رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 1 أكتوبر، 2012 0 تعليق

الحكمة ضالة المؤمن(64) رأي الشيخ خير من مشهد الغلام

 من أبرز قواعد الحكم في الإسلام، ومن أوضح ملامح المجتمع المسلم (الشورى)، فالمشاورة معلم أصيل من معالم الجماعة المسلمة وذلك لما فيها من الفوائد العظيمة، قال الشيخ ابن سعدي: «المشاورة تنور الأفكار، وتحل الاشتباه والإشكال، وتبلغ العبد الآمال، المشاورة عنوان العقل، والاستبداد من نتائج الجهل، ما ندم من استعان بالله واستخاره، وشاور الناصحين».

والشورى هي استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور.

     وقد اعتنى القرآن الكريم بالشورى عناية كبيرة، فمن ذلك أن الله تعالى سمى سورة من سور القرآن الكريم باسم سورة الشورى، وتحدث فيها عن صفات المؤمنين ومنها صفة التشاور، وقرن سبحانه الشورى بالصلاة والصدقة واجتناب الفواحش فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.

     قال الحسن: «ما تشاور قوم قط بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم»، وفي لفظ: «إلا عزم الله لهم بالرشد أو بالذي ينفع» قال ابن حجر: «أخرجه ابن أبي حاتم بسند قوي».

     وقال الشيخ ابن سعدي:» {وَأَمْرُهُمْ} الديني والدنيوي {شُورَى بَيْنَهُمْ} أي: لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتآلفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها».

     وأمر الله تعالى نبيه الكريم بالشورى فقال تعالى: {وشاورهم في الأمر}، قال أبو هريرة: «ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم »، وقال الحسن: «قد علم أنه ما به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده»، قال ابن حجر: «أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن».

     والمشاورة دليل على كمال عقل الشخص وحسن تصرفه، قال عمر: «الرجال ثلاثة: رجل ترد عليه الأمور فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشدا، ولا يطيع مرشدا»، وقال علي: «نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد»، وقال عمر بن عبد العزيز: «إن المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة، لا يضل معهما رأي، ولا يفقد معهما حزم»، وقال بعض البلغاء: «من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرأي الفذ ربما زل، والعقل الفرد ربما زل».

     ولأهمية الشورى وعظيم أثرها فيجب أن تسند إلى أهلها كما قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، فلابد من التماس الشورى وطلب الرأي السديد من أهل الشورى الجديرين بها، وأهل الشورى وإن لم يرد نص في تحديدهم إلا أن المتأمل لهدي النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنهم أهل العلم والدراية والخبرة كما قال البخاري في كتاب الاعتصام من صحيحه : «كان القراء يعني حفاظ القرآن -أصحاب مشورة عمر- كهولا كانوا أو شبانا»، وقال أيضا: «وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلميستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب والسنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم».

     أما شروط أهل الشورى فقد ذكرها الماوردي باختصار، وهي: أن يكون ذا عقل كامل مع تجربة سالفة، وأن يكون ذا دين وتُقَى، فعن ابن عباس قال: «من أراد أمرا فشاور فيه امرأ مسلما وفقه الله لأرشد أموره»، وأن يكون ناصحا ودودا، فإن النصح والمودة يصدقان الفكرة ويمحضان الرأي، وأن يكون سليم الفكر من هم قاطع وغم شاغل؛ فإن من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي، وألا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض يتابعه، ولا هوى يساعده؛ فإن الأغراض جاذبة، والهوى صياد.

     ولا بد من مراعاة التخصص في أهل الشورى فيستشار في كل مجال أربابه، قال الشيخ ابن سعدي: «واعلم أن المشاورة تختلف باختلاف مواضيعها، فأمور السياسة يشاور فيها أهل الحل والعقد، والرجال المتميزون في عقولهم وآرائهم وكمال نصحهم، وأمور العلم والدين يشاور فيها أهل العلم بالدين، الجامعون بين العلم والحلم والعقل والدين، والأمور الدنيوية يشاور فيها أهل الخبرة فيها والرأي بحسب أحوالها، ولا بد في ذلك كله من قصد النصح”.

     وفي هذه الأيام نحن بحاجة إلى حكمة الشيوخ وتجاربهم، فهم أولى بالتقديم والتصدر من حماس الشباب واندفاعهم، فخبرة العقلاء وحنكة الحكماء معلم مضيء عند اشتباه الأمور وتزاحم الأحداث يسترشد بها الناس ويهتدوا عند اختلاط الآراء وتعالي الأصوات، أما حماس الشباب بغير حكمة الشيوخ فشجاعة بلا روية، وإقدام بغير تأمل ولا نظر، فما أسرع ما تعقبه الندامة والحسرة، ويتبعه الاعتذار بعدم العلم وقلة الخبرة ونقص التجربة، وكان حق الشباب تقديم رأي الشيوخ المجربين، والوقوف وراءهم لا التقدم عليهم ولا التصدر بين أيديهم.

     فعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عليا ]فقلت: إِنِّي أَثبتُ مِنْ عَمِّي وَأَجْرَأُ؛ فَإِنْ رأيت أن تجعلني مكانهُ، قَال: «يَابْنَ أَخِي إِنَّ رَأْيَ الشَّيْخِ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِ الْغُلام».

     قال الثعالبي: أطلب آراء الأشياخ الذين حنكتهم الأيام فتقاد، ولا تطلب ملازمة ذوي الأوجه الأغراء فتصطاد.

     وقال بعضهم: «شاور من جرب الأمور؛ فإنه يعطيك من رأيه ما دفع ثمنه غاليا وأنت تأخذه مجانا».

     فالشيخ كثير التجربة يبلغ برأيه من النتائج والآثار الحميدة في الحرب وغيرها، ما لا يبلغه الشاب صغير السن قليل التجربة، الذي قد يأخذه الحماس فيغرر بنفسه فيهلك نفسه وغيره ممن تابعه.

وما أحسن ما قاله المتنبي في هذا المعنى حيث قال:

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ

                                           هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني

فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ

                                           بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك