
هل تستطيع تركيا وروسيا معا إحداث فرق في سوريا؟
تسوّغ تركيا عودة العلاقات مع موسكو وطهران بخيبة الأمل في حلفائها الغربيين وحتى تتمكن من أداء دور وساطة فعال
نشرت جريدة (ميدل إيست بريفينج)، تقريرًا مهما استعرضت من خلاله التغيرات الأخيرة في مواقف الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، وكذلك نشأة تحالفات جديدة وأثرها على تطور الأحداث، وهل سيتمخض عنها خارطة طريق تنجح في إيجاد مخرج من الأزمة السورية المتشابكة الأطراف أم لا؟ ونظرًا لأهمية التقرير نلقي عليه الضوء من خلال الأسطر الآتية.
الوضع العاصف
يصف التقرير الوضع في سوريا (بالعاصف)؛ فالولايات المتحدة في سبيلها للتراجع عن دفعها المحموم – غير الواقعي – لتفعيل وقف إطلاق النار، حتى لو كان ذلك على حساب ترك مجالٍ أوسع لسيطرة الروس، كذلك أدرك الروس أنهم في طريقهم إلى مستنقع عسكري طويل المدى، تشكلت ملامحه في حلب إن لم تتصرف بشأن المسار السياسي، أما (الأسد) فقد استفاق من نشوة تقدمه في حلب على دقات ناقوس الخطر نتيجة الهجمات المضادة الناجحة للمعارضة، أما الأتراك فيغيرون مواقفهم بسرعة وسلاسة.
حسم الصراع
كما يذكر التقرير أنه صار من الواضح أن كل الأطراف أدركت استحالة فوز طرف واحدٍ دون الآخرين، وأن تطور الأحداث لتحويلها إلى معادلة صفرية لن يجدي أيًا منهم نفعًا، ما حدث في حلب كشف مواقف كافة الأطراف، فجاء محطمًا آمال قوات (الأسد) وحلفائه، الذي بدوره سيؤدي لبدء مفاوضات (ماراثونية) ذات طابع مختلف؛ ولكن من حيث المحصلة النهائية لكافة هذه التحركات، يجب أن نركز على عودة العلاقات التركية الروسية لكونه التغيير الأهم في الشأن السوري.
مفارقات مثيرة
ولعل أحد المفارقات المثيرة للدهشة أن موسكو، وليست واشنطن، وراء اقتناع القيادة التركية «المفترض أنها حليف للولايات المتحدة» مؤخرًا بتبني وجهة النظر الروسية الأمريكية بشأن الحل السياسي للموقف السوري، لكن في الحقيقة لم يكن (بوتين) يروج في محادثاته مع الرئيس التركي لموقف سياسي مشترك بين الدبلوماسية الأمريكية والروسية معًا، بل ببساطة كان يروج للأجندة السياسية الخاصة بموسكو في سوريا، والأسلوب نفسه الذي اتبعه مع وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) في إقناعه بالتخلي عن سياسات الولايات المتحدة السابقة وربط الموقف الأمريكي بنظيره الروسي.
تصريحات وتوجهات واحدة
وبات من الواضح الآن أن «القضاء على تنظيم داعش أولًا» أصبح توجهًا عامًا في السياسة الدولية، فضلا عن ضرورة وجود تحالف إقليمي لمحاربة التنظيم، كان ذلك موقف موسكو من البداية، ويبدو أن خطة (بوتين) كانت قائمة على إقناع الولايات المتحدة بسياستها في سوريا، من أجل تمرير استراتيجيتها بـ«القضاء على داعش أولًا»، وبالطبع ساعدته الظروف لاحقًا بانضمام الأتراك له في تأييد هذه الاستراتيجية، وبرفعه هذا الشعار، لم يعزز (بوتين) مصالح روسيا في محاربة الإسلاميين فحسب، لكنه وسع نطاق وجوده العسكري المباشر في الشرق الأوسط. لم يكن غرضه محاربة تنظيم داعش فحسب، بل تهيئة نقطة انطلاق؛ لتحقيق الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، ومن ثم تصبح روسيا لاعبًا أساسيًا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
لكن كيف سيؤثر ذلك على الأوضاع في سوريا؟
يذكر التقرير أن وصف محاربة تنظيم (داعش) بأنه أولوية يؤدي إلى افتراض ضمني أن هناك شيئًا ما سيأتي في المرتبة الثانية، عندما ندرس عن كثب تطور مواقف الولايات المتحدة وروسيا، فسوف نصل إلى فروق جوهرية بين الطرفين مختلفة تمامًا عن البدايات، لكن يرى بعض المراقبين، أنه على الرغم من أن هذه الاختلافات قد تبدو طفيفة في الوقت الراهن؛ إذ ما نزال في المرحلة الأولى، ليس من المستبعد أن تخرج هذه الاختلافات البسيطة عن حدود التوقع، وتؤدي إلى انفجار الأوضاع، ونسف كل المساعي سواء التسويات بين القوى الفاعلة، أم التحولات التي تحدث على أرض الواقع، كما أنه من الضروري الأخذ في الاعتبار احتمال أن روسيا ليست لديها أية أولويات أخرى.
ليست داعش وحدها
يضيف التقرير أن الأزمة ليست (داعش) وحدها، بل تعد (جبهة النصرة) أحد أهم العناصر التي ستظهر مدى صلابة العلاقات بين الأطراف الفاعلة، سواء كانت إقليمية أم دولية؛ فبمجرد التوصل لاتفاق مع روسيا يمكَّن من قصف داعش و(جبهة النصرة)، ستتمكن الولايات المتحدة من قصف الغالبية العظمى من الثوار في سوريا، مع العلم أن بعض هؤلاء الثوار تدعمهم أنقرة، وبعضهم الآخر قامت الولايات المتحدة نفسها بتدريبهم؛ إذ لا يزال هناك بعض الثوار من غير الإسلاميين مثل (الجيش السوري الحر) يحاربون (الأسد)، لكن معظم عناصر (الجيش السوري الحر) أجبروا على الانضمام إلى (جبهة النصرة) في تحالف غير متجانس يسمى (جيش الفتح)، جدير بالذكر أن (جبهة النصرة) أنشأت هذا التحالف لتحيط نفسها بمجموعة من الجماعات غير الإسلامية؛ كي تتجنب القصف الأمريكي لها.
النقطة المركزية
يذكر التقرير أن النقطة المركزية لتحقيق سلام في سوريا، بعد استبعاد تنظيم داعش وجبهة النصرة، هي إدراك الأطراف كلها استحالة تحقيق أهداف المرحلة الأولى كاملة، ما لم تعلن الأطراف المعنية بوضوح عن نواياها بشأن (المرحلة التالية)، أو بعبارة أخرى: لا يمكن بأي حال أن نتصور وحدة تجمع كافة أطياف الشعب السوري للتعاون في محاربة الجهاديين، دون إخبارهم مسبقًا كيف سيتم التعامل مع الديكتاتور الذي ثاروا عليه في الأساس، كما أنه لا يمكن تصور القضاء على الجهاديين من خلال الضربات الجوية الروسية، حتى لو انضمت لها تركيا والولايات المتحدة الأمريكية؛ فما حدث في حلب أكبر دليل على ذلك.
تخوفات وتفاؤلات
يعتقد الكثيرون في الشرق الأوسط أن (أردوغان) توصل إلى تعهد من (بوتين) خلال زيارته الأخيرة إلى (سان بطرسبرج) أن روسيا لن تدعم أي وجود كردي مستقل على الحدود التركية السورية، ويُعتقد أيضًا أن تركيا لن تشارك بشكل كبير في الحملة الروسية التركية على تنظيم داعش في الأراضي السورية، أو على الأقل في الوقت الراهن.
الفرق الحقيقي الذي يمكن أن تحققه تركيا بشأن الأزمة السورية والمنطقة عموما هو أن تكون جسرًا بين الأطراف كافة؛ فإذا استطاعت أنقرة أن تأخذ الخطوات الصحيحة خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيشكل ذلك خريطة سياساتها المستقبلية، ويمكنها بالفعل من أداء دور بناء، أما الافتراض بأن (أردوغان) سوف يُصَعِّد من حدة التوترات مع الغرب فهو افتراض مبالغ فيه لأسباب عدة :
- أولاً: أنه لا يتناسب مع دور الجسر الذي تدعيه تركيا الآن.
- ثانيًا: هناك علاقات متجذرة بين الطرفين ستكبح جماح أي سياسات متهورة من كلا الجانبين.
- ثالثًا: التوترات مع الغرب لا تخدم الموقف التفاوضي التركي مع روسيا وإيران.
من المفارقة أن احتمالات رسم خارطة طريق عملية وأكثر وضوحًا أصبحت ممكنة أكثر من ذي قبل، ولا يعني ذلك بالضرورة سهولة العقبات، بل إن تحرك الأطراف الفاعلة على الساحة السورية يتجه لأداء دور بناء سواء على الأرض أم من خلال القنوات السياسية.
خارطة طريق!
ولتحقيق توازن بين المبالغة في التفاؤل أو التشاؤم، جدير بالذكر ما صرح به رئيس الوزراء التركي أن بلاده وروسيا قد اتفقتا على كيفية حل الأزمة السورية، ولكن لا نريد أن نبالغ في التوقعات، وبعبارة أكثر دقة يمكن أن نقول إن تهيئة الظروف وإجراء تفاهمات لنزع فتيل التوتر على مدار عقد أو عقدين من الزمان، كفيل بحل الأزمة السورية، بما في ذلك القضاء على الراديكاليين.
ويختتم التقرير بالتأكيد على أن أية خارطة طريق من شأنها النجاح في حل الأزمة، يجب أن تنطوي على ثلاثة عناصر ضرورية: القضاء على تنظيم داعش، ورحيل (الأسد) عن السلطة، واتفاق كافة الأطراف الفاعلة على الساحة السورية على كيفية تطهير سوريا من التطرف، وإعادة إعمارها.
تقرير مترجم من موقع (ساسة بوست)
لاتوجد تعليقات