رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 4 ديسمبر، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الطَّوافُ على الرّاحلة

  • في الحديث جواز الطَّواف راكبًا على الرَّاحلةِ ويُلحَقُ بها ما في مَعْناها كالكَراسيِّ المُتحرِّكةِ ونَحوِها ولا سيما إذا كانتْ هناك مَصلَحةٌ مِنَ الرُّكوبِ
  • اسْتلامُ الحَجَرِ الأسْودِ سُنّة نبويّة ومَن عجَزَ عنِ اسْتلامِه بيَدِه استَلَمَه بعَصاً ونحوِها بشرط ألا يؤذي بها الناس
  • الإسلامُ دِينُ السَّماحةِ والتَّيسيرِ ومِن ذلك تَيسيرُه على المَرضى وأصحابِ الأعذارِ في أعمالِ الحَجِّ والعُمرةِ
 

عنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيْتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لِأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، ولِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/927) باب: جواز الطواف على بعيرٍ وغيره، واسْتلام الحجر بمِحجن ونحوه للراكب. يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ بالبَيتِ الحَرامِ في حَجَّةِ الوَداعِ، وهي الحَجَّةُ الَّتي حَجَّها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانت في السَّنةِ العاشرةِ مِنَ الهِجرةِ، سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان كالمُوَدِّعِ لهم، ولمْ يَلبَثْ كثيراً بعدَها حتَّى توفَّاه اللهُ -عزَّ وجَلَّ.

قوله: «عَلى راحلَتِه»

        قوله: «عَلى راحلَتِه»، تُطلَقُ على كلِّ دابَّةٍ أُعِدَّت للرُّكوبِ، وكان - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحَجَّةِ راكبًا على ناقةٍ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يَلمَسُ الحَجرَ الأسْودَ بِمِحجَنِه، وهوَ العَصا المُعوَجَّةُ الطَّرفِ. وفي صَحيحِ مُسلمٍ: عن أبي الطُّفَيلِ - رضي الله عنه - قال: «ويُقبِّلُ المِحْجَنَ»؛ لأنَّ مِنْ سُننِ الطَّوافِ تَقبيلَ الحَجرِ الأسْوَدِ، فلمَّا عجَزَ عنِ اسْتلامِه بيَدِه، اسْتَلَمَه بعصًا، وقبَّلَ ما استَلَمَ. ثُمَّ بيَّنَ جابرٌ - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنّما رَكِبَ ناقتَه ليَسهُلَ على النَّاسِ رُؤيتُه، وليَكونَ في مَكانٍ مُرتفعٍ حتَّى يُميِّزَه النَّاسُ، وليَتمَكَّنوا مِن سُؤالِه عمَّا أَشْكلَ عَليهم مِن مَناسكِ الحجِّ، وفعَلَ ذلك لأنَّ النَّاسَ «غَشُوه» أي: ازدَحَموا عليه، فخَشيَ عليهم من هذا التَّزاحُمِ، وكذلك حتَّى لا يَضطَرَّ أنْ يَصرِفَ النَّاسَ عنه، فكان رُكوبُه أيسَرَ له ولهم، وأكثَرَ فائدةً للاقْتِداءِ به، وليَرَوْه ويَسْألوه عمَّا بَدا لهم.

