رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 28 مايو، 2025 0 تعليق

موقفان عظيمان

موقفانِ عظيمان يقفهُما العبد بين يدي ربِّه: أحدهما في هذه الحياة الدُّنيا، والآخر يوم يلقى الله -جل وعلا- يوم القيامة، ويترتَّبُ على صلاحِ الموقف الأوَّل، فلاحُ العبد وسعادتُه في الموقف الثَّاني، ويترتَّب على فسادِ حال العبدِ في الموقف الأوَّل، ضياعُ أمره وخسرانُه في الموقف الثَّاني.

  • الموقف الأوَّل: هو هذه الصَّلاة الَّتي كتبها اللهُ -جل وعلا- على عباده وافترضَها عليهم خمسَ مرَّاتٍ في اليوم واللَّيلة، فمَن حافظَ على هذه الصَّلاة، واهتمَّ لها، واعتَنى بها، وأدَّاها في أوقاتِها، وحافظَ على شُروطِها وأركانِها وواجباتِها، هانَ عليه الموقفُ يوم القيامة، وأفلحَ وأنجحَ، وأمَّا إذا استهانَ بهذا الموقف، فلم يُعْنَ بهذه الصَّلاة، ولم يهتمَّ لها، ولم يواظب عليها، ولم يحافظ على أركانها وشروطها وواجباتها عَسُرَ عليه موقف يوم القيامة.

الجليس الصالح

        روى التِّرمذي والنَّسائي وغيرهما عن حُرَيث بن قَبيصَة -رحمه الله- قال: أتيتُ المدينة فسألت اللهَ -جل وعلا- أن يرزقني جليسًا صالحًا، فجلستُ إلى أبي هريرة -رضي الله عنه -، وقلتُ له: يا أبا هريرة، إنِّي سألتُ الله أن يرزقني جليسًا صالحًا، فعلِّمني حديثًا سمعتَه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لعلَّ الله أن ينفعني به، فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ»، نعم، إنَّ مَن ضيَّع هذه الصَّلاة، واستَهان بها وفرَّط في أدائها، والمحافظةِ عليها حكَم على نفسه -شاء أم أبى- بالخسران المُبين في الموقف الثَّاني يوم يلقى اللهَ -جل وعلا-، وفي ذلك الموقف يندَمُ ولا ينفعهُ النَّدم. ذكر النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ».

موقفٌ عصيبٌ

        والموقف الثاني هو موقف يوم القيامة، فتفكَّر في ذلك الموقف فإنَّك واقفُه، موقفٌ عصيبٌ، موقفٌ مهيب، موقفٌ أتدري ما مقداره؟ إنَّ مقداره خمسون ألفَ سنةٍ، يقف النَّاس يومًا واحدًا مقداره خمسون ألفَ سنةٍ، كيف يقارن ذلك اليوم بأيَّامك في هذه الحياة؟! لنفرض أنَّك عشتَ ستِّين سنةً، أو سبعين سنةً، أو ثمانين سنةً، أو أقلَّ من ذلك أو أكثر، كيف تُقارِن تلك السَّنواتِ بذلك الموقف العَصيب؟ كيف تقارن تلك السنوات بيومٍ مقداره خمسون ألفَ سنةٍ؟!

        ثمَّ لو كان عمرك على سبيل المثال: ستِّين سنةً، فقد أمضيتَ ثلثها في النَّوم؛ لأنَّك تنام في اليوم واللَّيلة تقريبًا ثمانيَ ساعاتٍ، والنَّائمُ مرفوعٌ عنه القَلم، فمَن عاش ستِّين سنةً فقد نام في حياته عشرين سنةً، ومنها خمسَ عشرة سنةً تقريبًا في أوَّل الحياة العبدُ فيها ليس مكلَّفًا، فماذا بقي لك في هذه الحياة من سنوات؟!

        فاتَّقِ اللهَ في هذه الصَّلاة، وأعد نفسك للوقوف بين يدي الله -جل وعلا-، وعظِّم هذه الصَّلاة حتى يعظُم أمرُك عند الله، وتعلو مكانتُك عنده، وإيَّاك وإضاعتَها! فإنَّ إضاعتها الخسرانُ المبين، وقد ثبت أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَوْمُ القِيَامَةِ عَلَى المُؤْمِنِينَ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ»، وفي تحديد ذلك بما بين الصَّلاتين تنبيهٌ لمكانة الصَّلاة وأثرها في تحقُّق ذلك.

         وضياعُ الصَّلاة حِرمانٌ من كلِّ خيرٍ في الدُّنيا والآخرة وخُسرانٌ مبين، فإيَّاك أن تأبى لنفسكَ إلَّا أن تعيش الهوانَ، وتنالَ الذُّلَّ والخسران! فإنَّ مَن ضيَّع الصَّلاة حكمَ على نفسه بذلك، ورضي لنفسِه حياةَ الهوان، فأيُّ خيرٍ يُرتجى، وأيُّ فضيلةٍ تُؤمَل إذا ضُيِّعت هذه الصَّلاة الَّتي هي صلةٌ بين العبد وبينَ الله؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك