معاناة الأطفال الأفغان والعراقيين تسيل لعاب منظمات التهريب إلى أوروبا
أثار نبأ ضبط صربي وهو ينقل مهاجرين أفغانا من بلاده إلى المجر، عن طريق بري غير معبد، وبطريقة سرية، بداية العام الجاري، وتحديدا يوم 6 يناير 2011 م، قضية تهريب وتجارة البشر عبر الحدود الأوروبية، فقد ألقت الشرطة المجرية القبض على صربي، في منطقة كاليبيا على الحدود المجرية الصربية، وهو يحتفظ بلاثة أفغان، وطفل في الثالثة عشرة من عمره، في سيارة الأجرة التي يملكها، فتم اعتقاله، وإيداعه السجن في انتظار محاكمته، وإعادة الأفغان الثلاثة إلى صربيا، والاحتفاظ بالطفل ابن الثالثة عشرة في ملجأ للأطفال ببودابست.
استرقاق نساء وأطفال المسلمين:
ومن المتوقع، أن يتم إدخال الأفغان الثلاثة إلى البوسنة، ليتم اعتقالهم وإيداعهم معتقل، (لوكافيتسا)، الذي يتم جلب المهاجرين إليه من جميع دول الجوار التي لا ترغب في الاحتفاظ بالمهاجرين فوق أراضيها، كما جرت العادة منذ بضعة سنوات. ففي البوسنة يقبع المئات من مواطني أفغانستان، وباكستان، والعراق، وتونس، والجزائر، في مركز الحجز (الإقليمي) في (لوكافيتسا)، قرب سراييفو، والواقع في مناطق النفوذ الصربي، بالبوسنة. في وقت يرفض فيه الصرب والكروات بقاء المقاتلين العرب سابقا في البوسنة، فتم ترحيل بعضهم، وسجن بعضهم الآخر في معسكر (لوكافيتسا) نفسه. ووفقا للمصادر البوسنية الرسمية، فإن « 80٪ من نزلاء مركز احتجاز الأجانب، من أفغانستان وباكستان والعراق، وهناك موجة من المهاجرين عبر اليونان دخلوا بالفعل للدول الغربية «، وتمثل اللغة وافتقاد المهاجرين للأوراق الثبوتية مشكلة عويصة بالنسبة للجهات الرسمية في الدول التي وجدوا أنفسهم فيها.
وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها عن اكتشاف شبكات لتهريب الأفغان، والعراقيين، وغيرهم، إلى أوروبا، بينما يغض الطرف عن الفلسطينيين. فهناك الآلاف من العراقيين والأفغان في مختلف أنحاء العالم، ويبدو أن العد العكسي لوجودهم قد بدأ منذ سنوات عدة، بوقف عملية استقبال مهاجرين جدد، وتشديد القبضة الأمنية على الحدود، ليس في دول الاتحاد الأوروبي فحسب، بل دول أوروبا الشرقية بدرجة أولى، بل طال ذلك السواحل الأفريقية، مثل تونس، وليبيا، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، على سبيل المثال، إلى جانب الحدود التركية - اليونانية، وألبانيا، وكوسوفا، وكرواتيا، ومقدونيا، وصربيا، والبوسنة، ودول أخرى.
المثير في قضية التعامل مع الهجرة وعمليات التهريب عبر الحدود الدولية، ليس منع دخول المهاجرين، ولا حتى إعادتهم إلى البلدان التي قدموا منها، كما إنها لا تتمثل في عمليات الاعتقال الطويلة في معسكرات جماعية تفتقر للشروط الدنيا للحياة الإنسانية، ولا بشاعة وعدم إنسانية كل ذلك، وإنما عملية الانتقائية القسرية، فعلى الحدود يتم التفريق بين الكبار والصغار والنساء والرجال، فيحتفظ بالأطفال في مكان ما، بينما يتم إعادة آبائهم من حيث أتوا، وهنا تكمن المأساة الحقيقية،والتي تبلغ الذروة عندما يفرق بين الرجل وزوجته، فتبقى هي في البلد في مكان، ويؤخذ أبناؤها إلى مكان آخر، ويعاد الأب إلى الدولة التي قدم منها، حيث تقوم بدورها بإعادته إلى داخل حدود الدولة التي عبر منها، وينتهي به المطاف إلى السجن، وحيدا يكابد آلام فراق زوجته وأبنائه، ويزيده غما وهما وكدرا انقطاع أخبارهم عنه، وأخباره عنهم، وربما إلى الأبد.
أطفال المسلمين في معتقل صربي
وفي صربيا يقبع 9 أطفال أفغان منذ أشهر عدة في معتقل صربي قرب بلغراد يعد الأول من نوعه في شرق أوروبا. وقالت المصادر الصربية إن الأطفال الأفغان الصغار يعيشون مع أطفال آخرين يبلغ عددهم 36 طفلا من إيران وألبانيا. وأنهم يتلقون بعض المساعدات من مؤسسات محلية، من بينها الكنيسة الأرثوذوكسية. وهناك تعتيم إعلامي حول علاقات تلك المجموعات من الأطفال مع الجهات ذات الصلة . وذكرت شبكة بي 92 الصربية أن رياضيين أفغانا كانوا في دورة ببلغراد زاروا الأطفال الذين لم يبلغ معظمهم سن السادسة عشرة . ونقلت المصادر الصربية عن الأطفال قولهم إن « الأوضاع المعيشية والاقتصادية، عموماً وما تعانيه بلدهم من حروب وقصف وقتل كانت وراء قرارهم الهروب من وطنهم»، وقال غلام رباني أحد أعضاء الفريق الرياضي الذي زار الأطفال الأفغان والإيرانيين والألبان للتلفاز الصربي «أنا رئيس البعثة الرياضية الأفغانية الموجودة حاليا في بلغراد، سمعنا هنا بوجود أطفال أفغان في معتقل فقمنا يزيارتهم، وقد أخبرونا بأن مشكلات كثيرة أجبرتهم على ترك أفغانستان من بينها الحرب والظروف الاجتماعية والاقتصادية ولذلك تركوا بلدهم ووصلوا إلى هنا». ووفقا للمسؤولين الصرب عن المعتقل فإن « الأطفال الأفغان لا يعلمون أين يوجدون .. وكانوا قد قطعوا الطريق من أفغانستان إلى صربيا مشيا على الأقدام» والمشكلة الأخرى هي أنهم « لا يجيدون أي لغة أجنبية كالانجليزية لتسهيل التخاطب معهم»، وقال «دراغن رولوفيتش» المسؤول عن المعتقل «نحاول التواصل معهم، وتقديم ما يمكننا تقديمه لهم، وهناك جهات تعمل على مساعدتهم»، ولا يوجد لدى الأطفال الأفغان جوازات سفر أو أوراق ثبوتية مما يجعلهم نهبا لكل الاحتمالات . ويقضي الأطفال أوقاتهم، وفقا لرولوفيتش بين الطعام والترفيه «في الصباح يتناولون فطورهم، ثم يقومون بتنظيف أسرتهم، ثم يخرجون للشمس، ويلعبون كرة الطائرة، وكرة القدم، ثم يشاهدون التلفاز ويستمعون للموسيقى، ويمارسون الألعاب على الكمبيوتر» وقال الطبيب النفسي (رادونيا بيشيتش): « سيبقى الأطفال في صربيا لأنهم بدون أوراق ثبوتية، ونحن نعمل على تأهيلهم، ويمكن منحهم هويات جديدة عند البلوغ والسماح لهم بالبقاء في صربيا للعمل»، وذكر أن أغلب الموجودين في المعتقل جاؤوا من أفغانستان مشيا على الأقدام . ولا يسمح للأطفال الموجودين بإجراء أي اتصالات هاتفية مع ذويهم في أفغانستان وباكستان وكذلك في إيران وألبانيا، «بسبب وجود محاولات لربطهم بأسر وشخصيات ومؤسسات داخل صربيا».
مأساة المهاجرين في البوسنة:
وفيما يقبع العشرات إن لم يكن المئات من مواطني أفغانستان وباكستان والعراق وغيرهم في مركز الحجز (بلوكافيتسا)، شرق سراييفو، والواقع في مناطق النفوذ الصربي بالبوسنة، بينما تتحفظ السلطات الأمنية على عددهم الإجمالي، وسط مواقف متباينة من القضية كما جرت العادة في البلاد، بين المسلمين الذين لا يرون أي مشكلة في استقبال هؤلاء المهاجرين، وبين الصرب والكروات الذين يرفضون بقاءهم في البوسنة ويفرضون تأثيرهم على القرار الأخير، بالاتكاء على الظهير الدولي.
الجدير بالذكر أن معاملة المهاجرين غير الشرعيين في البوسنة، ونظرا لطبيعة التعدد الديني والإثني تعد الأقسى مقارنة ببقية الدول الاوروبية، بما فيها دول الجوار؛ حيث تحتجز السلطات الأمنية في البوسنة المئات من المهاجرين غير الشرعيين بينهم نحو 10 تونسيين وأعداد تزيد وتنقص من بقية المواطنين العرب من دول مختلفة، بينهم عراقيون وجزائريون ومصريون ومغاربة وصوماليون. ويعيش التونسيون وبقية العرب في معتقل (لوكافيتسا)، الذي يقع في الجانب الصربي شرق سراييفو، تحت حراسة مشددة . ويعد المعتقل الأسوأ في أوروبا؛ حيث لا يسمح للمعتقلين بالخروج منه، كما أنهم مهددون بالبقاء شهورا وربما سنوات قبل أن تتم إعادتهم إلى بلدانهم:
وهناك من يستغرب من عدم تحرك منظمات حقوق الإنسان، ولاسيما منظمة العفو الدولية لإيقاف انتهاك حقوق الإنسان في البوسنة، ومنها الحق في حرية التنقل الذي تضمنه مواثيق الامم المتحدة، ولا سيما الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. ويشتكي المقيمون في المعسكر من استفزازات بعض عناصر الأمن في المعتقل، كالتدخين بالقرب منهم، مما يدفعهم لردود أفعال تحسب عليهم تحت مجهر كاميرات التصوير الموجودة في، جميع أنحاء المعتقل، كما يقول حقوقيون محليون وهذا اعتداء على خصوصية الأفراد يضاف لحرمانهم من الحرية».
لاتوجد تعليقات