رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ياسر حسين محمود 15 سبتمبر، 2020 0 تعليق

أحوال القلوب وأثرها في العلاقة مع الناس

 


الواقع الذي نعيشه واقع مؤلم جدًّا، يحتاج إلى تغيير جذري، وإذا لم نتغير؛ فلن يتغير الواقع، ومن ثم فلن يرتفع عنا البلاء الشديد، نسأل الله العافية؛ فالبلاء لا يتزحزح بالأدوات المادية، وإنما كما قال الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد:11)، وتغيُّر القلوب هو أساس كل تغير.

     مِن أخطر ما نواجهه العلاقة بيْن الناس وبيْن الإخوة بعضهم بعضًا؛ فإن كثرة المشكلات تدل على أن الدنيا محل التنافس، وقد تكون المشكلات صغيرة جدًّا، ويمكن أن تحل بأيسر الطرائق، ولكنها تتفاقم تفاقمًا تظل تُعالَج فيه سنين، ولا تجد للمسألة مخرجًا إلا برحمة الله، وربما عولجت ثم لا يلبث أن يعود الأمر متفاقمًا بعد حين على المستويات كافة ؛ داخل أفراد الأسرة الواحدة، وبين الزوجين، وبين الإخوة والأخوات، وبين الجيران، وبين الزملاء في العمل، وبين المتعاملين مِن الناس.

أزمة لابد مِن وقفة لحلها

     هناك أزمة لا بد مِن وقفة لحلها، نريد أن نكون مخلصين لله -عز وجل- في عملنا، وفي تحقيق الحب في الله، نريد أن يحب بعضنا بعضًا في الله، ونريد أن نذوق حلاوة الإيمان، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم - في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» (متفق عليه).

نريد أن نكون صادقين

     نريد أن نكون صادقين حين نقول لبعضنا: «إني أحبك في الله» دون مجاملة، وإن هذا الأمر لعسير إلا على مَن يسره الله عليه، وهي كلمة كبيرة جدًّا: «إني أحبك في الله»، عظيمة القدر والأهمية، لكن لابد أن تقولها وأنتَ صادق، وبالتأكيد سيكون تعاملك مختلفًا عن الذي لا تحب، فعند المحب قدر عظيم مِن التسامح والتساهل، وصفاء الود، وصفاء القلوب؛ فتحل معظم المشكلات، فلو كان عندنا وُدٌّ صادق لن يقف بعضنا لبعض على الخطأ والزلة، فضلاً عن سوء الظن، وهذا جانب آخر وحده.

المشكلات تتفاقم

     إن المشكلات تتفاقم، ولا يوجد أحدٌ يصارح أخاه بما في قلبه؛ لوجود حواجز كثيرة، وهذا الأمر يدل على وجود الدنيا، وهي التي تُحدِث التنافس عليها، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (متفق عليه).

     التنافس على الآخرة يؤدي إلى الرحمة، وإلى مزيد المحبة، فقد كان عمر ينافس أبا بكر -رضي الله عنهما- ويسابقه إلى الله، ولكن بحب صادق عظيم، ونصيحة مخلصة، وربما اختلفا، لكن الخلاف ما أوقع بينهما ضغينة أبدًا، ولا أحقادًا، ولا يستطيع أحد أن يوقع بينهما الضغائن والأحقاد، أما الآن فالضغائن والأحقاد تملأ السهل والوادي! -إلا مَن رحم الله-، والمشكلات نابعة مِن الضغائن والأحقاد.

حظ الدنيا

     لو صغُر حظ الدنيا عندنا، ولو صغرنا في أنفسنا، وتواضعنا لله؛ لقلّت الخصومة كثيرًا، ولو رأى كل واحد نفسه هو المخطئ، وقال: «أنا كنتُ أظلم»، كما قالها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في خصومته مع عمر - رضي الله عنه - ولم يكن هو الأظلم، ولكن هذه هي نظرته لنفسه، لم يكملا ساعات عدة في الخصام حتى بحث كل واحد منهما عن الآخر ليصالحه، وكان كل منهما في البداية يرى نفسه أنه المحق اجتهادًا منهما، ثم ذهب عمر لأبي بكر في الوقت الذي ذهب أبو بكر فيه إليه فلم يجده، فذهب أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر؛ لمنزلته العظيمة، فأتى عمر معتذرًا والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟»، فغلّظ على عمر لحقّ أبي بكر فما كان حال أبي بكر إلا أن قال: «يا رسول الله أنا كنتُ أظلم».

هذه الرحمة والشفقة والخوف كانت منهما الاثنين؛ فكل منهما يشفق على أخيه، ويتهم نفسه، ويريد الصلح الذي إذا حدث بيْن المسلمين ذهبت الضغائن والأحقاد.

أنا كنتُ أظلم

     لو قال كل خصم في الخصومات الكثيرة: «أنا كنتُ أظلم»، لو مرّن لسانه على ذلك مع أن قلبه يرى أنه ليس كذلك؛ لكان في ذلك حل للمشكلة وانفراج لكثير مِن المشكلات، لكن حتى اللسان ربما يأبى أن ينطقها مع أنه هو الأظلم في الحقيقة في كثير مِن الأحيان، فالظالم يرى نفسه مظلومًا دائمًا، لا يرى نفسه ظالمًا أبدًا، وإن كان والله مِن أظلم الظلمة، لكنه يرى نفسه غير ظالم للناس، ولم يصنع بهم شيئًا، بل هو رجل تقي صالح في قمة الصلاح.

مسألة خطيرة

     وهذه مسألة خطيرة، وهي تعظيم مقدار النفس عند صاحبها، فعندما تصغر عليه نفسه يسهل عليه أداء الحقوق، وإذا كبرت عنده نفسه صعب عليه أداء الحقوق، وفي الحقيقة عندما تصغر النفس عند صاحبها يرتفع صاحبها لأعلى، وعندما يصغر في عين نفسه يعظم عند الله -عز وجل-، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم  -: «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» (رواه مسلم).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك