
وقفات تربوية من السيرة النبوية – فوائد دراسة السيرة النبوية
- سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت ولا زالت رحلة بناء للفرد والمجتمع والأمة ورحلة عطاء وتضحية وتحمل للمسؤولية وإنجازات متتالية لم تتوقف يومًا
- السيرة تعلمنا صناعة الأمل رغم كثرة العقبات والتحديات وهذا ما فعلته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنه وأرضاها مع النبي صلى الله عليه وسلم
- السيرة منهج لإقامة المجتمع المسلم فمن خلالها نعرف كيف ربى النبي صلى الله عليه وسلم أفراد المجتمع على حسن الخلق وحسن الجوار وإغاثة الملهوف وتفريج الكربات
سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- كانت ولا زالت رحلة بناء للفرد والمجتمع والأمة، رحلة عطاء وتضحية وتحمل للمسؤولية وإنجازات متتالية لم تتوقف يومًا، رحلة انتصار لإرادة أصحاب أعظم قضية عبر التاريخ، قضية العبودية بمفهومهما الشامل لإخراج البشرية من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان والتوحيد والرسالة، وما أحوجنا في هذه الفترة العصيبة من عمر الأمَّة أن نقف مع السيرة النبوية لاستلهام الدروس والعبر! حتى ننقل السيرة من السطور إلى الصدور، ومن التنظير إلى الواقع الملموس.
وحينما نقرأ السيرة نعرف معنى (صناعة الأمل) رغم كثرة العقبات والتحديات؛ فانظر إلى أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنه - وأرضاها كيف كانت تصنع الأمل رغم التحديات التي كان يواجهها زوجها - صلى الله عليه وسلم-، فقالت له: «فَوَالله، لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهُ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبٍ الحق»، ونحن اليوم نحتاج أن نقول لأنفسنا ولكل من حولنا: والله إن الله لا يخزينا شريطة أن نلتزم بالمنهج في العسر واليسر، وأن تكون مرجعيتنا في كل مواقفنا هي الكتاب والسنة، وأن نتعامل بالقواعد الشرعية، وننظر بمنظور الشرع حتى في أوقات الضيق والشدة رغم مرارة الأحداث، لا أن نتعامل بالعاطفة التي يترتب عليها انحراف في التفكير والسلوك.قضية العمل للدين لا تموت
إن دراستنا للسيرة النبوية تعلمنا أن قضية العمل للدين قضية لا تموت بإخفاق في جولة من الجولات، أو ضعف في مرحلة من المراحل؛ فالإخفاق والضعف لا يعني نهاية الطريق، وإنما تكون نهاية الطريق بالاستسلام وترك الأمل والإحباط واليأس، وأن تسيطر علينا نفسية (إنا لمدركون)، ولكن صاحب القضية حينما ينظر في صفحات السيرة يعلم أن من أفضل العبادات الآن صناعة الأمل في أنفسنا وفيمن حولنا مع السعي والعمل والبذل المقرون بالعلم ونور الوحي.إرادة صاحب القضية
إنَّ رحلة السيرة تقول: إن صاحب القضية إذا كان يتمتع بإرادة يستطيع أن يصل لهدفه رغم قلة الإمكانيات، وكثرة العقبات والتحديات إلا أن الإرادة تفل الحديد؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم بروح التحدي والإرادة - استطاع في فترة وجيزة من عمر الدنيا أن يؤسس حضارة الإسلام التي ضربت بجذورها في أعماق التاريخ، وها نحن هؤلاء اليوم بعد أكثر من ١٤٠٠ سنة نتحدث عن فعله.التعرف على الجاهلية
من خلال السيرة تستطيع التعرف على الجاهلية التي كانت تعيشها قريش سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وكيف واجه النبي الأعراف العقدية والانحطاط الأخلاقي؛ حتى لا يظن أحد أنه بمجرد ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم- قريش استسلمت، وتبددت الجاهلية، فكان الالتزام سهلًا ويسيرا، والاستقامة أمر في متناول الجميع، وكل من أراد الاستقامة كانت الدنيا تقابله بالورود، وأن الصحابة عاشوا في مجتمع ملائكي، ولا توجد عندهم أي مشكلات لأجل ذلك التزموا، أما اليوم فالتحديات كثيرة بيد أننا عند البحث نجد أن الصحابة كانوا يواجهون التحديات التي تواجهنا اليوم؛ فكان هناك تبرج وسفور، وحملات إعلامية شرسة، ومنافقون، وبطش، واضطهاد، وشهوات، وشبهات.تنقلنا من التنظير إلى مرحلة التطبيق
