
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: تَلْبيةُ الحاجّ حتّى يَرْمي جَمْرة العَقَبة
عَنْ عَطَاءٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ جَمْعٍ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْفَضْلَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، الحديث رواه مسلم في الحج (2/931) باب: اسْتحباب إدامة الحاجّ التلبية حتّى يَشْرع في رمي جَمْرة العقبة يوم النّحر، وأخرجه الستّة بألفاظٍ مُختلفة.
يحدثُ ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أرْدَفَ الفَضْل»، أي: أنّه - صلى الله عليه وسلم - صلى الفَجر في مُزْدلفة، وبقي بها حتّى الإِسْفار، ثمّ رَكِبَ راحلته مُتَوجّهاً إلى مِنَى، وأرْدَفَ الفَضْل بن العبّاس، أي: أرْكبَه خَلْفه بين مُزْدلفة ومِنْى على راحلته. فأخبرَ الفَضْلُ بن عباس -رضي الله عنهما-، وحَدّثه عن تلبية الرّسُول - صلى الله عليه وسلم - حديث شاهد عيان، وأخبره عمّا أبْصرَه بعينه، وسمعه بأذنه، فذَكَرَ «أنّه لمْ يَزْل» النبي - صلى الله عليه وسلم - «يُلبّي حتّى رَمَى جَمْرةَ العَقَبة» أي: أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم- اسْتمرّ في التّلْبية ليلةَ عِيد النّحر، وصَبيحة يوم النّحر إلى أنْ رَمَى جَمْرة العَقَبة، فلمْ يَقْطع التلبية، حتّى رَمَى جَمرة العَقبة، يومَ النَّحْرِ، وهو يومُ العاشِرِ مِنْ ذي الحِجَّةِ، وكان ذلك في حَجَّةِ الوداعِ، فدلّ هذا الحديث على أنّه يُطْلب مِنَ الحَاجّ أنْ يَستَمرّ مُلبّياً حتّى يرمي جَمْرةَ العَقَبة يوم النّحر، ثمّ يَقطع التّلْبية. قال الترمذي عقبه (927): والعملُ على هذا عند أهلِ العِلمِ مِنْ أصْحاب النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، أنّ الحاجّ لا يَقطع التّلبية؛ حتّى يرمي الجَمْرة، وهو قول الشّافعي وأحمد وإسحاق. انتهى. والجمهور: على أنّ الحاجّ مُفرداً كان أو مُتمتّعاً أو قارناً يقطع التلبية مع أوّل حَصَاة يَرْميها من جمرة العقبة لقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: «رمقت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فلمْ يزْل يُلبّي حتّى رَمَى جمرة العقبة بأوّل حَصاة». أخرجه البيهقي، وفيه شريك وعامر بن شقيق، وقد وثقهما بعض المُحدّثين وضعفهما البعض الآخر. فيه: دليل على أنّه: يستديم التّلبية، حتى يَشرع في رمي جَمرة العَقبة غداة يوم النحر. وإليه ذهب الشافعي، والثوري، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وجماهير العلماء: من الصحابة والتابعين، وفقهاء الأمصار، ومن بعدهم. وقال الحسن: يُلبّي حتّى يُصلي الصُّبح، يوم عَرفة. وحكي عن علي، وابن عمر، وعائشة، ومالك، وجمهور فقهاء المدينة: أنه يلبي حتى تزول الشمس، قال النووي: دليل الشافعي والجُمهور: هذا الحديث الصّحيح، مع الأحاديث بعده. قال: ولا حُجّة للآخرين في مخالفتها، فيتعيّن اتباع السنّة. وقال الشوكاني في «السيل الجرار»: هذا يَحتمل أنّه ترك التّلبية، عند الشُّرُوع في الرّمي، ويحتمل أنّه تركها عند الفراغ منه. ويؤيد هذا: ما روي من حديث الفضل بن عباس، عند النسائي والبيهقي: أنه - صلى الله عليه وسلم-، قطع التلبية مع آخر حصاة. فوائد الحديث- كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُ أصحابَه أحكامَ الدِّينِ بالقَولِ والفِعلِ، والأمرِ والنَّهيِ والتوجيهِ، في كُلِّ المواقِفِ والمناسَباتِ التي تستدعي ذلك.
- وفيه: تَواضُعُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، بإرْداف الصحابة خلفه.
- وفيه: مَنزِلةُ الفَضْلِ بنِ العبَّاسِ -رضي الله عنهما- مِن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم-.
لاتوجد تعليقات