
مكارم الأخلاق (2)
في مطار بيروت، كانت الأمور طبيعية، أنهينا إجراءات الدخول، وأخذنا حقائبنا، أنهى صاحبنا إجراءات تأجير المركبة في طريقنا إلى المنزل في (عجلتون)، كنا نتابع مناظر البلد، بيوتها، إعلاناتها، شرفات المنازل، لم يتغير شيء، كأنما توقف الزمن عندهم، منذ عشر سنين، مع انتشار غطاء من الاكتئاب والحزن في سماء المدينة، رغم أن الطقس كان جميلا، مع زخات خفيفة من الأمطار.
في المساء اجتمعنا على عشاء خفيف في (زيت وزعتر). تابعنا حديثنا عن (مكارم الأخلاق).
- لا شك أن حسن الخلق، ينفع العبد في دنياه وآخرته، فإن لم يكن مؤمنا بالله، بمعنى كان مشركا، ولكن ذا خلق حسن، من الكرم والصدق والشجاعة والأمانة والمروءة وحسن التعامل، فإنه ينال جزاءه في الدنيا (بحسن الذكر)، و(تخليد الاسم)، أما في الآخرة فإن حسن الخلق لا ينفع مع الشرك بالله، كما في حديث عدي بن حاتم الطائي (مضرب المثل في الكرم)، وكان صحابيا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال له: «يا رسول الله إن أبي كان ليصل القرابة ويحمل الكلّ ويطعم الطعام قال: هل أدرك الإسلام (هل أسلم؟) قال: لا، قال: إن أباك كان يحب الذكر (فناله)» وفي رواية الإمام أحمد «إن أباك طلب شيئا فأصابه» (حسنه الأرنؤوط).
- وماذا عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إن خلق الإسلام الحياء»؟
- نعم هذا الحديث يرويه عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل دين خلقا وإن خلق الإسلام الحياء» (صحيح الجامع).
فالحياء رأس كل خلق حسن، ولا يأتي الحياء إلا بخير، ويكفي في الحياء هذا الحديث، فهو خلق الإسلام؛ ولذلك من فقد (الحياء) لا يتورع عن ارتكاب كل ذنب، كما في الحديث عن عقبه بن عامر] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فافعل ما شئت» (البخاري) ففيه تهديد ووعيد (افعل ما شئت)! ومعنى (من كلام النبوة الأولى)، من كلام الأنبياء وما أتوا به من شرائع لم تنسخ وتتفق مع ما جاءت به شريعة الإسلام، وأن ما من نبي إلا وقد حثّ على الحياء.
- وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق» (صحيح المسند)، وفي رواية: «إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء»، وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها» السلسلة الصحيحة يقول العلامة المناوي: أي: رديئها وحقيرها وفاسدها، فمن تخلق بمكارم الأخلاق أحبه الله ومن كانت أخلاقه رديئة أبغضه الله!
وضع الشاب المكلف بخدمتنا الطلب، مناقيش زعتر وطبق من الخيار والطماطم وصفيحة جبن مع الزعتر، وإبريق شاي!
- إن مكارم الأخلاق لها مكانة عظيمة في دين الله، وهكذا ينبغي أن تكون عند كل مسلم، وعلى العبد أن يحافظ على ما وهبه الله من خلق حميد، ويكتسب ما ينقصه.
- وهل الأخلاق فطرية أم مكتسبة؟
- قد تكون فطرية، وقد تكون مكتسبة، ولكنها من التكاليف التي يثاب عليها العبد ويحاسب عليها يوم القيامة، في الحديث عن الوازع بن عامر] يقول: عندما قدمنا المدينة -وفد عبد القيس- مسلمين جعلنا نتبادر من رواحلنا (نستعجل بالذهاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) نسلم عليه ونقبل يده، إلا المنذر الأشج، أتى راحلته فلبس ثوبيه، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم - في ثياب حسنة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إن فيك خلتين، أو خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، فقال: الحمدلله الذي جبلني على خلّتين يحبهما الله ورسوله» (صحيح أبي داود)؛ فالمسلم يبحث في أخلاقه، يثبت الحسن منها، ويتخلص من السيء، ويكتسب ما ينقصه، حتى يكون (أكمل ما يستطيع)، في الأخلاق الحسنة كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا».
والحديث الآخر: «خياركم أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، وشراركم الثرثارون المتفيهقون المتشدقون» (صحيح الجامع).
سأل أبو مساعد:
- (الموطؤون أكنافا)، ما معناها؟
- لغة (الكنف) هو جانب البهيمة ودابة موطأة الكنف: أي سهلة الركوب، والمقصود أن المؤمن سهل لين سمح كما في حديث ابن مسعود قال - رضي الله عنه -: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هيّن سهل» (صحيح الترمذي).
وفي رواية: «حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس» (المسند - صحيح).
أكملنا الحديث ونحن نستمتع بأول وجبة لنا في لبنان!
- وفي الحديث عن أسامة بن شريك رضي الله عنه : «قالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن» (صحيح ابن ماجه.
وفي المقابل سوء الخلق يحبط العمل ويفسده، كما في حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما-قال -صلى الله عليه وسلم -: «وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل» (السلسلة الصحيحة)».
لاتوجد تعليقات