رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالله الحامد 7 يناير، 2014 0 تعليق

من أزمة الجزائر إلى الخريف العربي- هل استفادت الحركة الإسلامية من التـاريـخ؟

قال صلى الله عليه وسلم : «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، وقد أمر الله تعالى أمته بالنظر والاعتبار على الأحداث الماضية حتى لا تتكرر عليهم الأزمات، وعليه نستعرض صفحة من صفحات التاريخ الحديث التي نكبت بها الحركة الإسلامية عندما حاولت مجاراة العالم بمنطق الديمقراطية والحريات المزعومة، ثم كان الجواب المعلن من قبل الغرب «لا حرية لأعداء الحرية»! حسب فهم للحرية الميكافيلية العربية.

     في مطلع عام 1989 تم الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وذلك بمادرة من عدد من الدعاة المستقلين من بينهم الدكتور عباس مدني، الذي أصبح رئيسا للجبهة، ونائبه الشيخ علي بلحاج.

     خاضت الجبهة الانتخابات البلدية في عام 1990 وحققت فوزا كبيرا في 856 بلدية، وبعد هذا الفوز بدأ الحزب الحاكم في الجزائر وهو (جبهة التحرير) يشعر بخطر الجبهة على وجوده في الحكم، وبدأت حكومة الجزائر تضع العراقيل في طريق تقدم الجبهة، وأصدرت نظاما جديدا للانتخابات.

     على إثر ذلك قامت مظاهرات كبيرة تطالب بالإصلاح، انتهت بمصادمات دامية بعد أن قابلتها بإطلاق النار، واعتقل على إثرها عباس مدني ونائبه بلحاج بتهمة التآمر على أمن الدولة.

     وعلى الرغم من اعتقال زعماء الجبهة، خاضت الجبهة الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب في الجزائر في 26 ديسمبر 1991، وحصلت على 188 مقعدا من أصل 228 في المرحلة الأولى، بينما لم يحصل الحزب الحاكم إلا على 16 مقعدا فقط.

     كان من نتيجة ذلك إلغاء الانتخابات، وكذلك تدخل الجيش وفرض الارتداد عن نهج تسليم السلطة سلميا للطرف الفائز في الانتخابات، وتشكيل جهاز جديد للحكم، وتشكيل سلطة مدعومة عسكريا، وبدأ اعتقال عناصر الجبهة القيادية والشبابية وإيداعهم في سجون نائية في قلب الصحراء، وأصدرت المحكمة الإدارية قرارا بحل الجبهة وسحب البساط من تحت أقدامها، حتى يمكن اتخاذ كافة الإجراءات لمصادرة نشاطها، وظل قادة الجبهة يعلنون أن الدولة الإسلامية في الجزائر قائمة لا محالة بهم أو بغيرهم اليوم أو غدا، وقد استقال الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بعد الفوز الساحق للجبهة، وتولى الحكم الرئيس محمد بوضياف الذي اغتيل فيما بعد.

موقف الجبهة من الأزمة:

إثر وصول الأزمة إلى ذروتها افترق الإسلاميون إلى طريقين في إدارة الأزمة:

- الطريق الأول كان خطاب الرفض ممثلا في الجبهة الإسلامية للانقاذ، التي تبنت طريق الممانعة والصمود، ورفضت أي حل يقفز على الشرعية التي اكتسبتها بالفوز الساحق في الانتخابات، وقد ارتكز موقفها على الآتي:

الجبهة هي الفصيل الأكبر في الساحة السياسية الجزائرية، التي نشطت وبعثت الحياة السياسية في الجزائر، وقد التزمت بالحوار مع النظام الجزائري.

الجبهة هي الممثل الشرعي للجماهير، وهي ملتزمة بالمسار الانتخابي، الذي فازت به بأغلبية ساحقة.

رفض الجيش خطاب الجبهة، وقام باعتقال الشيخ عبدالقادر حشاني - الرئيس المؤقت للجبهة - في 22 يناير 1992م، بتهمة تحريض الجيش على التمرد.

ثم بدأت اعتقالات عامة في الجبهة؛ حيث تم اعتقال الآلاف، وهنا دخلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في محنة وصراع مع القوى العلمانية العسكرية في الجزائر.

     بقية القصة يعرفها الجميع؛ حيث أخذ الصراع منحى مسلحا ألقى الإعلام فيه باللائمة على الجبهة، ونسب إليها كل نقيصة مستغلا تصريحات بعض القادرة وتورط بعض الأعضاء والمناصرين في عمليات مسلحة وصلت دروتها بعد تكوين (الجيش الإسلامي) الذي قاتل الجيش الجزائري، واستمرت الحرب بينهما أكثر من عقد من الزمان.