فوائد الحديث

  • جواز الطَّوافُ راكبًا على الرَّاحلةِ، ويُلحَقُ بها ما في مَعْناها كالكَراسيِّ المُتحرِّكةِ ونَحوِها، خُصوصاً إذا كانتْ هناك مَصلَحةٌ مِنَ الرُّكوبِ، كإفْتاءِ النَّاسِ وتَعْليمِهم، وكذا جواز الطّواف راكباً مع العُذر كما سيأتي؛ والمشي أفضل، وإنّما ركبَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - للمَصلحة، وهي أنّ الناس قد غَشوه وتكاثروا عليه، فأراد أنْ يُفيدهم ويَسْتفيدوا منه؛ بأنْ يكون في مكانٍ مُرتفع فيسألونه، وأيضًا: قد تكاثر عليه الناس؛ منْهم مَنْ يريد النّظر إلى صفة طوافه، ومنهم مَنْ يُريد النظر إلى شَخْصه الكريم؛ فازْدحموا عليه، ومنْ كمال رأفته بأمّته، ومساواته بينهم: أنْ ركبَ على بعير، يطوف عليه؛ ليتَسَاوى الناس في رؤيته والنّظر إليه.
  • وفيه: أنّ اسْتلام الحَجَرِ الأسْودِ سُنّة نبويّة، وأنَّ مَن عجَزَ عنِ اسْتلامِه بيَدِه -لرُكوبٍ أو زِحامٍ أو غيرِه- استَلَمَه بعَصاً ونحوِها، بشرط ألا يؤذي به الناس.
  • وفيه أنّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيَّنَ مَناسِكَ الحَجِّ والعُمرةِ وأعْمالَهما، بالقَولِ والفِعلِ، وبيَّنَ ما يَجوزُ وما لا يَجوزُ فيهما.
  • وأنّ السُّنّة أنْ يستلم الحجرَ ويُقبل يده، وإذا لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء، وقبّل ذلك الشّيء.
  • وفيه: إظْهار العالم أفْعاله مع أقواله؛ لتَحصل به القدوة الكاملة والتعليم النافع.
  • وفيه: كمال خُلُق النبي وشفقته على أمّته - صلى الله عليه وسلم -، ومُراعاته لهم.
  • جواز إدْخال الحيوان الطّاهر إلى المسجد، إذا لم يترتب على إدخاله أذية للآخرين.
  • وقد استدلّ بالحديث أيضًا: على طَهارة بول ما يُؤكل لحمه، منْ حيثُ إنّه لا يُؤمن بولُ البعير في أثناء الطّواف في المَسْجد، ولو كان نَجسًا؛ لم يُعرّض النبي - صلى الله عليه وسلم - المَسْجد للنّجاسة.

باب: الطّواف راكبًا لعُذر

         عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وأَنْتِ رَاكِبَةٌ» قَالَتْ: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ يَقْرَأُ: بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. الحديث رواه مسلم في الحج في الموضع السابق، ورواه البخاري في الحج (1633) باب: المريض يطوف راكباً.

في هذا الحَديثِ تَروي أُمُّ سَلَمةَ -رضي الله عنها- أنَّها شَكَتْ إلى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّها مريضة، وأنّ مرَضها يَمنَعُها مِنَ المَشيِ في الطَّوافِ، فرَخَّصَ لها بالطَّوافِ مِن وَراءِ النَّاسِ، وهي راكبةٌ على بَعيرِها، فطافَتْ كذلك. قولها: «فَطُفْتُ ورَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ» أي: كان رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إلى الكَعبةِ مُتَّصِلًا بجِدارِها، مِن أجْلِ أنَّ المَقامَ كان حِينَئذٍ مُلصَقًا بالبيتِ قَبلَ أنْ يَنقُلَه عُمَرُ مِن ذلك المكانِ، والبَيتُ كُلُّه قِبلةٌ. وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي صَلاةَ الصُّبحِ، وكان يَقرَأُ بِسورةِ: (وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ).

فوائد الحديث

  • التَّيسيرُ على الحُجّاج، وجواز الطّواف حال الركوب، وطَوافُ المَريضِ راكبًا إنْ لمْ يَستطِعِ المَشيَ من التخفيف، فالإسلامُ دِينُ السَّماحةِ والتَّيسيرِ، ومِن ذلك: تَيسيرُه على المَرضى، وأصحابِ الأعذارِ، في أعمالِ الحَجِّ والعُمرةِ.
  • وفيه: أنَّ النِّساءَ يَطُفنَ وَراءَ الرِّجالِ، ولا يَختلِطنَ بهم؛ لأنَّ ذلك أستَرُ لهنَّ، ولأنّ الطواف بالبيتِ كالصّلاة، ومِنَ السُّنّة في صلاة الجماعة: أنْ يتأخّرن عن صُفوف الرجال، فكذا في الطّواف.
  • وفيه: أنَّ مَن يَطوفُ وَقتَ صَلاةِ الجَماعةِ لِعُذرٍ، فلا يطوف بين المُصلين وبين البيت؛ لئلا يَشْغل الإمام والناس، فيُؤذيهم، بل يَطوفُ مِن وَراءِ النَّاسِ، والراكب عليه أيضاً: أنْ يَجْتنبَ ممّرَ الناس ما اسْتطاع، فلا يُخالط المُشاة؛ لئلا يؤذيهم.
  • وفيه: اسْتحباب قُرب الإمام مِنَ البيت الحَرام في الصّلاة.
  • وفيه: قراءة النّبي - صلى الله عليه وسلم - بسُورة الطُّور في صَلاة الصُّبح.
 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك