حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
تواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه عرج به إلى السماء وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة فكلمه ربه سبحانه بما أراد وفرض عليه الصلوات الخمس
- الشيخ ابن باز: هذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث
في مقالة له حول حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، بين سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى عظم منزلته عند الله -تعالى-، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه -سبحانه- على جميع خلقه، قال الله -تعالى- {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء:1)
وتواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه عرج به إلى السماء، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة، فكلمه ربه -سبحانه- بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله -سبحانه- فرضها أولا خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يراجعه ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمسًا، فهي خمس في الفرض، وخمسون في الأجر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه، الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضوان الله عليهم- لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء.ليلة غير معروفة
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه- رضوان الله عليهم- لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء.لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم
ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعاً لبينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأمة، إما بالقول وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة - رضوان الله عليهم- إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أنصح الناس للناس، وقد بلغ الرسل غاية البلاغ، وأدى الأمانة، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يغفله النبي -صلى الله عليه وسلم - ولم كتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أن الاحتفال بها، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله قال -تعالى- في كتابه المبين من سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3) وقال -تعالى- في سورة الشورى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الشورى:21).التحذير من البدع
وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة: التحذير من البدع، والتصريح بأنها ضلالة، تنبيها للأمة على عظم خطرها، وتنفيراً لهم من اقترافها، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد» وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته يوم الجمعة: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، زاد النسائي بسند جيد: وكل ضلالة في النار.عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
وفي السنن عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه - أنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصانا؛ فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.شرع لم يأذن به الله
وقد ثبت عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن السلف الصالح بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها؛ وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3) والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- المحذرة من البدع والمنفرة منها.إنكار هذه البدعة
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة، أعني بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والتحذير منها، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء، ولما أوجب الله من النصح للمسلمين، وبيان ما شرع الله لهم من الدين، وتحريم كتمان العلم، رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة، التي قد فشت في كثير من الأمصار، حتى ظنها بعض الناس من الدين.ليس لليلة الإسراء والمعراج عملٌ مخصوص
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- ما الذي ينبغي للمسلم أن يفعله في هذه الليلة؟ فقال الشيخ: لا ينبغي أن يفعل شيئًا؛ لأن مَن هم أحرص منا على الخير وأشد منا تعظيمًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم الصحابة -رضي الله عنهم- ما كانوا يفعلون شيئًا على ما روي؛ ولهذا لو كانت هذه الليلة مشهورة عندهم ومعلومة لكانت مما ينقل نقلاً متواترًا لا يمتري فيه أحد، وكانت لا يحصل فيها هذا الخلاف التاريخي الذي اختلف فيه الناس واضطربوا فيه، ومن المعلوم أن المحققين قالوا أنه لا أصل لهذه الليلة التي يزعم أنها ليلة المعراج، وهي ليلة السابع والعشرين، ليس لها أصل شرعي ولا تاريخي.
لاتوجد تعليقات