الزواج سنة ونعمة ورحمة ربانية
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لتتبعنّ سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتّبعتوهم»، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟»، متفق عليه.
فاستمرارا في اللحاق بالضب والدخول في جحره، جاءت مهاجمة شريعة الزواج من قبل نساء ورجال من المسلمين، عبر الترويج لأفكار منحلة متنوعة، بين رفض ونبذ للزواج الشرعي وأحكامه الراقية، والدعوة للزواج المدني، أو إلغاء فكرة الزواج بالكلية، والدعوة للحرية الجنسية على غرار الفوضى والثورة الجنسية في الغرب في ستينيات القرن العشرين، التي طالبت بشرعنة الشذوذ، أو عبر السعي الدؤوب لإلغاء الباقي من قوانين الأحوال الشخصية بمرجعيتها الإسلامية؛ حيث جرم تعدد الزوجات في تونس، وأحل تعداد الزنا، ثم أسقط فيها قوامة الزوج على الأسرة، واليوم يطالبون بمنع زواج الفتيات تحت سن 18، وبالمقابل يروجون لحرية الفتاة المنفلتة، وحقها بامتلاك جسدها، وضرورة تعليم الجنس للطلبة، ورعاية حقها وحمايته باكتشاف الجنس خارج الزواج، ولو كانت طالبة في الإعدادية!
الظلم الذي عانت منه المرأة
وكما سبق أن بيّنا أن الظلم الذي عانته المرأة في الحضارة الغربية خصوصا والانحراف في مفهوم الزواج والأسرة –الذي لا وجود له في الإسلام- كان هو سبب هذه الأفكار الملحدة، التي زعمت نصرة المرأة في أوروبا، من خلال تبني العلمانية التي بلغت الإلحاد والإباحية، ثم بعد ذلك لا تحررت المرأة، ولا سعدت واطمأنت!
رفقاء الضب
وحتى نفكك الهراء الذي ينشره رفاق الضب في مجتمعاتنا الإسلامية، نحتاج إلى أن نذكّر، أن فريضة الزواج سنة كونية ربانية، خلقها الله -عز وجل- وأنها إحدى نعمه ورحمته للبشرية، ومن ثم نكشف شيئا من تاريخ أعداء الزواج في الغرب، والنتائج الوخيمة التي وصلوا إليها في مقال تال، في حين أن رفاق الضب يتابعونه بتصديق خرافة (دارون) والتطور والأصل الحيواني للبشر؛ ولذلك يبقى الطبع الحيواني قائما في تفكيرهم.
الرؤية الإسلامية
بينما الرؤية الإسلامية تقوم على تكريم الجنس البشري {ولقد كرّمنا بني آدم}(الإسراء: 70)، ومن هذا التكريم أن الذكر والأنثى خُلقا من نفس واحدة: {الذي خلقكم من نفس واحدة وخَلق منها زوجها} (النساء: 1)؛ حيث إن حواء خُلقت من آدم نفسه، ومنهما تناسلت البشرية، ولو كانت خرافة التطور لـ(دارون) حقيقةً؛ فلماذا اقتصر التطور على ذكر وأنثى فقط؟ ولماذا توقف التطور من آلاف السنين فلم يظهر نوع ثالث ورابع، لا في البشر، ولا في الحيوان، ولا في النبات؟
الجواب الصحيح
الجواب الصحيح والوحيد أن الزوجية سنة كونية ربانية، وتعني الثنائيات، كالليل والنهار، والحر والبرد، والسواد والبياض، والحق والباطل، كما في قوله -تعالى-: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} (الذاريات: 49)، وتعني الزوجية الذكر والأنثى كما في قوله -تعالى-: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى}(النجم: 45)، وقوله -سبحانه-: {سبحان الذي خلق الأزواج كلّها مما تنبت الأرض ومِن أنفسهم ومما لا يعلمون} (يس: 36)، ولما كان الذكر والأنثى من خلق الله -عز وجل- كان أمره واجب الطاعة {ألا له الخلق والأمر} (الأعراف: 54)، ومن الأوامر الربانية للذكر والأنثى، إعمار الكون باتباع سنة الزواج، لقوله -تعالى-: {ومِن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم: 21)؛ فمن يعارض أو يرفض مفهوم الزواج هو –في الحقيقة- يعارض السنة الكونية الربانية، التي خلقت البشر ذكورا وإناثا، ويعارض الأمر الرباني بالزواج من خلال الدعوة للإباحية والشذوذ.
خطورة تدريس نظرية التطور
وبهذا تتبين خطورة تدريس أطفالنا نظرية التطور لدارون، التي تنكر أن الإنسان -ذكرا كان أم أنثى- من مخلوقات الله -عزوجل- وتدعي أنه نتيجة صدفة حمقاء، تحولت لحيوان تطور بغباء ودون غاية ليصبح إنسانا ليس له خالق، وليس له هدف وليس مسؤولا أمام أي جهة، أليست هذه بوابة الإلحاد؟
سنة الزواج الربانية
والرؤية الإسلامية تقوم على أن سنة الزواج الربانية عرفتها البشرية في الجنة منذ اللحظات الأولى لخلق البشرية لقوله -تعالى-: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما} (البقرة: 35)، وليس كما يتخرص الملحدون من أن مفهوم الزواج وجد لاحقا، وهو مفهوم احتكاري نابع من الملكية الفردية، وظهر بعد مرحلة الصيد والرعي!!
تدبير رباني
والزواج في الإسلام تدبير رباني سماه الله -عز وجل- {ميثاقاً غليظاً}(النساء: 21)؛ ليقوم الإنسان ذكراً وأنثى بمهمته الأساسية {وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56)؛ وذلك أن الزواج السليم بين الرجل والمرأة، يحقق السكن والمودة؛ مما يعينهم على تحقيق غاية وجودهم في الحياة، كما قال -تعالى-: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة: 71).
الزواج في مكانه الصحيح
وبرغم هذه المكانة والمنزلة الربانية والدينية للزواج، إلا أن اللذة والمتعة ليست مكروهة، أو منبوذة، أو شيئا مستقذرا يخجل منه، كما في المسيحية التي تنظر إليه بدونية؛ ولذلك حرمته على الأحبار والرهبان، وذلك في ردة فعل لإباحية ثقافة الإغريق والرومان؛ فجاء الإسلام ووضع الزواج في مكانه الصحيح؛ فهو سنة كونية ربانية ونعمة ورحمة؛ لذلك حث الإسلام على الزواج والتمتع بلذته وسعادته، وجعل لذلك الثواب والأجر، كما جعل العقوبة والإثم على تجاوزه بالزنا وما شابه، قال -تعالى-: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدموا لأنفسكم} (البقرة: 223)، وبسبب هذه الوسطية والسلامة في نظرة الإسلام للزواج، لم تعرف أمة الإسلام وحضارته ظلم المرأة أو شيوع الفواحش، إلا في الفترات التي غابت فيها هيمنة الشريعة الإسلامية عن الأمة.
صراع حضارات
وبسبب هذه الرؤية الإسلامية للزواج فإن توقعات (صامويل هنتنجتون) بصراع حضارات قادم لها جانب كبير من الصحة؛ حيث الرؤية الإباحية والملحدة والمعادية للزواج والعفة، التي تكاد تهيمن على الغرب، وتكاد تسيطر على منظومة الأمم المتحدة، وتسعى لفرض تطرفها وغلوها وإرهابها الإباحي والإلحادي على بقية الشعوب والأديان والثقافات تصطدم وبشدة بالرؤية الإسلامية والرؤى الدينية، والمحافظة لشعوب وحضارات أخرى.
فعلى كل مسلم ومسلمة الوعي بهذا الصراع الحضاري الخطير، وأن يعرف أبعاده الأخلاقية الكبيرة، وجذوره الدينية العميقة التي تهدد كيانه وهويته وذريته في الصميم.
لاتوجد تعليقات