رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. آدم بمبا 14 مايو، 2019 0 تعليق

واقع التعليم الإسلامي في أوغندا

يرجع المدُّ الإسلامي في أوغندا إلى حركة التِّجارة بين السُّكان المحليِّين، والتُّجار السَّواحليين، والعرب الذين توغَّلوا في مناطق (أكولي ولانْغو) وغيرهما من المناطق الشَّماليَّة في أوغندا الحديثة، أما المدَّ الفعليَّ للإسلام فكان من مملكة (بُوغندا) (بالباء) بوسط البلاد، في النِّصف الأوَّل من القرن التَّاسع عشر الميلاديِّ، ولاسيما في عهد (الكاباكا) (الملك) (موتيسا) (ت 1884م)، الذي أسلم على يد التّاجر الدَّاعية الشَّيخ خميس بن عبد الله، وقرَّب التُّجار المسلمين، وأوكل إليهم وظائف إداريَّة مهمَّة، وزاد ذلك بتعلُّمه مبادئ العربيَّة، وبترجمة أجزاء من القرآن الكريم إلى لغة البوغندا، والالتزام الصَّارم بحدود الشَّريعة الإسلاميَّة، وقد ارتبط التَّعليم الإسلاميُّ بهذا العهد المبكِّر؛ إذ شجَّع الملك تعليم العربيَّة والقرآن في الكتاتيب التي نشأت في المساجد في ربوع مملكة بوغندا.

     ولم يزعج هذا التَّنامي الطَّبيعي للإسلام وحركة التَّعليم إلا الحضور الاستعماريُّ، والنَّشاط التَّنصيريُّ الذي رافقه عام 1877م، وزجّ بشعب بوغندا في حربٍ دينيَّة بين المسلمين والنَّصارى في العقد الأخير من القرن التَّاسع عَشَر، وكانت الغلبة العسكريَّة فيها للنَّصارى، غير أنَّ ذلك كان – في حقيقته - نصراً للإسلام؛ إذ تشتَّت المسلمون المهاجرون في أرجاء المملكة، وامتزجوا بقبائل نائيةٍ ما برحتْ أن أسلمت على أيديهم.

التَّوزيع الواسع للمسلمين

     وقد وفر التَّوزيع الواسع للمسلمين على رقعة أوغندا على الدُّعاة جهوداً دعويَّة مضنيَّة، وأفاد المسلمين اجتماعيّاً واستراتيجيّاً، بانضواء مختلف القبائل تحت مظلَّة الإسلام، بما في ذلك الزعامات القبليَّة التَّقليديَّة، كما أفادهم اقتصاديّاً؛ حيث ظلَّت حركة التِّجارة في قبضة المسلمين، تبعاً للتَّبادلات التِّجاريَّة بين القبائل المذكورة في مختلف أرجاء أوغندا.

الحملة التَّنصيريَّة

     وعلى الرغم من الحملة التَّنصيريَّة الشَّرسة التي أعقبت هزيمة المسلمين العسكريَّة، بالطَّمس القسريِّ للهويَّة الإسلاميَّة، وإجبار المسلمين على تغيير أسمائهم، والالتحاق بمدارس الإرساليَّات الكنسيَّة؛ فإنَّ الجيل الأوَّل من المثقَّفين المسلمين ثقافةً غربيَّة مسيحيَّة، قد استطاعوا أن يقاوموا هذا الطَّمس والتَّدجين، وعلى أيدي أولئك الغيورين كانت إعادة الصُّفوف، وتأسيس جمعيَّة مسلمي أوغندا للتَّعليم (Uganda Muslim Education Association, UMEA)، وهي حجر الزَّاوية لحركة التَّعليم الإسلاميِّ في أوغندا الحديثة.

بدايات التَّعليم الإسلاميّ

      تعود بدايات (التعليم النظامي) الفعليَّة إلى العقد الأوَّل من القرن العشرين؛ وذلك بعد أن وضعت الحرب الدِّينيَّة بين المسلمين والنَّصارى أوزارها (1885 - 1899م)؛ إذ ظهر التَّعليم الإسلاميُّ النِّظاميُّ في أوغندا إلى جانب التَّعليم التَّقليديِّ المعهود في الكتاتيب، وعلى الرغم من هزيمة المسلمين في ساحة الحرب، والحملة الشَّرسة التي انتهجها المستعمر ضدَّ المسلمين، وحظر التَّعليم الإسلاميِّ، وإلغاء اللُّغة السَّواحلية ذات العلاقة العضويَّة بالإسلام، واحتكار الإرساليَّات المسيحيَّة للنَّشاط التَّعليميِّ، والعراقيل الكثيرة في وجه المسلمين الرَّاغبين في فتح مدارس؛ فإنَّ بداية التَّعليم الإسلاميِّ النظامي المتمثَّل في (المدارس)، كانت بداية واعية قويَّة على مستوى التَّحدي القائم، وتعني القوَّة هنا (النَّوعيَّة)، وحدَّة الشُّعور بالتَّحدِّي؛ حيث صابر المسلمون الراغبون في فتح مدراس, وصمَّموا في العمل، واضطرَّت القوَّة الاستعماريَّة للاعتراف بثماني عشرة مدرسة في عام 1935م.

الجمعية التَّعليميَّة

     بعد حوالي عقدٍ من الزَّمن (1944م)؛ تم تأسيس الجمعية التَّعليميَّة لمسلمي أوغندا (UMEA)(9) على يد الرُّواد الأوائل من المسلمين، وجاء في قمَّة أهدافها: «العمل من أجل التَّناغم بين التَّعليم الإسلاميِّ وبين نظام التَّعليم اللاَّديني»؛ ممَّا يدل على قوة شعور المسلمين بهذا الإشكال الجوهريِّ في واقع التَّربية والتَّعليم في أوساط الشُّعوب المسلمة.

مهام متعددة

     وقامت هذه الجمعيَّة بمهامِّ متعددِّة، مثل تحديثٍ المناهج، ووضع مقرَّرات، والإشراف على المدارس الحديثة، ونجحت في الخمسينيَّات والسِّتينيَّات من فتح (180) مدرسة ابتدائيَّة، و (18) مدرسة ثانويَّة، ومعهدٍ لتدريب المعلِّمين في عام 1954م، وتلك إنجازاتٌ لا يُستهانُ بها، إذا ما قورن الواقع الأوغنديُّ بواقع دُوَلٍ إفريقيَّة جنوب الصَّحراء، ولاسيما في غرب إفريقيا التي لم تشهد قيام هيكلٍ تربويٍّ مماثلٍ لجمعيَّة (UMEA) إلا في التِّسعينيَّات من القرن الماضي.

نسبة المدارس الإسلاميَّة

     في الوقت الحاضر تبلغ نسبة المدارس الإسلاميَّة التابعة لهذه الجمعيَّة وتحظى بالدَّعم الفنيِّ والماديِّ منها (75%) من مجموع المدارس في أوغندا،  وقد بلغ تعداد تلك المدارس عام 2007م، 3500 مدرسة ابتدائيَّة، و200 مدرسة ثانويَّة، وأربع معاهد لتدريب المعلِّمين، وخمس مدارس تقنية(10).

هيئات منبثقة

     ومن الهيئات المنبثقة عن الجمعية التَّعليميَّة لمسلمي أوغندا (UMEA) اتِّحاد معلمي أوغندا المسلمين Uganda Muslim Teachers Association، ومن أهمِّ أهداف هذا الاتِّحاد، دعم المدارس والمعلِّمين ماديّاً ومهنيّاً، وإعداد الكتب المدرسيَّة لمختلف المواد الدِّراسيَّة الإسلاميَّة، وتوحيد المقرَّرات بين جميع المدارس في الدَّولة، إلى جانب الارتقاء بالمستوى الوظيفيِّ للمعلِّمين.

واقع التَّعليم الإسلامي

     لم تتوفَّر بأيدينا تقارير ترصد سيرورة التَّعليم الإسلاميِّ في أوغندا وتطوُّره بدقَّة، ولكن بالنَّظر في الواقع الرَّاهن لهذا التَّعليم ومواقف المشتغلين به منه، يتبيَّن أنَّ التعليم الإسلاميَّ في أوغندا يشهد ركوداً واضحاً عمَّا كان عليه في الماضي، ويمكن إرجاع هذا التَّردِّي في واقع التَّعليم الإسلاميِّ فيها إلى حال عامة من الرُّكود التَّعليميِّ في إفريقيا – على الأقلِّ -، ومتغيِّراتٍ متشابكة قد تخرج عن نطاق التَّعليم نفسه.

قلق بالغ

وما يثير قلق المشتغلين بالتَّعليم الأوغنديِّ، هو سرعة هذا التَّردِّي واطِّراده عاماً بعد آخر، وقد أكَّد تقرير الجامعة الإسلاميَّة فيها هذا الوضع؛ حيث جاء فيه أنَّ الجامعة حالياً تجري دراسة شاملة حول التعليم الإسلامي في أوغندا الذي بدأ يتدهور باستمرار.

مؤشِّرات التَّدنِّي

     ومن مؤشِّرات التَّدنِّي المستمرِّ، في التَّعليم الإسلاميِّ عموما في أوغندا، تزايُد نسب الرُّسوب في الامتحانات الوطنيَّة العامَّة التي تجريها هيئة الامتحانات للمدارس الإسلاميَّة نهاية كلِّ عامٍ دراسيٍّ، ويوزع الناجحون على إثرها في الثَّانويَّات الوطنيَّة؛ ففي عام 2011م - مثلاً - زاد عدد الرَّاسبين في هذا الامتحان عن العام قبله بمجموع (439)، وفي العام الحالي 2012م رسب (700) طالب من مجموع (2380) ممتحناً، وقد أكَّد الشَّيخ يحيى لوكُوَاغُو -رئيس جمعيَّة المدارس القرآنيَّة في أوغندا- أن هذا التَّدنِّي في نِسَب النَّجاح مطَّردٌ كلَّ عام، ومطَّردٌ في المواد الدِّراسيَّة كافَّة.

تحدِّيات التَّعليم الإسلاميِّ في أوغندا

هذه جملةٌ من التَّحدِّيات المستخلصة عن التَّعليم الإسلاميِّ في أوغندا، انطلاقاً من الملامح العامَّة المعروضة عن التَّعليم الإسلاميِّ بها وبأخواتها من دول شرق إفريقيا.

(1) تشتُّت ديموغرافي للمسلمين

     نتيجة لظروف المدِّ الإسلاميِّ في أوغندا وموقعها الجغرافيِّ، وتبعاً للهجرات القسريَّة التي خضع لها المسلمون بعد هزيمتهم في وجه النَّصارى؛ فإن المسلمين لهم وجودٌ واضح في أرجاء أوغندا كافَّة، وهذا التَّوزيع السُّكانيُّ للمسلمين، وإن كانت له إيجابيَّاته؛ فإنَّه يمثِّل تحدِّياً كبيراً لهم في الحقل الإداريِّ والتَّربويِّ التَّعليمي، ولاسيما في ظلِّ شُحِّ وسائل النَّقل والاتصال.

(2) التَّدريس باللغات المحليَّة

     ومردُّ تلك الظاهرة الحظر الاستعماريِّ الأوَّل للُّغة السواحلية في التَّعليم منذ بدايات القرن العشرين، ومن أهم اللُّغات في التَّدريس على حسب المناطق، لغة (لوغندا، ولوغْبارا، ولغة مارْدي، وكاكْوَا)، ويكمن الإشكال في استخدام هذه اللُّغات بوصفها لغة التَّعليم والتَّواصل في التَّعليم الإسلاميِّ؛ مما يُقلِّل من فُرص احتكاك الدَّارسين بالعربية، ويحوِّل مضمون المقرَّر وطريقة التَّدريس إلى ترجمة بحتة، ينخرط فيها المعلم مع الدَّارس بقصدٍ منه أم بغير قصد.

(3) التَّعليم في الظُّروف الحرجة

     يمثِّل تدني المستوى الأمنيِّ تحدِّياً آخر كبيراً للتَّعليم الإسلاميِّ، بل لمناشط الحياة كافَّة؛ ففي شماليِّ البلاد تحديداً، مجموعاتٌ مسلمة غير قليلة، ومدارس كثيرة واقعة في (المناطق الحمراء) التي تمثِّل ساحات الحرب والمواجهة بين القوات الحكوميَّة وميليشيات (جماعة الرَّب) المسيحيَّة (LRA)، ويعني ذلك انعدام أيِّ نوعٍ من الرِّعاية لتلك المجموعات والمدارس، وأنَّ مهام المدرسة في تلك المناطق تتعدَّى حدود التَّربية والتَّعليم المعهودة إلى الحفاظ على الأطفال من الوقوع فريسة للتَّجنيد القسريِّ في صفوف الفرَق المتقاتلة.

(4) الإدارة غير المسلمة

     تبعاً للدَّعم الحكوميِّ لبعض المدارس الحكوميَّة فإنَّ الحكومة تعيِّن للتَّدريس بها معلِّمين من غير المسلمين، كما تُسند إدارتها إلى مديرٍ وإدارة غير مسلمة، وتُحوِّل إليها أعداداً من التَّلاميذ غير المسلمين، وربَّما يكون عدد المعلِّمين من غير المسلمين أكثر من المعلِّمين المسلمين بالمدرسة، والإشكال في هذا المقام واضحٌ؛ فالمعلِّم هو ابن عقيدته وثقافته ومنشئه، ويبدو الإشكال أعمقَ كما يذكر الباحث (كييمبا) في تفوُّق عدد التَّلاميذ غير المسلمين على المسلمين في بعض المدارس الواقعة في التَّجمُّعات ذات الأغلبيَّة المسلمة! ولا شكَّ أن التَّعليم الإسلاميَّ لا يمكنه تحقيق أهدافه في مثل هذا الظَّرف غير الخصب لنماء تربية إسلاميَّة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك