
من حقوق الأبناء: حسن الاستماع إليهم
لو طرحنا سؤالًا شائعًا: لماذا يفضّل الناس الذهاب إلى الطبيب الذي يستمع إليهم جيدًا؟! فالجواب أنّ الناس عادةً ما يفضلون الذهاب إلى الطبيب الذي يحسن الاستماع إلى شكواهم، وينصت إليهم؛ لأن هذا الاستماع يمنحهم قدرًا كبيرًا من الراحة النفسية، ويشعرهم أن هناك من يشعر بآلامهم، ويتفهم شكواهم، وفي الجهة المقابلة يستفيد الطبيب من إنصاته لمرضاه معرفة أعراض المرض تفصيلاً، وتلك هي أول خطوات التشخيص السليم؛ وإلا اشتبهت عليه الحالات، وتداخلت الأعراض، وبالتالي سيخطئ في تقرير العلاج المناسب لمرضاه!
وهذا بالضبط ما نحتاجه في بيوتنا، وما يطالبنا أبناؤنا به بلسان حالهم قبل مقالهم. إننا نحرص على الكلام وإصدار الأوامر والتعليمات، أكثر من حرصنا على الاستماع الجيد الهادئ لهم، ومحاولة تفهم حاجاتهم، فهلّا أنصفناهم واستمعنا إليهم؟
ضرورة للتواصل الجيد
حسن الاستماع ضرورة للتواصل الجيد مع الأبناء، فضلا عن أن حسن الاستماع هو صفة أخلاقية رائعة علينا أن نتحلى بها ونربي أبناءنا عليها، إلا أن حاجتنا -نحن المربين- إليها ماسّة وشديدة؛ حيث لا تتم عملية التواصل داخل الأسرة بنجاح دون إنصات الوالدين إلى الأبناء.
والاستماع الجيد مهارة تربوية مهمة لا يكلف المربي شيئاً سوى أن يصمت ويلقي سمعه لطفله، مقبلاً عليه بجوارحه مفسحاً له المجال ليتكلم ويعبر عن نفسه كما يشاء، ولتصله من والديه رسائل الاهتمام والمشاركة الوجدانية؛ وليتعرف أيضًا الوالدان من خلال الاستماع إلى هموم الأبناء واتجاهاتهم المختلفة في التفكير، وليعرفوا الفروق الفردية بينهم وبين أقرانهم، وليقفوا بأنفسهم على تطور نموهم العقلي والفكري في المراحل المختلفة.
ضرورة ملحة
حاجة الأبناء إلى الاستماع لهم ملحّة وضرورية؛ فالطفل إذا أراد أن يتحدث أو يُسَرِّي عن نفسه؛ فلن تفيده محاضرة وعظية في ضوابط الصواب والخطأ، بل يفيدك ويفيده أن تستمع إليه؛ فكل ما يحتاجه الطفل في تلك اللحظة أن تُلقي إليه السمع حتى يفرغ ما بداخله من ضغوط، وإلا قد يصاب الطفل بالكبت والانطواء، أو يبحث عن أذن تستمع إليه خارج المنزل، وتبذل له الإنصات والاحتواء، وهذا ما لا نريده، بل يجب أن يظل الوالدان هما أقرب الناس وأكثرهم استماعاً واحتواء لطفلهما لكي يظل تأثيرهما عليه هو الأقوى.
سمات الإنصات الجيد
هناك نوعٌ من الإنصات غيرُ جيد، كأن تستمع إليهم وأنت غير منتبه، أو تكثر من مقاطعتهم، أو تسخر مما يقولون، أو لا يتسع صدرك لحديثهم، ولكن لهذه المهارة مفاتيح تجعلك تتقنها وتصل من خلالها إلى عقل طفلك ووجدانه، مثل:
كن صبورًا
إنّ مهارة الاستماع الجيد تحتاج منك إلى التحلي بالصبر والانتظار والاستماع إلى أن يصل من يحدثك من أبنائك إلى الانتهاء مما يريد قوله والبوح به، وخلال ذلك لا تنتقد ما يقول، ولا تُصدر أحكاماً متسرعةً من خلال نصف حكاية؛ فإن ذلك الحكم المتسرع قد يدمر حاله النفسية؛ حيث تثير في نفسه شعوراً عميقاً بالظلم وعدم الإنصاف، وتذكّر أنّ دقائق قليلة تنصت فيها بصبر لولدك، قد تجعلك تتفادى تضييع ساعات طويلة في معالجة مشكلات نجمت عن قلة التواصل وعدم الإصغاء الجيد.
استمع وأنت تنوي راحته
الاهتمام الحقيقي هو أساس العلاقات البشرية كلها، وضمان القوة والاستمرار فيها؛ وذلك بأن يكون هناك اهتمام حقيقي بالابن وما يريده وما يعانيه، وأن تنوي بالفعل توفير الراحة النفسية له بكل السبل، ثم البدء في الاستماع إليه، اطلب إليه أن يحكي لك ما يريده من البداية إلى النهاية، واستمع إلى ما يقوله دون مقاطعة بأيّ كلمة، واعلم أن هذا هو ما يحتاجه الابن على الحقيقة، إنه في حاجة إلى من يستمع إليه، وإلى من يمنحه أذناً مصغية لأفكاره وهواجسه ولما يشكو منه.
أنصت ولو كان الكلام مملا
إذا وجدت أن ما تسمعه من ابنك مملاً أو مكرراً أو قليل الفائدة، أو حتى مستفزاً؛ فاحرص على ألا يدفعك ذلك إلى إلى الإعراض التام عنه، بل حاول أن تسأل نفسك: كيف يمكنني الاستفادة من حديثه؟ و اعلم أنه من خلال هذا الحديث يمكنك التعرف على نمط تفكير الابن، كما يمكنك التعرف على القيم الاجتماعية التي صارت سائدة في المجتمع وتتسرب إليه، ومن خلال ذلك كله يمكنك استخلاص مغزى مفيدا أو إخراج فكرة مفيدة؛ فليس من المستبعد أن تعثر على فكرة عظيمة في سيل من اللغو!
أنصت بجوارحك
بمعنى أن تتعلم مهارة الاستماع الكامل؛ فتستمع لكل شيء، استمع للغث والسمين، واستمع إليه وهو يتكلم معك عن يومه الدراسي وعن معاركه في اللعب مع الرفاق، وأنصت إليهم بلا لوم أو إصدار أحكام، واجعل الطريق مفتوحاً أمامهم للاستمرار في الحديث والتعبير عن مشكلاتهم ومشاعرهم، ولا تقاطع واستمع بأذني عطاء بن أبي رباح الذي كان يقول: «إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه قبل أن يولد؛ فأريه أني لا أُحسن منه شيئاً».
كن منتبهاً له
إنّ من أسرار تعديل السلوك أن تعطي انتباهك للطفل وتتفرغ له؛ فاترك اهتماماتك جانباً، واترك متعتك وأعمالك الخاصة، واترك هذا كله واستمع إليهم بعمق وبوعي وبتركيز، ولا تطلب إلى ابنك أن يسرع في إنهاء الموضوع، ولا تبتعد عنه جسمانياً أثناء حديثكما، وانظر إليه بعينين ملؤها الاهتمام والتركيز فيما يقول، وانظر إليه وتحدث معه ولاعبه؛ فإنك إن لم تعطه انتباهك بإرادتك فسوف يضطرك بسوء سلوكه لأن تعطه انتباهك رغماً عنك!
اجعلهم في دائرة الضوء
عندما تستمع لأبنائك اجعلهم في دائرة الضوء، وانتقل أنت إلى الظل قليلاً لتقوم بدورك في الإنصات فقط؛ فلكي تصبح مستمعاً جيداً تحتاج أول ما تحتاج إليه أن تسمح لهذا الضوء أن يسقط على أبنائك فترة إنصاتك لهم، وأثناء ذلك لا تفكر من أنت؟ وما مكانتك؟ وماذا تريد من أبنائك؟ وإنما فكّر فقط فيما يريدون إخبارك به؟ وأي شيء يودّون أن يقولوه لك؟
وأخيرًا أعزائي، إنّ الإصغاء الجيد للأبناء هو المهارة الصامتة للمربي الناجح، وهو خطوة ضرورية في طريق التربية الإيجابية الرشيدة ولا غنى عنه لنجاحها، وكما نخصص وقتاً للاهتمام بشراء ما يحتاجون إليه، ووقتاً آخر للعناية بصحتهم ونظافتهم؛ فكذلك علينا أن نخصص وقتًا للإنصات الجيد لهم، ومهما قل ذلك الوقت سيكون لهم وقتًا سعيدًا ونافعًا!
كيفية استثمار الوقت في التأثير على العلاقة مع الأبناء
- استشارة: في غمرة الانشغال قد لا أمتلك سوى القليل من الوقت للاستماع لأبنائي؛ فكيف أجعل هذا الوقت مؤثرًا في علاقتي بهم؟
- الجواب: أحسنت – عزيزي المربي – في حرصك على الاستماع لأبنائك، رغم ضيق وقتك، وإليك سمات (الإنصات الفعّال) التي تجعل من استماعك لهم خطوات راسخة نحو بناء علاقة متينة بينك وبينهم.
إنّ مفتاح الإنصات الفعّال يكمن في الرسائل غير اللفظية وفي الاتصال غير الشفوي الذي يرسله الأب لابنه من خلال الابتسامة، ولغة الجسد، وملامح الوجه، ونبرات الصوت المعبرة عن الحنان والمتابعة والتفهم لما يقوله الابن، ولنتصور تلك الرسائل أثناء جلسة هادئة يستمع فيها الأب لولده كالآتي:
اربط علاقة تواصل بين عينيك وعيني ابنك، وإياك أن تشيح بوجهك عنها؛ فإنّ ذلك يعني قلة اهتمامك به وقلة اعتبارك لشخصه.
احرص على اتصال جسدي بينك وبينه من خلال لمسة الحنان، وتشابك الأيدي، ووضع يدك على كتفه؛ إن ذلك من شأنه أن يدعم التواصل العاطفي بينكما، وبالتالي يفتح عنده أجهزة الاستقبال للرسائل التربوية الصادرة منك إليه.
علّق على ما يقوله – بين الحين والآخر – دون أن تسحب الكلام منه، مبدياً تفهمك لما يقوله من خلال حركة الرأس أو الهمهمة وغير ذلك.
ابتسم باستمرار، وأظهر ملامح الاطمئنان لما يقوله الابن، والانشراح بالإنصات له مع الحذر من إشعاره بأنك تتحمل كلامه على مضض أو أنه مضيع لوقتك. متى ما وضحت الفكرة وتفهمت الموقف، عبّر لابنك عن ذلك، وأعد عليه باختصار وبتعبير أدق ما يريد إيصاله إليك.
لاتوجد تعليقات