رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 5 نوفمبر، 2018 0 تعليق

التقوى .. بناء الانسان

- اهتمت الحضارة الإسلامية ببناء الإنسان، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات)، وقال -تعالى-: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، وفي التفسير: «لَمَّا أمَرهم الله -عزّ َوجلَّ- بأخذِ الزَّاد الدُّنيويِّ غذاءً لأجسادهم، أرشَدهم إلى الزَّاد الأخرويِّ الموصل لدار النَّعيم الأبديِّ، غذاءً لقلوبهم، وهو استصحابُ التَّقوى؛ بامتثالِ أوامرِه، واجتنابِ نواهيه»، وجعلت عنوان إكرامه تقوى الله {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}؛ فالتقوى هي أساس التكريم.

- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معنى التقوى: «إذا سَرَّتكَ حَسَنَتُكَ، وسَاءَتكَ سَيِّئَتُكَ فاعلم أنَّكَ مؤمنٌ»، ومن أجمل ما قيل في تعريف التقوى ما جاء عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ حيث قال: التقوى: هي الخوف من الجليل والعمل بما في التنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.

- وقيل لطلق بن حبيب: «صف لنا التقوى»؛ فقال: «العمل بطاعة الله، على نور من الله؛ رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نور من الله؛ مخافة عذاب الله». قال الإمام الذهبي تعليقا على كلام طلق بن حبيب: «أبدع وأوجز».

- قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «إذا أحسنت السَّرائر أحسنَ الله- تعالى -الظواهر»، قال ابن القيم -رحمه الله -تعالى-: «التقوى ثلاثُ مَرَاتب: حِمْيَةُ القلب والجوارح عَنِ الآثام والمحرمات، ثم الحمية عن المكروهات، ثم الحمية عن الفُضُول وما لا يعني». ومن معاني التقوى الخوف من الله؛ لذا قيل: «مَن خافَ مِن شيءٍ هَرَبَ مِنْه، ومَنْ خَافَ مِن الله -عزَّ وجَلَّ- هَرَبَ إِليهِ». قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: «مَن خَـافَ الله -تـعالى- لم يَضُرُّه أحدٌ، ومَن خَافَ غير الله -تعالى- لم يَنْفَعْهُ أحدٌ».

- وهناك من جعل التقوى مرتبطة بحياة الإنسان كلها فقال: «حياةُ الإنسانِ بينَ أربعٍ: إمَّا أنْ يكونَ في طاعةٍ فعليه بالاستمرار، وإما أنْ يكونَ في معصيةٍ فعليه بالاستغفار، وإما أنْ يكونَ في نِعْمَةٍ فعليه بالشُّكْر، وإمّا أنْ يكونَ في ابتلاءٍ فعليه بالصبر».

- أما ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- فقال في مفهوم التقوى: «مَن عَامَلَ الله بالتَّقْوَى والطَّاعَةِ فِي حَالِ رَخَائِهِ عَامَلَهُ اللهُ باللُّطْفِ والإِعَانَةِ في حَالِ شِدَّتِهِ». ومرضاة الله تمثل قمة التقوى؛ لذا قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «تأمّلت أنفع الدعاء فإذا هو: سؤال الله -تعالى- العَوْنَ على مَرْضَاتِهِ».

- وقال سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-: مراتب التقوى - فيما نعلم - ثلاثة أقسام بينها قوله -جل وعلا-: {ثُمَ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ} (فاطر:32)، فالمتقي لله الكامل هو السابق بالخيرات الذي أدى الفرائض، وترك المحارم، واجتهد في أنواع الخير، فهذا في القمة وهو الأفضل وهو كامل التقوى. والمرتبة الثانية: مرتبة الأبرار المقتصدين الذين أدوا الواجبات، وتركوا المحرمات، لكن ليس عندهم مسابقة في أنواع الخير والتطوعات، بل اقتصروا على أداء الواجب وترك المحرم، هؤلاء يقال لهم: المقتصدون ويسمون الأبرار أيضاً. والمرتبة الثالثة هي: مرتبة الظالم لنفسه، وهو المتقي الموحد لله، لكن عنده شيء من السيئات، عنده شيء من المعاصي، وهو المراد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} (فاطر:32) يعني: في المعصية. فهذه أدنى مراتب التقوى، أدنى مراتب التقوى أن يكون موحداً لله لكن عنده شيء من الذنوب والسيئات، وهؤلاء طبقات، بعضهم أخطر من بعض على حسب معاصيهم، فكلما قلت المعاصي صار ظلمه للنفس أقل، وكلما كثرت المعاصي صار الخطر أكبر. فهي مراتب ثلاث: متقٍ ظالم لنفسه، متقٍ مقتصد، متقٍ مسابق للخيرات.

- ومن ثمرات التقوى أنها تزيد من خشية الله -تعالى-، وتخرج الإنسان من الكربات والشدائد، وسبب من أسباب زيادة الرزق، وفوق كل ذلك يُرزق الإنسان بها العلم، قال -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}.

- فالتقوى أساس لبناء الإنسان الكامل في أخلاقه وتعامله وعبادته وحياته.جعلنا الله وإياكم من المتقين السابقين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X