     كان موقف الجبهة المعلن والثابت هو نبذ العنف ورفض خطاب الحرب من قبل المجموعات المسلحة، بل والتشكيك كثيرا في كون هذه المجموعات وليدة الأزمة وليست صناعة مخابراتية، وهو الشيء الذي تضافرت حوله شهادات الكثير من المراقبين والمسؤولين.

مبادرة الجبهة (عقد روما)

وقد بلورت الجبهة مبادرة شهيرة عرفت باسم (عقد روما)، الذي نص على أن:

- تلتزم الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعدم محاولة الاستحواذ على السلطة بالقوة، كما تندد بالمسلك الحالي الذي ينتهجه الجيش الجزائري بالبقاء في السلطة بالقوة، مهدرا شرعية الاستحقاق الانتخابي للجبهة.

- ترفع الجبهة الإسلامية عقيرتها منادية بالسلام وإطلاق السجناء السياسيين، وتطبيع الحياة السياسية من أجل الخروج من هذه الأزمة، وتؤكد أن النظام هو الصانع الحقيقي للعنف الذي بدأ منذ إلغاء الانتخابات، والقاعدة الشرعية تقول: المتسبب كالمباشر، فالنظام بإلغائه هذا هو المتسبب والمباشر لهذا العنف.

بالطبع فإن الجيش واصل القمع والعنف ولم تبدر منه أي بادرة تهدئة.

     لكن عنف الجيش لم يكن السبب الوحيد لتأزم الموقف، يقول الدكتور القرضاوي في برنامج (الشريعة والحياة) بعد محاولات عديدة للوساطة عبر أطراف داخل الجزائر وخارجها: لاشك أن الجبهة الإسلامية، كما أشار الشيخ الزاوي نفسه (المتحدث باسم الجبهة) تتحمل قدرا من المسؤولية فيما حدث، وأقول: إن خطابها كان صداميا، ولعل الناحية السياسية لم تكن قد نضجت، فأول مرة يشارك فيها الإسلاميون، فلم يكونوا يعرفون كيف تدار الدنيا، وأنا حاولت في الحقيقة التفاهم مع بعض القيادات هناك، وقلت لهم: إنه لابد أن تعرفوا أن الدنيا تحكمها قوى، لسنا القوة الوحيدة فيها، وكان الشارع الجزائري معهم، فظنوا أن كل شيء انتهى. كانوا يهاجمون كل القوى، فلا داعي لمهاجمة الشاذلي بن جديد، هاجموا الجيش، وهاجموا فرنسا، وهاجموا كل القوى.

     كذلك الجبهة لم تحاول التفاهم مع الجماعات الإسلامية الأخرى، وحاولنا إقناعهم بالاستفادة من كل القوى القريبة منها، حتى ولو لم تكن إسلامية خالصة، فلم يكن الإخوة في الجبهة على هذا المستوى.ا هـ.

الموقف الآخر لإسلاميي الجزائر (تيار الإخوان المسلمين)

     عندما أعلنت الجبهة الإسلامية عن الدعوة للإضراب العام احتجاجا على قانون الانتخابات، رفضت حركة (حماس) ذلك ورأت أن الوقت غير ملائم لذلك، وقررت الحركة خوض الانتخابات بالترشيح في ثلثي مجموع الدوائر الانتخابية 366 دائرة من بين 529 دائرة بعد أن فشلت في التنسيق مع الأحزاب الإسلامية الأخرى، وأهمها جبهة الإنقاذ الإسلامية، كما قامت الحركة بإصدار برنامجا انتخابيا لها يحدد مواقعها ويطرح البديل الإسلامي للتعاطي مع مشكلات ومعطيات الواقع الجزائري.

     وقد حاولت بعض الحركات الإسلامية فتح حوار بين السلطة وجبهة الإنقاذ الإسلامية لإنهاء الأزمة قبل تدخل الجيش، إلا أن الجبهة الإسلامية رفضت وساطة هذه الفعاليات.

     وفي تأييده لتدخل الجيش، قال الشيخ محفوظ  نحناح زعيم (حركة حماس): كاد المجتمع الجزائري أن يتمزق إربا إربا، ثم كان من الممكن في حال استمرار انفجار الوضع الجزائري أن تتدخل قوة خارجية، ومن هنا قد قلت ومازلت أقول: إن تدخل الجيش كان حكيما لولا بعض التجاوزات من بعض أفراده تجاه الذين لا علاقة لهم بالإنقاذ، ونحن نؤمن اليوم بالقانون والدستور الجزائري، ولابد أن يحترمها الجميع بما في ذلك المعارضة والجيش والسلطة الجزائرية.

     وبرر الشيخ نحناح انخراطه في العملية السياسية بمحاولة المحافظة على المكتسبات الدستورية للإسلاميين من خلال مواد الهوية، التي تنص على عروبة الجزائر وإسلاميته، يقول في حوار مع الجزيرة، ردا على سؤال عن مكتسبات مشاركتهم في الحكومة: استطعنا أن نؤسس مرة أخرى في الدستور أن الجزائر أرض الإسلام وليست أرضل أهل كتاب أو كفر، واستطعنا أن نؤكد في الدستور أن الإسلام دين الدولة، وأن العربية هي اللغة الرسمية والوحيدة لدى الشعب الجزائري، هذه مسائل نعدها ذات أهمية كبرى، والآن ننتقل لمرحلة الدخول في حوار نصل من خلاله إلى إجماع الجماعة الوطنية.

تقييم الإخوان لتجربة الشيخ نحناح واجتهاداته في أزمة الجزائر

     تقول الموسوعة الإخوانية (إخوان ويكي): بعد شرح هذه الاستحقاقات الانتخابية تمثل الحركة (حمس) الاتجاه الإسلامي المعتدل، فقد حاول مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح أن يقدم صورة مغايرة لحركته؛ بحيث تكون بديلة عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ظل الانفتاح على العالم، والذي تتمتع به الحركة ترفع خطاب التسامح والحوار مع الديمقراطيين والعلمانيين.

وقد عملت حركة مجتمع السلم على تحقيق الإنجازات التالية:

- إنقاذ المشروع الإسلامي من الزوال، ووصفه بالعنف والإرهاب، وإعطاء صورة صحيحة عن الإسلام والمشروع الإسلامي.

- تدريب أكبر عدد ممكن من التيارات الإسلامية في مؤسسات الدولة.

- إدخال اجتهادات جديدة في منظومة الحركة الإسلامية السياسية.

- الانفتاح على المؤسسات الوطنية والدولية، والدفاع عن الإسلام في المواقع غير الإسلامية.

- ترسيخ قيم المشاركة والشورى والديمقراطية والإسلام والتعايش والنضال الدستوري السلمي والحوار، وقبول الرأي الآخر.

- تحرير الحركة الإسلامية من كلمة الإرهاب، وتأكيد مفاهيم المصالحة الوطنية.

     ويصف المستشار العقيل أحد قيادات الإخوان موقف نحناح قائلاً: كان همه المحافظة على الدولة الجزائرية؛ لأن طروحات التقسيم وطروحات اللادولة، وطروحات الفوضى في إدارة الدولة وتسيير الدولة، فرضت فرضا جديدا على الجميع، وهو حماية الدولة الجزائرية من الانهيار بعد عملية الانزلاق؛ مما اقتضى نوعا من فقه الأولويات، فقه درء المفاسد المقدم على جلب المصالح.

     ويقول عبدالحميد عثماني في مقال له منشور على إسلام أونلاين بعنوان: (إخوان الجزائر) شيء من التاريخ لفهم المستقبل السبق بإعلان تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ وما نجم عنه من استئثار بالوعاء البشري للصحوة واستيعاب أبنائها المتعطشين للعمل العام، وفتح شهية قيادة (الفيس) على استعجال النصر واستعداء الجميع، بدءا بالمقربين منهم، ولاسيما بعد الانتخابات المحلية لشهر جوان 1990، التي اكتسحتها الجبهة إثر دعوة شيوخ الحركة الإسلامية الآخرين بمختلف توجهاتهم للتصويت على قوائم الحزب الإسلامي الوحيد، الذي يخوض غمار الانتخابات، لكن النجاح الجماعي أغرى شيوخ (الفيس) بفرض قناعتهم السياسية على رفقاء الأمس؛ مما عرض منجزات الدعوة المتراكمة طيلة عقود إلى مخاطر الاستدراج والمواجهة المكشوفة، بفعل نهج المغالبة وغرس روح العنف والتطرف وسط أبنائها، نتيجة الغرور والغباء وعدم إدراك محاذير اللعبة السياسية، وإكراهات الواقع الإقليمي والدولي آنذاك. بعد استنفاد كل سبل النصح والتنبيه إلي مخالفة تيار التهور.

     يعقب الكاتب على موقف الشيخ نحناح قائلاً: كان تعقل الشيخ محفوظ نحناح وثباته في طريق التأني والسلامة، يطهر كنوع من الخوف والتردد غير المبرر، بل هو في منظور بعض الحاقدين من أصحاب السرائر السقيمة خيانة وبيع وذمة للسلطان الذي ناصبه المتهم الخلاف منذ ريعان شبابه الباكر!

     بعد هذا الاستعراض السريع لمسار الحركتين الكبيرتين الذين مثلتا وجهتي النظر الرئيسة في التجربة الجزائرية يحق لنا أن نذكر طرفا من الدروس المستفادة من هذه التجربة الأليمة.

1 - ينبغي على الحركات الإسلامية أن لا تغالي في الخطاب الوعظي والشحن العاطفي، الذي لا يمكن السيطرة عليه بأي حال من الأحوال؛ إذ أن الفشل في إدارة توحش هذا الشحن ينعكس بصورة سلبية على الفرد من ناحية الاتزان النفسي والفكري، أو على المجتمع من ناحية الاحباط، الذي يدفع إلى الغلو والتطرف.

الأمثلة على ذلك كثيرة، مثل التوحش الذي حدث تحت تأثير الخطاب العاطفي المكثف لقيادات الجبهة، والذي عانى الجميع منه.

2 - الارتباط دائما في المجال السياسي بخطط منطقية متدرجة وخطاب عقلاني يثبت نجاحه في شحن المجموع الصلب وتكوين التجمعات الفاقهة.

3 - ينبغي تنقية المجموع من الأفكار الشاذة ولو على حساب الجماهيرية، ومحاصرة الغلو ولو أدى ذلك لإضعاف الانتشار بصورة ما.

4 - ربما يظن البعض أن ثبات الجبهة الإسلامية للانقاذ على التمسك بالشرعية حتى اليوم هو شيء محمود مطلقا، لكن الحقيقة أن ثمة تكلس أصاب الجبهة ومشروعها، بالطبع لا يمكن انكار دور الجيش والحكومة والقمع الأمني العنيف في إفشال مشروع الجبهة السياسي، لكن حتى التنظير لم تتقدم فيه الجبهة خطوة للأمام.

5 - ثمن مشاركة (حمس) في الحكومات الجزائرية كان غالبا، يعلل المقري ذلك بقوله: استعملت السلطة الحاكمة مواقف الحركة ووظفت مواجهاتها الفكرية مع منهج التطرف بكل تفاصيله لتغليب الكفة لصالحها على حساب الحركة الإسلامية بكل تشكيلاتها بما فيها (حمس).

6 - سببت مواقف الحركة ومقولات الشيخ نحناح إحراجاً سياسيا وأخلاقيا لدى الحركة مع نظرائها الإسلاميين؛ كذلك فإن سلوك الشيخ نحناح في اتجاه محاولة كسب المؤسسة العسكرية، حتى تفسح له المجال ليكون بديلا لجبهة التحرير الوطني، وجبهة الإنقاذ - لا يبرره اعتباره - رد فعل عن الإيذاء الشديد الذي تعرض له من طرف قيادات الإنقاذ.

     لا أجد خيرا من هذه النصوص ختاما لهذا الموجز، أظنها معبرة بحق في دولة القانون الحقيقية، شرعية ومشروعية السلطات مضمونة أساسا عبر النتائج الكاملة والتامة، التي تأتي عن طريق صندوق الانتخابات، ولا يمكن أن ننكر أنه كل من حريات الرأي والتعبير والإنجاز يكونون وقودا لمحركات نمو الأمم، لما طرح بوضياف سؤاله: إلى أين تسير أو تذهب الجزائر؟ وما هو مصيرها؟

     يبدو أنه كان يجهل بقبوله رئاسة مؤسسة فاقدة للشرعية، وغير قانونية (المجلس الأعلى للدولة) وضع الجزائر على سكة (اللاقانون)، بل أرساها بمرفأ الدكتاتورية (دكتورية لقيطة)، وأسهم في تجميد حراكها آنذاك. توقفت الجزائر عن التحرك والتقدم وشلت الجزائر عن النشاط والسير إلى الأمام وبقيت تراوح مكانها.

فالسؤال: إلى أين تسير الجزائر؟ لا يزال يشكل طرحا فارغ المحتوى والمعنى لبلد مجمد الحراك، موقثف النشاط في كل هياكله مصاب بإعاقة تامة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك