميز الخيل العربي عن غيره، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخيل العربي: «ما من فرس عربي إلا يؤذن له عند كل سحر آخر الليل بدعوتين: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم وجعلتني له؛ فاجعلني أحب أهله وماله إليه» صححه الألباني.

الإبل عز لأهلها والغنم بركة

الغنم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «الإبل عز لأهلها والغنم بركة»، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلوا في مرابض الغنم فإنها بركة».

 أماكن مباركة

     كما جعل الله -جل وعلا- أماكن مباركة فمن ذلك الحرمان الشريفان، فمكة جعلها الله مباركة، قال الله -تعالى-: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم}، وجعل زمزم في هذا المكان مباركا؛ فقد صح فيه الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنها مباركة، وإنها طعام طعم» خرجه مسلم في صحيحه، زاد أبو داود:  «وشفاء سقم فهي مباركة، وماؤها مبارك»، كما قاله الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «طعام طعم، وشفاء سقم»، وقال:  «إنها مباركة فهي من أسباب الشفاء مما يتألم منه العبد من الأمراض».

المدينة النبوية

     كما أن المدينة النبوية فيها بركة، بل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم اجعل في المدينة ضعفي ما في مكة من البركة؛ ولذلك سبحان الله إذا ذهبت إلى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تشعر بشعور عجيب لا تشعره بأي مكان في العالم، تشعر بالسكينة والطمأنينة والراحة، وهناك مكان روضة من رياض الجنة قال عنه - صلى الله عليه وسلم -: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»، وتمر المدينة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - روى مسلم (2048) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً - أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ - أَوَّلَ الْبُكْرَةِ». ورواه أحمد (25187) ولفظه: «فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءٌ - أَوْ تِرْيَاقٌ - أَوَّلَ الْبُكْرَةِ عَلَى الرِّيقِ».

وفي لفظ له أيضا (24735): «فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ، أَوَّلَ الْبُكْرَةِ عَلَى رِيقِ النَّفْسِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سِحْرٍ، أَوْ سُمٍّ» وصححه الألباني في (صحيح الجامع) (4262).

تمر المدينة

     روى رجل أنه ذهب إلى إفريقيا وحمل معي من تمر المدينة يقول: سبحان الله! هذه إفريقيا تتميز بالثعابين والسحرة؛ فسبحان الله! تصبحت بهذه السبع تمرات، ضربني ثعبان فقلت: سأموت، لكنني قلت والله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصادق، يقول: سبحان الله! والله ما ضرني هذا السم بصدق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من تصبَّح بسبع تمرات من عجوة لم يضره سم ولا سحر».

أفعال المبتدعة

     وهنا أنبه على أفعال المبتدعة الضلال الذين يتبركون بأشياء لم يجعل الله فيها البركة، فهم يتبركون بالقبور وترابها، -والعياذ بالله- ويحملونه معهم ويمسحون به جلودهم وأعضاءهم وبطونهم، ويقول للمرأة إذا لم تحمل تمسح على بطنها بتراب هذا الولي، هذا كله شرك بالله؛ ولذلك بوّب الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- باب (من تبرك بحجر أو شجر؛ فإنه شرك بالله -سبحانه وتعالى-)، هذه الأمور لم يجعل الله فيها البركة -عياذا بالله.

اللجنة الدائمة

     وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال الآتي: يعتقد بعض هواة الخواتم والأحجار الكريمة مثل العقيق اليماني، وغيرها أن لها خاصية، وأن لها أسرارا، ومنافع ليست لغيرها من الأحجار الأخرى، ويروجون لذلك دعايات، ويستدلون بأحاديث، والأقوال التي ذكرها صاحب كتاب (المستطرف)، فهل يصح في هذا الباب حديث صحيح، أو قول يعول عليه في هذه المسألة؟ وهل ما ورد في هذا الكتاب صحيح يحتج به؟ وهل لهذه الأحجار ميزات تميزها على غيرها ؟ أفيدونا أفادكم الله.

     فأجابت اللجنة: «بأنه لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث في فضل الخواتم والأحجار المذكورة ولا في خواصها، فلا يجوز أن ينسب للنبي - صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله، وقد ثبت أنه قال: «من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، كما لا يجوز أن يعتقد الإنسان في تلك الخواتم فضلا، ولا يجوز تصديق ما ينسج حولها من قصص وخرافات، وكتاب (المستطرف) لا يجوز الاعتماد عليه في أمور العلم والدين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك