رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 13 مايو، 2025 0 تعليق

 مقومات … الحضارة الإسلامية

  • من خصائص الحضارة الإسلامية أنها عالمية الرسالة فالقرآن الكريم أعلن وحدة النوع الإنساني رغم تنوع أعراقه ومنابته ومواطنه
  • عندما اتخذت الحضارة الإسلامية من الإيمان ركيزة لها إنما استهدفت أن تحمي كيانها بسياج منيع من القيم الروحية والأخلاقية والمثل الكريمة حيث لا خير في علم دون خلق ودين
  •  حضارتنا حضارة إنسانية محضة تستهدف أولاً وآخراً سعادة الإنسان وخيره في الدنيا والآخرة
  •  الحضارة الإسلامية عالمية وشمولية وإنسانية صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية وعلى مر الأزمان فهي رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات
  •  الفوزان: الإسلام علم الأميين الذين كانوا جهالا يعيشون على هامش الأمم حتى صاروا علماء الدنيا وقادة الدعوة فتحوا القلوب والبلاد حتى صاروا سادة الدنيا ومعلمي الإنسانية ونشروا العلم والإيمان
  • حضارتنا الإسلامية حضارة إنسانية محضة تستهدف سعادة الإنسان وخيره في الدنيا والآخرة والرحمة به والحفاظ على كرامته والنهوض بمستواه الروحي والفكري والاجتماعي والاقتصادي
  • حضارتنا حضارة تسامح لا حقد فيها ولا كراهية وبهذا التسامح والروح الطيبة نظر الإسلام إلى أهل الذمة والمعاهدين فكفل لهم الحقوق كاملة

مما لا شك فيه أن أمَّة الإسلام قدمت أروع حضارة عرفتها البشرية، حضارة أعطت كل ذي حق حقه وذلك امتثالاً لأمر الخالق -سبحانه-، وهي حضارة تُعلِي من القيم الجمالية، ما كان منها أخلاقيًّا نافعًا، يخدم الإنسان ويعمّر الأرض ويثري الحياة، ويعطيها معنًى يعزُّ في غيرها من الحضارات؛ فحضارة الإسلام نصرت المظلوم، وأشاعت الحرية، وأعطت حق الحياة تحت راياتها لكل من عاش في كنفها، لا يُظلم، ولا يُهان، بل يعيش مصان الحقوق في أمنٍ قَلَّ أن يجده في غيرها.

1- الحضارة الإسلامية حضارة ربانية

        حضارتنا الإسلامية حضارة ربانية، تؤمن بالله، ورسالاته، وأنبيائه-عليهم الصلاة والسلام-، وتهتدي بهدي خاتم المرسلين- صلى الله عليه وسلم -، والحضارة الإسلامية عندما اتخذت من الإيمان ركيزة لها، إنما استهدفت أن تحمي كيانها بسياج منيع من القيم الروحية، والأخلاقية، والمثل الكريمة؛ حيث لا خير في علم دون خلق ودين، ولا خير في عمران يجلله كفران، والإيمان لا يتعارض مع العقل، فليس في الإسلام ثمة تعارض بين الإيمان والعقل، وعندما نصف الحضارة الإسلامية بأنها حضارة إيمان فإننا لا نعني أنها حضارة تهمل المادة أو تتقاطع مع الكشوف والمخترعات، إنما تعطيها قدرها من التقدير والاهتمام لدورها البارز في بناء العمران وسعادة البشر، كما أن حضارة الإيمان لا تعني التواكل والانصراف عن العمل والإنتاج، فحضارتنا الإسلامية حضارة إيمان وعمل وإنتاج بكل إخلاص وجدية.

       لقد تفردت حضارتنا الإسلامية بكونها الحضارة العالمية التي تبلورت وازدهرت في ظل المرجعية الدينية، فلم يكن نهوضها وازدهارها كغيرها على أنقاض الدين، وعمل الثورة على الدين كما حدث في أوروبا إبان عصر النهضة، فهي قائمة على الإيمان، الإيمان بالله ورسله وملائكته، وكتبه واليوم الآخر، وهذا ما فضلها عن سائر الأمم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110)، فهي حضارة قائمة على الإيمان بوحدانية الله ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولكون الشريعة اتسمت بالربانية، وبأن الله هو مصدرها، فهي مبرأة من كل نقص، لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا بينت حكمها، وجاءت خالية من كل جور وهوى، ولا تفرق بين الناس لمنصب أو جاه، ولذا اكتسبت أحكامها هيبة واحترامًا في نفوس المؤمنين بها دون قسر لهم، أو إكراه لهم.

2- الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية

     إن حضارتنا حضارة إنسانية محضة، تستهدف-أولاً وأخيراً-سعادة الإنسان وخيره في الدنيا والآخرة، والرحمة به، والحفاظ على كرامته، والنهوض بمستواه الروحي والفكري والاجتماعي والاقتصادي؛ لذلك نجد أن الدنيا والآخرة في ظل هذه الحضارة تتكاملان ولا تتقاطعان، فهما حسبة واحدة، وطريق واحد يبدأ في الدنيا وينتهي في الآخرة، لقد جاءت حضارتنا لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، بعد أن استُعبد الإنسان من أخيه الإنسان، فجاء الإسلام وأرسى المساواة بين البشر فلا فرق بين عربي ولا أعجمي، ولا أبيض، ولا أسود إلا بالتقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} (الحجرات: 13).

3- حضارة الإسلام حضارة عالمية وشمولية

        من خصائص الحضارة الإسلامية أنها عالمية الأفق والرسالة، فالقرآن الكريم أعلن وحدة النوع الإنساني، رغم تنوع أعراقه ومنابته، ومواطنه، في قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)،  وحين أعلن القرآن هذه الوحدة الإنسانية العالمية على صعيد الحق والخير والكرامة جعل حضارته عقدًا تنتظم فيه جميع العبقريات للشعوب، والأمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الإسلامية، ولذلك كانت كل حضارة تستطيع أن تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد، وأمة واحدة، إلا الحضارة الإسلامية، فإنها تفاخر بالعباقرة الذين أقاموا صرحها من جميع الأمم والشعوب، فأبو حنيفة ومالك والشافعي، وأحمد، والخليل وسيبويه والكندي والغزالي والفارابي، وابن رشد، وأمثالهم ممن اختلفت أصولهم، وتباينت أوطانهم ليسوا إلا عباقرة قدموا الحضارة الإسلامية إلى الإنسانية أروع نتاج الفكر الإنساني السليم.

4- الحضارة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان

        لما كانت الحضارة الإسلامية عالمية وشمولية وإنسانية، فإن مقتضى ذلك أن تكون صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية، وأن تكون كذلك صالحة عل مر الأزمان باعتبارها رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات، فلا تحدها حدود مكانية، ولا حدود زمانية فكل مكان من الأرض هدف لإقامة الحضارة الإسلامية عليه، وكل زمان من الدهر هدف لإقامة الحضارة الإسلامية فيه.

5- الحضارة الإسلامية حضارة أخلاقية

          الحضارة الإسلامية حضارة أخلاقية فقد جعلت للمبادئ الأخلاقيَّة المحلَّ الأول في كلِّ نظمها، ومُختلف ميادين نشاطها، وهي لم تتخلَّ عن هذه المبادئ قطُّ، ولم تجعلها وسيلة لِمنفَعة دولة أو جماعة أو أفرادٍ، في الحُكم، وفي العلم، وفي التشريع، وفي الحرب، وفي السلم، وفي الاقتصاد، وفي الأسرة، لقد رُوعِيت المبادئ الأخلاقية تشريعًا وتطبيقًا، وبلغت في ذلك شأوًا ساميًا بعيدًا لم تبلغْه حضارة في القديم والحديث، ولقد تركت الحضارة الإسلامية في ذلك آثارًا تستحق الإعجاب، وتجعلها وحدَها من بين الحضارات التي كفلت سعادة الإنسانية سعادةً خالصةً لا يشوبها شقاء.

6- الحضارة الإسلامية متطورة

        لما كانت رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاتم الرسل، فإن من الضروري أن تكون الحضارة القائمة على هذه الرسالة حضارة متطورة تستطيع أن تسع كل تطورات الحياه الإنسانية، بحيث تواجه ما يجده في حياة البشر من تطورات في شتى المجالات، ولا تقف جامدة أمام متغيرات الحياه البشرية في واقعها الفردي والاجتماعي؛ ولذلك أقامت أساس تشريعاتها، وقوانينها، وآدابها، على أصلين ثابتين هما: الكتاب والسنة، فترى المبادئ والأصول الكلية جميعها تعود إليهما، ومن ثم فإن علماء المسلمين في استجابتهم لدعوة الله قاموا بوضع الكثير من قواعد التشريع وأصوله، ليواجهوا ما يستجد في حياة الناس من وقائع وقضايا، مما لم يرد فيه نص قاطع من الكتاب والسنة، وكذلك اجتهد المسلمون في مواجهة متغيرات الحياة اجتهادًا واسعًا، استجابة لدعوة الخالق لهم لإعمال العقل والنظر في الكون من حولهم.

7- الحضارة الإسلامية حضارة العلم والعمل

        عني الإسلام عناية كبيرة بالعلم، وإن أولى آيات القرآن تحث على التعليم، قال - تعالى -: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (العلق)، وقد أكد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل السعي في طلب العلم: «من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، فالعلم يمثل مقومًا مهمًّا من مقومات البناء الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات؛ لما يترتب عليه مفاهيمه وتطبيقاته من آثار واضحة على مسيرة الإنسان الحضارية.

        كما إن الحضارة الإسلامية حضارة علم فهي كذلك حضارة تدعو إلى العمل والاجتهاد {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (الكهف: 30)، ولولا ذلك لما خرج من ظل الإسلام كل هؤلاء العلماء الذين أثروا البشرية جمعاء بعلمهم واكتشافاتهم التي لا زالت تدرس في الجامعات العالمية حتى اليوم.

8- الحضارة الإسلامية حضارة الوسطية

       الوسطية سمة أساسية لدين الإسلام، بنيت في ضوئها التشريعات الإسلامية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143)، وقد جعل الله - تعالى - هذه الأمة في منزلة وسطى بين المنزلتين، فلا هي إلى الغلو المفرط، ولا هي إلى التهاون المفرط، وتتمثل هذه الوسطية في العقيدة الإسلامية الواحدة، وفي العبادات والتيسير فيها، وفي المعاملات وصورها، وفي التدرج في أحكام الشريعة، وفي السلوكيات الإسلامية التي ترفض التشدد، وفي توجيهات الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وكل جزئية منها تحتاج إلى بسط وتفصيل، لكن مقامها ليس هنا.

9- الحضارة الإسلامية حضارة الشمول والتوازن

         حضارتنا خاطبَت العقل والقلب معًا، وأثارت العاطفة والفِكر في وقت واحد، وهي مَيْزة لم تشاركها فيها حضارة في التاريخ، وسِرُّ العجب في هذه الخِصِّيصة من خصائص الحضارة الإسلامية: أنَّها استطاعت أن تنشئ نظامًا للدولة قائمًا على مبادئ الحقِّ والعدالة، مرتكزًا على الدِّين والعقيدة، دون أن يُقيم الدين عائقًا من دون رقيِّ الدولة واطراد الحضارة، بل كان الدين من أكبر عوامل الرُّقي فيها، فمن بين جدران المساجد في بغداد ودمشق والقاهرة، وقرطبة وغرناطة انطلقت أشعة العلم إلى أنْحاء الدنيا قاطبة.

10- الحضارة الإسلامية حضارة التسامح

         حضارتنا حضارة تسامح، لا حقد فيها، ولا كراهية، وبهذا التسامح والروح الطيبة نظر الإسلام إلى أهل الذمة والمعاهدين، فكفل لهم  الحقوق كاملة، ومنع من الاعتداء عليهم بغير حق؛ لذلك كانت إسهامات أهل الذمة في الحضارة الإسلامية جادة، ومؤثرة، وواضحة، ومن الأمور الشائعة في مؤلفات المسلمين -مثل عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة- أن نجد الكاتب المسلم يكيل المديح لأحد أطباء اليهود أو النصارى ويثني عليه بما هو أهله من الفضل والعلم، مما لا نجد له نظيراً-مطلقاً-في تراث العصور الوسطى جميعها.

ابن باز: الأمة بحاجة إلى قادة وعلماء يعرفون حضارة الإسلام

      قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: الأمة محتاجة إلى قادة وعلماء، يعرفون حضارة الإسلام، ويميزونها، وينفذونها بين الناس، فالمسلمون في حاجة إلى العلم وإلى التنفيذ، إلى علم نافع وعمل صالح وقائد صالح ينفذ أمر الله في عباد الله، فالمقام يحتاج إلى عناية بالعلم والعمل، بالتفقه في الدين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»؛ فالتفقه في الدين هو طريق الخير، وهو سبيل السعادة، حتى يستطيع العالم أن يقيم أمر الله على بصيرة، وهكذا القائد يستطيع أن ينفذ أمر الله على بصيرة، على ضوء ما يقوله العالم ويبصر به العالم، فالأمة محتاجة إلى قادة وعلماء.

الفوزان: المسلمون صاروا علماء الدنيا وقادة الدعوة

        قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: كان العالم عموما والعرب خصوصا قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء؛ فبعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، أرسله إلى العالم عموما وإلى العرب خصوصا، كما قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، فعلم الأميين الذين كانوا جهالا يعيشون على هامش الأمم من حولهم، حتى صاروا علماء الدنيا وقادة الدعوة، فتحوا القلوب والبلاد حتى صاروا سادة الدنيا ومعلمي الإنسانية، ونشروا العلم والإيمان في مشارق الأرض ومغاربها وانتشرت ثقافة الإسلام المستمدة من الكتاب والسنة.

الحضارة الإسلامية ذات ثروة فقهية هائلة

     للحضارة الإسلامية ميزة عظمى تفتقر إليها المجتمعات، ألا وهي الثروة الفقهية الهائلة التي تبين الأحكام التفصيلية لكل حادثة، مع إتاحة الفرصة الكاملة للاختلاف والاجتهادات ووجهات النظر، في حدود القواعد الشرعية والأصول الكلية، ومع المرونة الكاملة في التطبيق ومراعاة المصالح والمفاسد وتغيرها بحسب أحوال الأمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك