رمضـــان دعـــوة للمصالحـة
إن من مساوئ طباع الإنسان سرعة الغضب والاندفاعية التي من أسبابها تحدث المشاحنات والخصام والفرقة بين الأهل والإخوة والأصدقاء والجيران, ومما يزيد الطبع سوءا التعنت الذي تمتاز به النفس، ولاسيما فيما يتعلق بكرامتها والمغالاة في ذلك على حساب الحق والدعوة إلى الخير؛ فكثيرا ما نجد خصومات ومشاحنات بين الإخوة والأصدقاء والجيران لأمور يسيرة من الدنيا، يكون سببها قطعاً لصلة الأرحام، وهجراً للإخوان، وعداء للجيران، ويدوم الحال من تباغض وكراهية وتربص بكل شر تضمره النفوس، ويمتد تأثير ذلك على الأبناء والأجيال، فنغرس في أبنائنا طبائعنا وفعالنا, وما ظننا أن ما يقوم عليه صراعنا هين، وكيف لا؟ والدنيا كلها أهون على الله من تيس أسك, وإنه لمن العجب أن نؤثر شرور أنفسنا على خير ما عند الله؛ فما عند الله خير وأبقى والعاقبة للمتقين.
ها هو ذا شهر رمضان، شهر الخيرات والإحسان؛ يفتح أبواب الخير، ويدعو لكل خير، ويزكي النفوس ويهذبها؛ فلنجعله باباً نفتحه على مصراعيه للمصالحة فيما بيننا , ولنغتنم هذا الشهر الكريم وسماحته وبركاته ونفحاته في إزالة الخصام، وإقامة السلام ونشر المحبة والوئام فيما بيننا, ليكن شهر رمضان صفحة جديدة بيضاء نسطرها محبة وإخاء، ونرسمها لقاء بصفاء، وننقشها مودة ووفاء.
في شهر رمضان تهدأ النفوس من ثورتها، وتطمئن القلوب من اضطرابها، وتخيم نسائم رمضان الروحانية التي تحمل النفوس على الارتقاء والسمو بذاتها عن كل صفات السوء ومنغصات المعاصي, وإن الخير ليدعو إلى الخير، وهذا شهر الخير، فليتنا نغتنمه بروحانيته، ونبادر بالمصالحة مع من هجرناهم وخاصمناهم وقاطعناهم, وإن البادئ ليس بأقل أو أدنى من المنتظر؛ فالبادئ خير الُمعرض, فمن منا يسارع حتى يكون خيراً من الآخر؟ أم أننا نتباطأ في الخيرات ونسارع فيما تمليه علينا شرور أنفسنا .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال, فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». أخرجه الإمام مالك والبخاري ومسلم .
وفي حديث أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم, عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار». (صححه الألباني)
فهذه نتيجة هجر بعضنا بعضا، نخسر الآخرة ونعيمها من أجل عزة نفس نتعالى بها على بعضنا ،ظنا منا أننا خير وأعظم شأنا، ويا له من ظن مشين تزينه لنا أنفسنا المغرورة, فلا والله إن الخير كل الخير في التواضع والتسامح والمسارعة للمصالحة، وتنقية النفوس من علوها وبغضها ومضيض كرهها وسوء طباعها .
هذا رمضان أيها الكرام، شهر كريم يدعو لكل خير وكرم وصلاح فليكن فيه صلاحنا وتصالحنا, فالصلح خير؛ بل إن الخير كل الخير في تواصلنا وتآخينا ومودتنا وتآلفنا وجمع شتاتنا ولم شملنا , فما أجملنا حينا تتصافح أيدينا وتتعانق أجسادنا، وتأتلف قلوبنا!.
نسأل الله العظيم أن يديم علينا الإخاء، ويجمعنا على المحبة، ويهدينا إلى ما فيه صلاحنا وخير أمرنا في الدنيا والآخرة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه .
لاتوجد تعليقات