رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 24 أكتوبر، 2017 0 تعليق

باختصار- التضحية .. من الركائز الأساسية للدعوة إلى الله

     التضحية أحد الركائز الأساسية للدعوة إلى الله وواحدة من أهم أركانها، والتضحية قرينة الوفاء، وهما وجهان لصدق الانتماء، فإن كان الداعية صادقًا في انتمائه لدعوته ضحى في سبيلها، وإن كان مؤمنًا بها اجتهد في الوفاء لها؛ فالتضحية وقود الدعوات، وكلما عظمت التضحيات كبرت مكاسب الدعوة، ودنت من تحقيق أهدافها وتحصيل غاياتها.

     والتضحية لغةً مصدر ضحَّى يقال: ضحَّى بنفسه أو بعمله أو بماله أي بذَلَهُ وتبرع به دون مقابل، واصطلاحًا: هي بذل النَّفس أو الوقت أو المال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله -عزَّ وجلَّ- والمرادف لهذا المعنى الفداء، ومن معانيها: البذل والجهاد، والمروءة، والثبات على المبدأ، والشجاعة، والإحساس بواجب المرء تجاه المبادئ التي يحملها، والفكرة التي آمن بها واعتقدها.

     والتضحية شعار أهل الحق ودليل على صدق انتمائهم، ودافعًا لهم في صراعهم وممانعتهم لأهل الباطل، فهيهات أن تقوم للحق قائمة، أو أن يكون له وجود إلا بالتضحية والبذل، قال -سبحانه-: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا}.

     ومن نذر نفسه لدينه ودعوته، تقلب بين تضحيات عدة، أعلاها وأسماها التضحية بالنفس والمال؛ فالجود بهما أقصى غاية الجود؛ وهذا مما لا يخفى على عاقل، قال -تعالى-: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}، وقال -تعالى-: مقدما المال على النفس: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة: 41).

     ومن التضحية، العمل الدؤوب والتخلي عن الراحة وإتعاب الجسم وإنفاق الوقت في سبيل نشر دين الله -عزوجل- والتمكين له، وكيف لدعوة أن تنهض أو أن تبقى إذا كان أبناؤها يقدسون راحة الجسم والإخلاد إلى الدعة، ويؤثرون السكون، وهل في مثل هؤلاء خير لدعوة أو فائدة لمبدأ أو فكرة ؟

إن الدعوة تريد من يعملون الليل والنهار لا يفترون، ولا يبالون بنصب، وإنما يجدون راحتهم في خدمة مبادئهم، يرون سعادتهم في علوها وارتقائها، لها ينشطون، وفي سبيلها يتحركون ويجهدون .

     لقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم تضحيات جساما، وكان قدوة لكل مسلم إلى قيام الساعة، وسار الصحابة -رضي الله عنهم- على هذا الطريق، فقدموا من أجل دينهم ما لم يعرف التاريخ له مثيلاً، قال صلى الله عليه وسلم : «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأُخفت في الله وما يُخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة، وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال».  

     وقد حوصر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الشِّعبْ ثلاث سنين، حتى أكلوا ورق الشجر، كل ذلك في رضا عن الله، وتضحية من أجل الإسلام، وقصة الطائف وما أصابه من أهلها صلى الله عليه وسلم معروفة مشهورة .

     وما من صحابي من الصحب الكرام إلا وله قصة عجيبة في التضحية والبذل بالنفس والمال، فقد أخرج أبو بكر رضي الله عنه ماله كله أكثر من مرة، وأخرج عمر رضي الله عنه نصف ماله، وتبرع عثمان لجيش العسرة وجهزه من ماله، وخرج الصحابة -رضوان الله عليهم- من دورهم وتركوها لكفار مكة، مهاجرين في سبيل الله -تعالى.

     وفي ظلال هذه المعاني عاشوا -رضي الله عنهم- ومن سار على نهجهم ودربهم من الدعاة والمخلصين، لدعوتهم وبدعوتهم، تراها في قلوبهم، وتملأ عليهم حياتهم، يحملون همها وينشغلون بها، ويضحون من أجلها.

     ولا شك أن حاجتنا في مثل هذه الأوقات لهذا الخلق العظيم أشد ما تكون؛ فالثـغـرات تـتـسـع على الدعوة يوماً بعد يوم، وتكثر المجالات الشاغرة التي تفتقر إلى من يقوم بها، ويتزامن ذلك مع قلة الموارد، وجفاف المنابع، وضيق ذات الدعاة؛ يعيق تحقيق كثير من أهداف وبرامج الدعوة.

     وفي المقابل تزداد جهــود أهل الباطل قوة، وتزداد مخططاتهم دقة، وتتعدد أنشطتهم، ويذكرنا ذلك بشكوى عمر رضي الله عنه الـمُرَّةَ: «اللهم إني أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة»؛ فلن يرفع هذا الواقع إلا الصدق مع الله، ودليل الصدق الاستعداد مع البذل والتضحية في كل جانب تحتاج إليه الدعوة. ولا سيما في هذا الوقت، وهو الوقت الذي يعظم فيه الأجر ويزداد فيه الفضل، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره عن معقل بن يسار رضي الله عنه بلفظ: «العبادة في الهرج كهجرة إلي»، قال النووي في شرح مسلم: المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس؛ وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد من الناس.

     فشتان بين من يضحي وهو يرى ثمرة الجهد وتلوح له أمارات النصر، وبين من يضحي وقد غابت عن ناظريه أمارات النصر ودلائل التمكين، قال الله -عز وجل-: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقَاتَلُوا وكُلاًّ وعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك