
من أقوال السلف في التعامل مع الحكام(2)
- منهج السلف السمع والطاعة في المعروف وعدم شق عصا المسلمين والنظر في عواقب الأمور
- ابن تيمية: من العلم والعدل المأمور به الصبر على ظلم الأئمة وجورهم كما هو من أصول أهل السنة والجماعة وكما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم
- ابن باز: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يُفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف
- ابن عثيمين: علينا ألا نتخذ من أخطاء السلطان سبيلًا لإثارة الناس فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس
- ابن عثيمين: ليُعلم أن من يثور، إنما يخدم أعداء الإسلام، فليس العبرة بالثورة ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة
ما زال حدثينا مستمرا حول أقوال السلف في التعامل مع الحكام، وقد ذكرنا أنه مما عُلِمَ بالضرورة من دين الإسلام: أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، والخروج على الحكام من أعظم أسباب الفساد التي تحلّ بالعباد والبلاد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: الخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم. وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: الإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر.
ومما ذكرنا من أقوال العلماء ووصاياهم في هذا الباب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله، والثناء عليهم بمحاسن أعمالهم، وتوقيرهم واحترامهم وعدم سبهم أو الاستخفاف بهم، والدعاء لهم، وعدم الدعاء عليهم؛ فيزداد البلاء والشر.عدم الخروج عليهم والصبر على ظلمهم
قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: أيها الناس إن هذا السلطان قد ابتُليتم به، فإن عدل كان له الأجر وعليكم الشكر، وإن جار كان عليه الوزر وعليكم الصبر، قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: من خرج على إمام من المسلمين، وقد كانوا اجتمعوا عليه، وأقرّوا بالخلافة بأيّ وجه كان بالرضا أو الغلبة، فقد شقّ هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن مات الخارجُ عليه مات ميتة جاهلية. وقال -رحمه الله-: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح برّ، ويستراح من فاجر.لا يحلُّ قتال السلطان ولا الخروج عليه
قال الإمام علي بن المديني -رحمه الله-: ولا يحلُّ قتال السلطان المسلم ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة، وقال مالك بن دينار: إن الحجاج عقوبة سلطه الله عليكم، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف، ولكن استقبلوها بالدعاء والتضرع، وقال الحسن: أرى ألا تقاتلوه؛ فإنها إن تكن عقوبة من الله، فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله، قال الإمام الطحاوي -رحمه الله- لا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، وقال الإمام الصابوني -رحمه الله-: يرى أصحاب الحديث: الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كلّ إمامٍ برًّا كان أو فاجرًا، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف. قال الإمام الخطابي -رحمه الله-: والنصيحة لأئمة المؤمنين، ألا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، وقال الإمام ابن عبدالبر -رحمه الله- إن لم يكن يمكن نصح السلطان فالصبر والدعاء، وقال الإمام النووي -رحمه الله-: الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-: في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور.الصبر على ظلم الأئمة وجورهم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: من العلم والعدل المأمور به الصبر على ظلم الأئمة وجورهم، كما هو من أصول أهل السنة والجماعة، وكما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث المشهورة عنه لما قال: «إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»، وقال: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه». إلى أمثال ذلك. وقال: «أدوا إليهم الذي لهم، واسألوا الله لكم»، وقال -رحمه الله-: مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة.النصيحة لأئمة المسلمين
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: وأما النصيحة لأئمة المسلمين، فالبغض لمن رأى الخروج عليهم، وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء... ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك. وقال -رحمه الله-: دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن، وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل، والضرب، والحبس، وأنواع الإهانة، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك، ودام الأمر بضع عشرة سنة.نصيحتهم في السر وعدم التشهير بعيوبهم
عن أسامة بن زيد، أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان - رضي الله عنه - لتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمُهُ إلا أُسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا لا أُحبُّ أن أكون أول من فتحه، قال السندي -رحمه الله-: نصيحة السلطان ينبغي أن تكون في السر، لا بين الخلق، وقال العلامة الشوكاني -رحمه الله-: ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد.ليس من منهج السلف التشهير
قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يُفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضرُّ ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان.لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلًا لإثارة الناس
قال العلامة العثيمين -رحمه الله-: لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلًا لإثارة الناس، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى.علينا أن نراجع أنفسنا
وختامًا ينبغي لنا أن نراجع أنفسنا، وأن نعرف أن ما أصابنا من جور الحكام فبسبب ذنوبنا، فلنتب إلى الله منها، يقول الحسن -رحمه الله-: اعلم عافك الله، أن جور الملوك نقمة من نقم الله -تعالى-، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تُتقى وتستدفع بالدعاء، والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب؛ فإن نقم الله متى لُقيت بالسيف كانت هي أقطع، ولقد حدثني مالك بن دينار أن الحجاج كان يقول: اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنبًا أحدث الله في سلطانكم عُقوبةً. ولقد بلغني أن رجلًا كتب إلى بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه: يا أخي، وصلني كتابك، تذكر ما أنتم فيه من جور العمال، وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أظنُّ الذي أنتم فيه إلا بشؤم الذنوب. والسلام. قال الإمام ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-: الله -تعالى- ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل.من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام
يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: وليُعلم أن من يثور، إنما يخدم أعداء الإسلام، فليس العبرة بالثورة ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة، وقال -رحمه الله-: لا نؤيد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيدها إطلاقًا، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لابدّ أن هناك أصابع خفية داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور.
لاتوجد تعليقات