والسيرة النبوية تنقلنا من مرحلة الكلام والتنظير عن وجوب نصرة الإسلام إلى مرحلة التطبيق العملي إلى كيف ننصر الإسلام؟ فإن إشكالية الكثير منا اليوم أننا نتكلم عن وجوب نصرة الإسلام، لكن الكلام وحده لا يكفي فلا بد من الانتقال إلى الخطوات العملية لنصرة الإسلام، لا بد من التحرك بالإسلام وأن نعيشه في الواقع في جميع قضايانا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.تعلمنا أن السعادة في العطاء
مع السيرة النبوية نتعلم أن السعادة في العطاء وليس في مجرد الأخذ؛ فمنذ أن قال الله -تعالى- للنبي - صلى الله عليه وسلم-: {قُمْ فَأَنذِر} قام - صلى الله عليه وسلم- وما قعد، وكانت حياته عبارة عن بذل وعمل بكل جد ونشاط وعطاء منقطع النظير، وصبر وتحمل رغم جهل الجاهلين، وطعن الطاعنين، واعتراض المشركين، حتى أنه - صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته كان يصلي جالسًا بسبب ذلك؛ فتُسأل: أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنه - هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يصلي وهو قاعد؟ قالت: نعم بعد ما حطمه الناس.الانتصار يكون بالتمسك بالوحي
مع السيرة تعرف أن انتصار الأمم والشعوب يكون بالتمسك بالوحي في جميع مراحل الحياة، سواء في الشدة أم الرخاء؛ وهذا ما بايع النبي - صلى الله عليه وسلم- الصحابة عليه، كما يقول عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا»، وأن سقوط الأمم والشعوب ليس بسبب قصور عمراني، ولا ضعف اقتصادي، ولكن بسبب الحيدة عن منهج الرب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، كما هُزم الأصحاب يوم أحد لأنهم خالفوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- ونزلوا من فوق الجبل لأخذ الغنائم، حتى وإن كان نزولهم بتأويل إلا أن السنن الإلهية لا تحابي أحدًا.معرفة الطريق إلى عز الإسلام والمسلمين
ندرس السيرة لمعرفة الطريق إلى عز الإسلام والمسلمين، فقد بعث في فترة من أسوأ الفترات من عمر الدنيا، فقد كانت جاهلية جهلاء، كما قال - صلى الله عليه وسلم- واصفا هذه الفترة: «إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»، ويقول عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم-، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه».معرفة أسباب النصر والهزيمة
مع السيرة النبوية سنعرف الأسباب الحقيقية للنصر والهزيمة وسنعرف أيضًا أن الأحداث السيئة والهزائم لا تكون وليدة اللحظة أو بلا سبب، بل لكل نتيجة مقدمات أدت إليها؛ فالأخذ بالأسباب الظاهرة والباطنة مع الثقة بالله والتوكل عليه والتضرع إليه، واليقين أن الأمور كلها بيده أسباب للنصر، كما أن التقصير في الأسباب والوقوع في المخالفات مع حسن الظن بالنفس والثقة بالإمكانيات دون الثقة بالله أسباب للهزيمة.معرفة مؤهلات القيادة لدى الصحابة
السيرة تخبرنا بالمؤهلات التي أهلت الصحابة لقيادة البشرية وكيف رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم-، وهناك مشهد رائع تسطره لنا السيرة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاءَتَكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»، فانظر إلى المتابعة والتشجيع.السيرة منهج للفرد
السيرة منهج للفرد، ولنعلم أن كل واحد منا في أي مرحلة من مراحل حياته له في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتيما وهو صغير، وكان شابا، وكان تاجرًا، وهو قائد، وسياسي، وأب وزوج، وكان يمرض، ويمر بأوقات عسر ويسر، بل في سيرته - صلى الله عليه وسلم- ستعرف عنه كل شيء حتى عدد الشعر الأبيض في لحيته، وحتى خاتمه وكيف كان يلبسه؟ وكيف كان نقشه؟ ستتعرف على أذكاره - صلى الله عليه وسلم-، ماذا يقول إذا قامت الريح؟ وعند الفتن؟ وعند الشدائد وفي الأفراح؟ وفي الأحزان، وفي العسر، وفي اليسر، وفي البيع، وفي الشراء، وفي الحرب والسلم؟ وكيف تعامل مع المسلمين ومع غير المسلمين؟ فمع السيرة تقف مع هذا المنهج وتقتدي به.
لاتوجد تعليقات