رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 29 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (وتعاونوا عل البر والتقوى) (المائدة: 2)

     يلاحظ الإنسان في الآونة الأخيرة أمورا غريبة جدت في تصرفات الناس، وطرأت على المجتمع لم تكن معهودة من قبل، فالتفكير الفردي، والسلوكيات الأنانية، واحتقارالآخرين، والتعدي على النظام العام، وترسيخ الفوضى، وعدم احترام الناس، وغيرها من مظاهر مؤذية، وأخلاق سيئة يجدها الإنسان في الشارع، وفي العمل، وفي المدرسة، وفي السوق، بل وللأسف حتى في المساجد.

وبالتأمل تجد أن سبب ذلك يعود إلى جهل ديني ودنيوي، وتربية قاصرة ومقصرة، وجرأة مقيتة على المعاصي والنظام والأخلاق.

والإسلام يحرص على بناء الإنسان بناء يحقق مصالحه الفردية والجماعية في تكامل وتوازن؛ فالدين الحنيف لا يقر الأنانية، ولا يرضى بالأثرة، بل يحث على التعاون والتكافل والتناصر بين المسلمين في المجتمع الإسلامي، والقيام بالقسط مع النفس والآخرين من الأقربين والأبعدين.

فالله -تعالى- بين أسباب النجاة ومنها التواصي بالحق فقال تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر: 1-3).

     قال ابن عاشور: «وعطف على عمل الصالحات (التواصي بالحق والتواصي بالصبر) وإن كان ذلك من عمل الصالحات، عطف الخاص على العام للاهتمام به؛ لأنه قد يغفل عنه يظن أن العمل الصالح هو ما أثره عمل المرء في خاصته، فوقع التنبيه على أن من العمل المأمور به إرشاد المسلم غيره ودعوته إلى الحق، فالتواصي بالحق يشمل تعليم حقائق الهدي وعقائد الصواب وإراضة النفس على فهمها بفعل المعروف وترك المنكر.

وأفادت صيغة التواصي بالحق وبالصبر أن يكون شأن حياة المؤمنين قائما على شيوع التآمر بهما ديدنا لهم. وذلك يقتضي اتصاف المؤمنين بإقامة الحق وصبرهم على المكاره في مصالح الإسلام وأمته».

وقال الشيخ ابن سعدي: «عمم الله الخسار لكل إنسان إلا من اتصف بأربع صفات :

     الإيمان بما أمر الله الإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم فهو فرع عنه لا يتم إلا به، والعمل الصالح وهذا شامل لأفعال الخير كلها الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده، الواجبة والمستحبة، والتواصي بالحق الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي يوصي بعضهم بعضا بذلك، والتواصي بالصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى أقدار الله المؤلمة.

فبالأمرين الأولين يكمل العبد نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون العبد قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم».

وأمر سبحانه بما فيه صلاح المجتمع فقال سبحانه: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(المائدة: 2).

قال ابن كثير: «يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البرُّ، وترك المنكرات وهو التَّقوى، وينهاهم عن التَّناصر على الباطل، والتَّعاون على المآثم والمحارم».

وقال الماورديُّ: «ندب الله سبحانه إلى التَّعاون بالبرِّ، وقرنه بالتَّقوى له؛ لأنَّ في التَّقوى رضا الله تعالى، وفي البرِّ رضا النَّاس، ومَن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النَّاس فقد تمَّت سعادته، وعمَّت نعمته».

وأمر -سبحانه- بالتمسك بالدين القويم وعدم التفرق والاختلاف فيقوله عزَّ وجلَّ: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران: 103).

قال الطَّبري: «يعني وتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم، مِن الألفة والاجتماع على كلمة الحقِّ، والتَّسليم لأمر الله».

وقال السعدي: «فإنَّ في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكَّنون مِن كلِّ أمر مِن الأمور، ويحصل لهم مِن المصالح التي تتوقَّف على الائتلاف ما لا يمكن عدُّها مِن التَّعاون على البرِّ والتَّقوى».

وقد حثَّ النَّبيُّ صلى الله عليه  وسلم على التَّعاون ودعا إليه، فقال صلى الله عليه  وسلم  : «يد الله مع الجماعة» أخرجه الترمذي

     وعن أبي سعيد الخدري قال:بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه  وسلم  فِي سَفَرٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ النبي صلى الله عليه  وسلم : «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ» قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. أخرجه مسلم

     قال النووي: « فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْجُودِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الرُّفْقَةِ وَالْأَصْحَابِ، وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِ الْأَصْحَابِ، وَأَمْرُ كَبِيرِ الْقَوْمِ أَصْحَابَهُ بِمُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِ». وشبَّه المؤمنين في اتِّحادهم وتعاونهم بالجسد الواحد، فقال صلى الله عليه  وسلم : «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى». متفق عليه

قال ابن حجر: « فيه تعظيم حقوق المسلمين والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا».  من عناية الدين بالتعاون حثُّه على معونة الخدم ومساعدتهم، فقال صلى الله عليه وسلم مبينا حقوق العمالة: «ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم».متفق عليه

قال النووي: «وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيقه، فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره».

وقال النَّبيّ صلى الله عليه  وسلم : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا» متفق عليه

قال ابن بطَّال: «تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا في أمور الدُّنْيا والآخرة مندوبٌ إليه بهذا الحديث».

وعن ابن عمر -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه  وسلم  قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة» متفق عليه

قال ابن بطَّال: «الحديث حضٌّ على التَّعاون، وحسن التَّعاشر، والألفة، والسِّتر على المؤمن، وترك التَّسمع به، والإشهار لذنوبه».

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم  في حديث طويل: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». أخرجه مسلم

قال ابن دقيق العيد: «هذا الحديث عظيم جامع لأنواعٍ مِن العلوم والقواعد والآداب، فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسَّر مِن عِلْم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك».

     قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: « هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين, والتراحم والتعاطف, والتعاون على كل خير, وفي تشبيههم بالبناء الواحد, والجسد الواحد, ما يدل على أنهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم، وينتظم صفهم، ويسلمون من شر عدوهم».  وقال ابن تيمية مبينا أنواع التعاون: فإنَّ التَّعاون نوعان:

- الأوَّل: تعاونٌ على البرِّ والتَّقوى: مِن الجهاد وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقِّين؛ فهذا ممَّا أمر الله به ورسوله. ومَن أمسك عنه خشية أن يكون مِن أعوان الظَّلمة فقد ترك فرضًا على الأعيان، أو على الكفاية متوهِّمًا أنَّه متورِّعٌ. وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع؛ إذ كلٌّ منهما كفٌّ وإمساكٌ.

- والثَّاني: تعاونٌ على الإثم والعدوان، كالإعانة على دمٍ معصومٍ، أو أخذ مالٍ معصومٍ، أو ضرب مَن لا يستحقُّ الضَّرب، ونحو ذلك؛ فهذا الذي حرَّمه الله ورسوله».

فالقرآن يبني الإنسان، ويرسخ فيه معاني التعاون على البر والتقوى والاجتماع على الطاعة والخير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك