رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 ديسمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 26 ) باب: وجوب القراءة بأم القرآن في الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

283.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ» فَقِيلَ: لِأَبِي هُرَيْرَةَ، إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْد:ُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ».

الشرح: قال المنذري: باب: وجوب القراءة بأم القرآن في الصلاة.

     والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 296) وبوب عليه النووي: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها، قرأ ما تيسر له من غيرها.

      قوله «خداج» الخداج بكسر الخاء هو النقصان، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج (الولادة) وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصا وإن كان لتمام الولادة، ومنه قيل لذي اليدية: مخدج اليد، أي ناقصها.

 فقوله صلى الله عليه وسلم : «خداج» أي: ذات خداج أي نقص.

 وقوله: «بأم القرآن» أي: الفاتحة، وهو من أسمائها، وسميت أم القرآن لأنها فاتحته، كما سميت «مكة» أم القرى لأنها أصلها.

    وفيه دليل على وجوب قراءة الفاتحة في كل صلاة، وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه (2/ 293) باب: «وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يُجهر فيها وما يُخافت».

ولم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام، وذكر السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات، قاله الحافظ.

وقوله: «وما يجهر فيها وما يخافت» أي أن الوجوب لا يختص بالسرية دون الجهرية، خلافا لمن فرّق في المأموم، ويشهد له قول أبي هريرة رضي الله عنه الآتي.

ثم أورد الحديث (756): عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».

وللإمام البخاري جزءٌ مفرد في هذه المسألة، باسم: جزء القراءة خلف الإمام، وهو مطبوع.

 قوله: «فَقِيلَ: لِأَبِي هُرَيْرَةَ، إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ».

وهل المقصود بقوله «لا صلاة» نفي ذات الصلاة، أم نفي الكمال؟

والجواب: أن المراد نفي الذات والإجزاء، وهو عُرف الشرع، والسابق إلى الفهم.

يؤيده ما رواه الإسماعلي في مستخرجه على البخاري بإسناده بلفظ: «لا تجزيء صلاةٌ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» (الفتح 2/299).

وله شاهد عند ابن خزيمة وابن حبان.

وقد قال بوجوب القراءة جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ومنهم ومالك والشافعي.

وقال أبوحنيفة وطائفة قليلة: لا تجب؟!

وأن الواجب آية من القرآن، لقوله صلى الله عليه وسلم : «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن».

والصحيح: أنه محمول على الفاتحة، كما بينته الأحاديث الكثيرة.

واستدل على وجوب القراءة في الركعات كلها، بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» بعد أن أمره بالقراءة.

     واستدل من قال بسقوط الفاتحة عن المأموم مطلقا وهم الحنفية بحديث: «من كان له إمامٌ، فقراءة الإمام له قراءة» لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، كما قال الحافظ ابن حجر.

واستدل من قال بسقوط الفاتحة عن المأموم في الجهرية كالمالكية، بحديث: «وإذا قرأ فأنصتوا» رواه مسلم.

قال الحافظ: ولا دلالة فيه، لإمكان الجمع بين الأمرين: فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت.

وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم، لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام.

     وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في «جزء القراءة» والترمذي وابن حبان: عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤن خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: «فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها».

وروى عبدالرزاق: عن سعيد بن جبير قال: لا بد من أم القرآن، ولكن من مضى كان الإمام يسكت ساعة، قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن.

     قوله «فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» أي هو حديث قدسي، من كلام الله عز وجل، والمراد بـ «الصلاة» الفاتحة، وهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء تعظيما.

ولأنها لا تصح الصلاة إلا بها، كقوله صلى الله عليه وسلم : «الحج عرفة».

والمراد بقسمتها: قسمتها من حيث المعنى؛ لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد، وثناء وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وافتقار.

     قوله: «فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَال:َ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي» فهذا كله ثناء بين يدي السؤال والطلب، وهو من تعليم الله لعباده، أن يقدموا ذلك بين يدي طلبهم وسؤالهم، وله أمثال في القرآن.

     فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، أي: نخصك بالعبادة والاستعانة، وتقديم المعمول يفيد الحصر، فكأنه يقول: لا أعبد إلا إياك، ولا أستعين إلا بك.

فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} اهدنا أي أرشدنا ودلنا ووفقنا للصراط المستقيم، وثبتنا عليه.

     والصراط المستقيم هو لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان. قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، كما قال الله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} (النساء: 69).

     قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود ومن شابههم {وَلَا الضَّالِّينَ} وهم النصارى ومن شابههم، كما صح به الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاليهود عرفوا الحق وتركوه وأعرضوا عنه، والنصارى تركوا الحق على جهل وضلال.

قَالَ: «هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» وهو وعد من الله تعالى باستجابة دعاء من دعاه بها مخلصا صادقا، حاضر القلب، متضرعا مفتقرا إليه.

     وهذه السورة قد تضمنت ما لم تتضمنه أي سورة من القرآن من أنواع التوحيد الثلاثة، وإخلاص الدين، وإثبات النبوة، وإثبات الجزاء، والرد على جميع فرق البدع والأهواء.

والله تعالى أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك